القاهرة – استدعت الحكومة المصرية مؤسسة الأزهر ضمن مساعيها لمواجهة انفلات أسعار السلع الرئيسية في الأسواق، حيث لجأت إلى سلاح الفتاوى الدينية ليحل مكان تشديد الرقابة، في ظل عدم قدرة أجهزتها على دفع الأسعار نحو الانخفاض بشكل سريع.
وأكد مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمؤسسة الأزهر، أن لجوء فئة من التجار إلى استغلال أوقات الأزمات لتحقيق المزيد من الأرباح وتضخيم ثرواتهم والمتاجرة بآلام الناس “سلوك مخالف لما دعا إليه الدين من التراحم والتكافل والإحساس بالآخرين”.
وركزت فتوى الأزهر على تفاصيل معاملات الاحتكار وبدا الهدف تقديم رأي ديني في ممارسات التجار ووصف الاحتكار بأنه “منع تداول السلع فقط”، واعتبرت أن تواطؤ البائعين مع بعضهم البعض على البيع بالسعر الفاحش لتحقيق المزيد من الأرباح يعكس شكلًا من أشكال الاحتكار أيضَا.
وذهبت الفتوى إلى أبعد من ذلك بتأكيدها أن لجوء البعض إلى ترويج إشاعة وجود نقص في إحدى السلع لزيادة الطلب عليها خوفًا من نفادها، ثم ارتفاع أسعارها، “نوع من أنواع الاحتكار والاستغلال لحاجات الناس، وهو محرم”.
وتراهن الحكومة على قدرة المؤسسات الدينية على التأثير في المواطنين من خلال تحريم الاحتكار، ما يدفعهم إلى الاقتناع بفكرة أن الأزمة تكمن في التجار الذين لا يراعون دينهم، وبدلاً من أن يصب البسطاء جام غضبهم على الحكومة يصبح التجار هم بؤرة الغضب.
وجاء تقديم خطاب الأزهر في وقت تدرك فيه الحكومة أن أيامها معدودة مع توقّع إدخال تعديلات واسعة عليها عقب أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة الثلاثاء، حيث تستنفر الحكومة قواها لإحداث تطور إيجابي مع تيقنها من أن الأجهزة الرقابية أخفقت في ضبط الأسواق، وأن سلوكيات التجار تحدد بشكل كبير ما إذا كان من الممكن حدوث تراجع في أسعار السلع الرئيسية.
ووصل التضخم إلى 35 في المئة العام الماضي، وتضاعفت أسعار بعض السلع الأساسية، وخلال الشهر الماضي قفزت أسعار المستهلكين في مصر بنسبة 35.7 في المئة، مقابل 29.8 في المئة في يناير الماضي.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع اليساري بمجلس النواب النائب عاطف مغاوري إن اعتماد الحكومة على الفتاوى الدينية لضبط الأسواق عجز سياسي، اعتمادا على القاعدة الشعبية التي تقول “من لم يرتدع بالقرآن يرتدع بالسلطان”، ويقصد به القانون الذي تأتي بعده المسائل الإيمانية، لكن في الحالة المصرية تبدو الحكومة أمام حالة عجز لعدم قدرتها على مواجهة الأزمة الراهنة، وأن استعانتها بالمؤسسات الدينية، وفي مقدمتها الأزهر، تعني أنها وصلت إلى طريق مسدود.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تأتي ما يأتيه التجار، فعندما أقرت زيادة كلفة إصدار جواز السفر أرجعت السبب إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والأحبار وتعللت بالتخوف من تزويره، وهي المسوغات نفسها التي يتعلل بها التجار ويبررون بها زيادة أسعار منتجاتهم، كما أن الحكومة التي تحاول السيطرة على التجار بالفتاوى زادت أسعار المحروقات بنسبة كبيرة، وتعللت أيضا بزيادة أسعار النفط عالميا، في وقت تراجعت فيه قيمة الجنيه، ولذلك فاعتمادها على الفتاوى غير مقنع.
وأشار مغاوري إلى أن الحكومة تعتمد على سياسة تقوم على زيادة الرواتب ثم مد يدها إلى جيب المواطنين عبر زيادة قيمة الخدمات العامة، وليس مطلوبا منها أن تضاعف الرواتب، بل تضبط الأسواق وتوقف تحميل المواطنين أعباء زيادة الأسعار.
ويبدو الاحتفاء الحكومي بالفتاوى أحد أشكال تغييب الدولة المدنية التي من المفترض أن تعتمد على القانون والتشريع في إدارة قرارات الدولة التنفيذية، ومن الخطورة أن تكون الفتاوى الدينية هي الحاكمة لتوجهات المواطنين وليس إجراءات الحكومة التي لم يعد لها تأثير بسبب عدم تنفيذها واقتناع عدة فئات بوجود انفصام بينها وبين الواقع.
وقدم المؤشر العالمي للفتوى التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم دراسة موسعة حول فتاوى المعاملات المالية التي برزت مؤخرا، وكشف حجم ودور الفتوى على المستوى الرسمي في مصر، من خلال الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء، وجاءت الفتوى الخاصة بالاحتكار بنسبة 20 في المئة من إجمالي الفتاوى التي صدرت في مصر بشأن المعاملات المالية.
وتلتها الفتاوى الخاصة بظاهرة “المستريح”، ويوصف بها من يقوم بجمع أموال من المواطنين واستثمارها بعيدا عن الأطر القانونية، بنسبة 18 في المئة، ثم البيع في السوق السوداء خاصة في الأزمات الاقتصادية بنسبة 13 في المئة.
وذكر أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الفيوم (جنوب مصر) عبدالحميد زيد أن الاحتكار سلوك اقتصادي يظهر حينما تكون هناك إدارة سيئة من جانب الجهات القائمة على أوضاع الاقتصاد، ويبرهن على تراجع معدلات الإنتاج وعدم وجود رقابة ويعبر عن وجود عدة أمراض اقتصادية، وأن التعامل مع المشكلة لا بد أن يكون تنفيذاً واقتصادًا، وتلجأ الحكومة إلى الفتاوى لإدراكها أهمية منظومة القيم العاطفية لدى المصريين.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن القيم الدينية مكون رئيسي في المجتمع المصري، ويصبح التأثير قويًا فيها، لكن هذا التأثير يكون بشكل أوسع على الشرائح الاجتماعية البسيطة التي تتمسك بالفتاوى أملاً في تحسن أحوالها، ولا تؤثر بالقدر ذاته في شرائح الأثرياء الذين لا يهتمون بها، ومن بينهم محتكرون وتجار بوجه عام، وهم بصورة رئيسية من أصحاب رؤوس الأموال، ولا تكون تلك المعايير غالبا حاكمة في تصرفاتهم.
وأعلنت الحكومة المصرية مؤخرا توصلها إلى اتفاق مع التجار والمصنعين على خفض أسعار السلع بنسب تتراوح بين 15 و20 في المئة في الأسواق خلال يومين، على أن يستمر الانخفاض التدريجي حتى تصل النسبة إلى 30 في المئة بعد عيد الفطر، مستندة إلى انخفاض سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري مؤخرا، والإفراج عن البضائع المتراكمة في الموانئ، وهو أمر لم يتحقق بعد.
العرب