ميادين الاحتجاجات تلفظ انصار الصدر بعد مجزرة النجف

ميادين الاحتجاجات تلفظ انصار الصدر بعد مجزرة النجف

بغداد – استغل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ميليشياته المسماة “القبعات الزرق” في عملية قتل للمتظاهرين السلميين في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لدى الشيعة، لإجهاض حركة الاحتجاج غير المسبوقة في البلاد ضد هيمنة الأحزاب الفاسدة بعد فشل الوصفة الإيرانية الدموية التي نفذتها الميليشيات العراقية تحت ستار الدولة.

وعزت مصادر سياسية عراقية مجزرة النجف التي راح ضحيتها 11 متظاهرا سلميا من أهل المدينة، إلى الشعور المشوش الممزوج بالغضب والانكسار الذي ينتاب الصدر، بسبب استمرار التظاهرات الشعبية الحاشدة ضد الطبقة السياسية، رغم أوامره بانسحاب أنصاره منها، ما سبّب له حرجا بالغا، وطرح أسئلة بشأن موضوعية حصر القدرة على تحريك الشارع العراقي بطرف دون غيره.

وقال نشطاء إن “جماعة القبعات الزرق”، هم خليط من عناصر في ميليشيات عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وحركة النجباء بزعامة أكرم الكعبي وكتائب سيد الشهداء بزعامة أبوآلاء الولائي، مؤكدين وجود مخططات لاستنساخ مجزرة النجف ضد محتجين سلميين في مدن أخرى، تنفيذا للخطة الإيرانية.

وكثيرا ما قيل، إن أيّ تظاهرات لا يشارك فيها الصدر لن تكون مؤثرة، لكن الحراك الواسع، الذي شجعه انخراط الطلاب في التظاهرات، في أعقاب تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، قلب الموازين، وأثبت أن الاحتجاجات العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر الماضي والمستمرة حتى الآن، مستقلة تماما عن زعماء التيارات الدينية والشعبية والسياسية، وتتصل بالشارع الغاضب من تسبب الأحزاب الموالية لإيران في إفشال مشروع الدولة في العراق.

وسجل الصدر استدارة غريبة، منتقلا من المعسكر المحسوب على الشارع المنتفض إلى المعسكر المحسوب على إيران، حيث تقف الميليشيات إلى جانب السلطات المتورّطة في قتل الآلاف من المحتجين وجرحهم وتغييبهم.

ومد المتظاهرون الصدريون حركة الاحتجاج التي انطلقت عفويا بزخم هائل، وساعدوا ساحة التحرير، مركز الاحتجاج الرئيسي في العاصمة العراقية، على الصمود لشهور في وجه هجمات تشنها قوات الأمن وميليشيات مشاركة في حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، وقدموا العشرات من القتلى والجرحى وهم يساندون المحتجين.

وجاءت استدارة الصدر في أعقاب تطور لافت شهدته البلاد، تمثل في مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والمسؤول عن تحركات قوات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة قرب مطار بغداد، مطلع العام الجاري، ما أفسح مجالا واسعا في الملف العراقي.

وبرهن الشارع العراقي على أن حسابات الصدر لم تكن في محلّها، عندما راهن على أن سحب أنصاره من الساحات بعد مقتل سليماني، سيقضي على حركة الاحتجاج، إذ رفد الطلاب ساحات التظاهر بزخم هائل طيلة الأيام الماضية.

ومثلت مشاهد الحشود الطلابية في ساحات الاحتجاج لطمة قوية للصدر وأنصاره، دفعتهم إلى ترديد اتهامات جاهزة ضد المتظاهرين تتعلق بالمندسين والمخربين والأجندات الخارجية.

ويقول مراقبون إن الاحتجاجات العراقية كشفت عن حجم السخط الشعبي على إيران وسياساتها وحلفائها، ما دفعها إلى البحث عن خطط بديلة لإنقاذ مصالحها في هذا البلد، الذي تعده المنصة الأهم للتأثير في الشؤون الخارجية.

وتشير مصادر سياسية رفيعة في بغداد، إلى أن الصدر حصل على وعود إيرانية بتسيّد الملف العراقي على حساب الميليشيات وزعمائها، في حال تبنّى خيار إنقاذ الوضع السياسي في بلاده من التظاهرات الشعبية التي أوشكت مرارا على الإطاحة به.

إيران تكلف العامري التوسط بين الصدر والمالكي لجمع الأحزاب الشيعية
إيران تكلف هادي العامري التوسط بين مقتدى الصدر ونوري المالكي لجمع الأحزاب الشيعية
وكشف السياسي الشيعي المستقل حسن الموسوي عن وساطة إيرانية لتصحيح الأوضاع المتوترة بين الصدر وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

ويقول مراقبون إن إيران لا يمكن أن تتخلى عن المالكي، وهو رجلها المفضل في العراق، حتى إذا كانت بحاجة إلى الصدر، لذلك كلفت زعيم منظمة بدر هادي العامري بترطيب الأجواء بين الطرفين خلال هذه المرحلة، التي تتطلب توحيد جهود الأطراف السياسية الشيعية لمواجهة الشارع المنتفض.

ونقل العامري رسالة إيرانية تؤكد أن “وحدة الطائفة فوق أيّ اعتبار” في مسعى لجمع الصدر والمالكي من جديد.

وبعدما صنف الجمهور العراقي ووسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية والمجتمع الدولي الميليشيات العراقية على أنها أدوات إيرانية لقتل المحتجين العراقيين، بات البحث عن بديل لها أمرا ضروريا لحماية مصالح الطبقة السياسية التي تهددها الاحتجاجات، ما فسح المجال واسعا أمام الصدر.

واستخدم الصدر مصطلح “جماعة القبعات الزرق” لوصف أتباعه المسلحين الذين ينحدرون من “جيش المهدي”، وهي ميليشيا شكّلها رجل الدين الشيعي بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003 وتورطت في أعمال عنف طائفية.

وأوكل الصدر مهمة “تنظيف ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات من المندسين” إلى “جماعة القبعات الزرق”، التي سرعان ما تورط منتسبوها في مجزرة ضد المحتجين في مدينة النجف يوم الأربعاء، سقط خلالها 11 شخصا والمئات من الجرحى. فيما أفاد شهود عيان أن أنصار الصدر أطلقوا الرصاص الحي، الخميس، لتفريق متظاهرين معتصمين وسط مدينة كربلاء جنوبي العراق.

وقال سكان محليون إن أنصار الصدر استخدموا أسلحة خفيفة ومتوسطة في اقتحام “ساحة الصدرين”، الموقع الرئيسي للمعتصمين في النجف، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى، فيما حاول متظاهرون استعادة مواقعهم فجر الخميس، لكنهم جوبهوا بالرصاص الحي.

وقبل مجزرة النجف، احتك الصدريون بالمحتجين السلميين المعتصمين في بغداد وبابل، محاولين إخراجهم من مواقع الاحتجاجات الرئيسية.

وفرح الصدر وأنصاره بهذا الإنجاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في مواجهة غضب شعبي تمثل في تظاهرات شهدتها عدة مدن.

وحمّل متظاهرون في البصرة والديوانية يوم الخميس مقتدى الصدر مسؤولية دماء المحتجين التي سالت في النجف، واتهموه بأنه يريد ضرب الرافضين لتكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، بناء على توجيهات إيرانية.

واستخدم أنصار الصدر، تسجيلا فيديويا يظهر فيه عدد من العلب الفارغة لمشروب روحي في ساحة الاعتصام الرئيسية بالنجف، للتدليل على “انحلال” المتظاهرين، دعما للرواية الإيرانية التي تربط حركة الاحتجاج العراقية بمحركات أميركية، وهو أمر أثار استياء واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي، وكشف عن استعداد “جماعة القبعات الزرق” لتنفيذ أبشع الجرائم واتهام الضحايا بتهم رخيصة.

وقال مهند الكناني، الناشط الحقوقي الكربلائي البارز، الذي ترشح عن ساحات التظاهر لمنصب رئيس الوزراء بعد استقالة عادل عبدالمهدي، إن “ما حدث في النجف ليس بجديد، فأحزاب السلطات دائما ترسل عناصرها لقمع المحتجين ضدها وتقتلهم”، مشيرا إلى أن “الأمر الإيراني عندهم واجب التطبيق، في فض الاحتجاجات بأيّ طريقة كانت”.

ويؤكد المتظاهر محمد طالب هندسة والذي يتظاهر بشكل مستمر في ساحة التحرير في بغداد، أن “في النجف سقطت الأقنعة”.

وقال الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف إن “الصدر تخيل في أوقات سابقة أنه صار رجل الشارع العراقي الأول من غير منازع. كان ذلك حقيقيا غير أن الرهان على ثباته يعتبر مغامرة خاسرة”.

واعتبر يوسف في تصريح لـ”العرب” بعد مجزرة النجف التي ارتكبها الصدريون أن “المزاج الشعبي يتغير. ولأن الصدر رجل دين وهو ما يجعله يتعالى على الانفتاح على المزاج الشعبي فإنه كان يجهل أن شعبيته في انحدار. تلك حقيقة صار عليه أن يواجهها بغضب حين اعتقد أن في إمكانه أن يفي بتعهداته للنظام الإيراني بإنهاء الاحتجاجات الشعبية بعد مقتل سليماني”.

وفشل الصدر في الإيفاء بتعهداته لطهران بعد أن أمر أتباعه بالانسحاب. لقد شعر المحتجّون يومها بأنهم تحرروا من تهمة التبعية لرجل لا يثقون به لا بسبب تقلباته وحدها بل وأيضا وبشكل أساس بسبب ارتباطه بعجلة الفساد التي يديرها النظام الذي يسعون إلى إسقاطه.

العرب