بغداد – تروّج الأحزاب الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق لـ“استقلالية” رئيس الوزراء المكلّف محمّد توفيق علاّوي و”حرّيته التامّة” في اختيار أعضاء حكومته، على أمل تخفيف الرفض الشعبي له والمتجسّد في تصعيد المحتجّين لحراكهم للمطالبة باختيار شخصية مستقّلة لتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.
وقال علي العبودي النائب بالبرلمان العراقي عن تيار الحكمة بزعامة عمّار الحكيم، إنّ عدّة قوى سياسية منحت علاّوي ضوءا أخضر يكفل له حرية اختيار وزرائه باستقلالية ومن دون ضغوط حزبية.
وتمسك الأحزاب الشيعية الكبرى المقرّبة من إيران بزمام الدولة العراقية وتتحكّم بقراراتها وتتصرّف بثرواتها. ورغم تعثّر تجربة الحكم التي تقودها تلك الأحزاب وفشلها الذريع اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، فإنّ من المستبعد أن تفرّط في الحكم وما يدرّه من منافع مادية وما يوفّره من حصانة ضدّ المحاسبة، خصوصا وأن قادة كبار في تلك الأحزاب تولوا مناصب رفيعة في الدولة ومتهمون بإهدار مئات المليارات من الدولارات.
ولا يخرج اختيار محمّد علاوي لتشكيل حكومة جديدة عن صراع الأحزاب الشيعية على السلطة، رغم محاولة التخفّي وراء الاستقلالية الوهمية لرئيس الوزراء المكلّف.
وقيل لدى تكليف علاوي من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح تشكيل حكومة جديدة إنّه مستقل ونظيف اليد، لكن الشارع رفضه بقوّة باعتبار أنّه مدعوم بشكل غير مباشر من قبل الكتلتين الأكبر في البرلمان العراقي؛ سائرون التي يرعاها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر والفتح التي يتزعمها قائد ميليشيا بدر هادي العامري المقرب من إيران، إضافة إلى أنّ له تجربة وزارية سابقة ضمن حكومة نوري المالكي التي شغل فيها منصب وزير للاتصالات.
وهدّد التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، قبل أيام، محمد علاوي بـ“إسقاطه” خلال ثلاثة أيام في حال أقدم على توزير أشخاص ينتمون إلى جهات سياسية، وخصوصا من الفصائل الشيعية المسلّحة.
وبحسب متابعين للشأن العراقي، فإنّ هذا التهديد لا يعكس حرصا على استقلالية الحكومة، بقدر ما يعكس مخاوف لدى الصدر من ذهاب السلطة مجدّدا لخصومه من قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الذين نجحوا في تهميشه على مدى السبع عشرة سنة الماضية وظل يخوض ضدّهم صراعا شرسا وصل حدّ الصّدام المسلّح ضدّ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي استخدم سنة 2008 سلاح الدولة في ضرب وتفكيك ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر عندما أظهر الأخير بوادر تمرّد على سلطة المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية.
وقال العبودي في تصريحات صحافية هناك نوايا سلمية لبعض القوى السياسية في منح رئيس الوزراء المكلف مساحة واسعة من العمل وعدم تبني الثقافات التي فيها نوع من الشيطنة كأن يكون الوزير لك والوزارة لنا”.
ويشير النائب بذلك إلى تكتيك اعتمدته الأحزاب السياسية للإيهام باستقلالية حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبدالمهدي، ويتمثّل في عدم المطالبة بمنصب الوزير في مقابل الاكتفاء بالحصول على مناصب المستشارين والمدراء العامين، الذي يتولوّن بشكل عملي إدارة الوزراة وتوجيهها نحو ما يخدم أحزابهم سياسيا وماديا.
ورغم ذلك لم تصمد حكومة عبدالمهدي في وجه الشارع الغاضب الذي ضغط عليها بقوّة وتمكّن من إسقاطها، ويطالب بحكومة بديلة تكون مستقلّة بالكامل وبشكل فعلي.
وصعّد المحتجّون مؤخرا من حراكهم في مدن وسط وجنوب العراق، وطالبوا بإجراء استفتاء شعبي لاختيار شخصية مستقلّة تكلف تشكيل الحكومة المقبلة. كما أمهلوا السلطات ومن ضمنها مفوضية الانتخابات والقضاء أسبوعا واحدا للإعلان عن الآلية التي سيتم بها إجراء الاستفتاء المطلوب. وأضاف النائب عن تيار الحكمة “هناك اجتماعات متكررة لرئيس الوزراء المكلف مع قادة القوى السياسية والنواب الذين وقّعوا له للتوصل إلى شخصيات يمكن أن تشكل الكابينة الحكومية”.
وتابع “نفضل أن تكون ثقافة نحن هي السائدة وتغييب ثقافة الأنا كي ننطلق بالبلد إلى الأمام، ونوصل رسالة إلى الجمهور بأن ما حصل من تغيير هو بفضل الضغوط التي فرضتها التظاهرات على الكتل السياسية، ولنشعر المتظاهرين بأن تظاهراتهم كانت لها قيمة”.
ونصح بإغراء المحتجّين بمنصب وزاري قائلا “لا ضير في اختيار أحد الكوادر المهنية ممن يمثلون ساحات التظاهر ضمن التشكيلة الحكومية، لأن مثل هذه الرسائل تشعرهم بنشوة الانتصار”.
لكنّ العبودي اقترح الإبقاء على وزراء من حكومة عبدالمهدي ضمن تشكيلة حكومة علاوي المرتقبة ناصحا رئيس الوزراء المكلّف بأن “يأخذ بعين الاعتبار الوزراء الجيدين الذين عملوا بشكل صحيح في وزاراتهم وإمكانية إبقائهم في مناصبهم وذلك أفضل من استبدالهم بشخصيات جديدة يمكن أن تضيّع سنة كاملة للبدء من جديد”.
العرب