يركز الإعلام على تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على اقتصادها، وتبعات ذلك على الأسواق والاقتصاد العالمي ككل. لكن المشهد المؤثر لنواب البرلمان الأوروبي في بروكسيل، أمس الخميس، وهم يوافقون نهائيا على “بريكست” قبل ساعات من خروج بريطانيا القانوني من أوروبا، يعكس جانبا آخر من الاتفاق، وهو تأثيره على الاتحاد الأوروبي.
صحيح أن بريطانيا أكثر اعتمادا على أوروبا من اعتماد دول الاتحاد مجتمعة عليها، لكن أوروبا أيضا ستخسر المليارات بخروج لندن، أيا ما كان شكل الاتفاق بنهاية العام، وأكثر طبعا في حال “بريكست” من دون اتفاق.
تشكل صادرات بريطانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي نحو نصف صادراتها (47%)، بينما لا تتجاوز نسبة أوروبا مجتمعة لبريطانيا 6% (5.8% في 2018، متراجعة من 6.2% في 2017).
لكن بمقارنة حجم الاقتصاد البريطاني مع اقتصاد 26 دولة أعضاء في الاتحاد الأوروبي ووضع نسب التجارة السابقة في سياقها الصحيح، يمكن بسهولة استخلاص أن خسائر أوروبا من البريكست لا تقل أهمية.
وسواء أدت المفاوضات على شكل العلاقة البريطانية الأوروبية خلال العام إلى اتفاق تجارة وعلاقات اقتصادية، أو انتهى العام بـ”بريكست” من دون اتفاق، فإن بريطانيا ستكون خارج الاتحاد الجمركي الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة. الفارق بين اتفاق أو لا اتفاق هو أن تكون هناك قواعد تجارية بين لندن وبروكسيل، أو تخضع العلاقة لقواعد منظمة التجارة العالمية.
وفي كل الحالات، تعتزم حكومة حزب المحافظين، بقيادة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، تطبيق قواعدها ولوائحها وسن قوانينها التي تحكم العلاقات التجارية والاقتصادية مع أوروبا. ويعني ذلك فرض رسوم وجمارك وتحديد سقف حصص تصدير واستيراد لكثير من السلع ومدخلات سلاسل التوريد، وكذلك على الخدمات، وفي مقدمتها المالية.
خسائر أوروبا
يعني “البريكست” في أفضل الأحوال أن 16% فقط من صادرات أوروبا لبريطانيا ستكون محل فرض رسوم وتعريفة وتحديد سقف حصص. وبمراجعة القائمة التي وضعتها الحكومة البريطانية العام الماضي تحسبا لـ”بريكست” من دون اتفاق حول السلع الأوروبية التي ستفرض عليها رسوم بمجرد الخروج من الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة يمكن تقدير حجم خسائر أوروبا.
من بين صادرات أوروبية لبريطانيا عام 2018 وصلت إلى 332 مليار دولار (301.2 مليار يورو)، هناك سلع وبضائع بقيمة 52 مليار دولار (47.3 مليار يورو) ستفرض عليها الرسوم البريطانية، وسيعني ذلك تحصيل بريطانيا 5.5 مليار دولار لخزانتها، تعتبر خسائر للمصنعين الأوروبيين.
ومن بين نحو 500 سلعة، تعدّ الصادرات الأوروبية من السيارات لبريطانيا الأكبر، إذ تشكّل من حيث القيمة ثلاثة أرباع صادرات أوروبا لبريطانيا (77%) التي ستتعرض للرسوم والتعريفة بقيمة 42 مليار دولار (38.2 مليار يورو)، تأتي بعدها المنسوجات والملابس، ثم الأغذية، بخاصة منتجات الألبان واللحوم، بقيمة 3.5 مليار دولار (3.2 مليار يورو).
تعد ألمانيا أكبر المتضررين اقتصاديا من البريكست ضمن دول الاتحاد الأوروبي، ليس لكون اقتصادها الأكبر في أوروبا فحسب، بل كذلك لأن صادرات السيارات الألمانية هي الأعلى قيمة بين إجمالي صادرات أوروبا لبريطانيا.
وبحساب مئات السلع المصدرة من أوروبا لبريطانيا، والتي تتراوح بين الجبن وإطارات السيارات، يبلغ نصيب ألمانيا الذي سيتعرض للرسوم أكثر من 20 مليار دولار (18.8 مليار يورو)، ثم بلجيكا بقيمة صادرات تصل إلى 8 مليار دولار (7.3 مليار يورو)، ثم هولندا بـ3.5 مليار دولار (3.2 مليار يورو)، وفرنسا بـ3.3 مليار دولار (3 مليارات يورو)، وإيطاليا بـ2.2 مليار دولار (2 مليار يورو).
وكمثال على ذلك، نأخذ صادرات السيارات الألمانية التي ستفرض عليها بريطانيا رسوما وتعريفة جمركية، وحسب أرقام 2018 تصل قيمتها إلى أكثر من 19 مليار دولار (17.5 مليار يورو). وتتراوح الرسوم ما بين 10 و16%، وبحساب المتوسط يخسر مصنعو السيارات الألمان 2.2 مليار دولار (2 مليار يورو).
طبعا، لم يحسب هنا تأثير انفصال لندن عن أوروبا فيما يتعلق بالخدمات المالية وحرية انسياب الاستثمارات وعمل المؤسسات المالية والمصارف الدولية الكبرى التي ما زالت تتخذ من حيّ المال والأعمال في العاصمة البريطانية (سيتي أوف لندن) مقرا لها.
وإذا كان الاقتصاد البريطاني سيتأثر سلبا بالبريكست، باتفاق أو من دون اتفاق، فإن أوروبا أيضا ستتأثر. وأخذا في الاعتبار أن معدلات نمو الاقتصاد البريطاني – رغم التباطؤ الشديد- تظل نسبيا أفضل بشكل طفيف من معدلات نمو الاقتصاد الأوروبي إجمالا في المتوسط، يمكن القول إن التأثير السلبي للبريكست على أوروبا لن يكون أقل أهمية، وذلك مصدر قلق إضافي للأسواق، ومستقبل الاقتصاد العالمي ككل.
اندبندت العربي