في السادس من شباط/ فبراير، أكّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن زعيم تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» [«القاعدة في شبه الجزيرة العربية»] قاسم الريمي قد قُتل خلال عملية لمكافحة الإرهاب نفذتها الولايات المتحدة في اليمن. ورغم عدم إعطاء أي تاريخ أو تفاصيل، إلا أن شائعات مقتل الريمي في هجوم بطائرة أمريكية بدون طيار بدأت تنتشر على المنتديات الجهادية الإلكترونية في أواخر كانون الثاني/ يناير. وفي حين أن مقتله “يقرّبنا أكثر من القضاء على التهديدات التي تشكلها هذه الجماعات على أمننا القومي”، كما صرّح الرئيس الأمريكي، إلّا أن آثاره على المدى القريب قد تكون محدودة – ويعود السبب جزئياً إلى أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» لم يعد الفرع الأقوى لـ «القاعدة»، كما أنّ مقتل أي زعيم فردي لا يمكن أن يكون له أثر أكبر من ذلك.
أهمية الريمي
كان الريمي يستوفي الكثير من المعايير الضرورية ليكون زعيماً في تنظيم «القاعدة»، أي ما يكفي لتبرير مكافأة قدرها 10 ملايين دولار [لمن يعتقله/يخبر عن مكان تواجده/… يقتله]. وقد صقل قدراته الجهادية في أفغانستان في التسعينيات، وأمضى فترة في السجن، وأصبح بطلاً بعد هروبه من السجن، وساعد في الإشراف على دمج فرعي التنظيم السعودي واليمني، وأثبت أنه مخطِّط عسكري ماهر. وبصفته كبير القادة العسكريين في تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، فقد ارتبط اسمه بالعديد من العمليات التي استأثرت بالعناوين الرئيسية داخل اليمن، من قصف مجموعات سياحية أجنبية والسفارة الأمريكية أواخر العقد الماضي إلى جانب مئات العمليات ضد أهداف محلية. وخارج اليمن، ارتبط اسم التنظيم إما بشكل مباشر أو عن طريق الاستلهام بالعديد من المؤامرات، بما فيها المساعي الفاشلة لتفجير طائرة ركاب وطائرتَي شحن.
وقد ضعفت إلى حدّ كبير قدرة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على شنّ هجمات في الخارج منذ أن أصبح الريمي زعيماً له في عام 2015، لكن جهوده لإلهام مهاجمين آخرين لا تزال قوية. ففي الأسبوع الأول من شباط/فبراير الحالي، ظهر الريمي في فيديو معلناً مسؤوليته عن حادثة إطلاق النار في القاعدة الأمريكية في بينساكولا في 6 كانون الأول/ ديسمبر. وحث المسلمين في أمريكا على شنّ هجمات بأي وسائل ممكنة، بعد أن ضمن لهم سابقاً مكانة عالية في الجنة، وذلك في مقطع فيديو مصوّر له عام 2017 بعنوان “المجاهد المنفرد”. ولا يزال هذا التهديد المستوحى منه قائماً بشكل فعلي، وخاصةٍ منذ أن درجت عادة “بإبقاء” القادة المتوفين لـ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أحياء عبر إعادة نشر وتوزيع لقطات فيديو لهم.
لكن لا ينبغي المبالغة بمكانة الريمي. فالتنظيم انقسم وضعف في ظل قيادته، ولم يتمكن أبداً من ملء مكان سلفه ناصر الوحيشي، الذي كان من بين كبار الشخصيات الست في تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» الذين لقوا حتفهم في هجمات بطائرات بدون طيار في أوائل عام 2015. وقد تخرج الوحيشي من معهد ديني، في حين كانت مؤهلات الريمي الدينية ضعيفة. فضلاً عن ذلك، وُلد الريمي في شمال اليمن من عائلة تنحدر من محافظة ريمة، لذا كان يفتقر إلى لمسة سلفه المحلية المولود في أبين مع القبائل المتواجدة في معاقل التنظيم جنوب البلاد. كما كان يفتقر إلى حس الفكاهة والجاذبية مقارنةً بالوحيشي، مما أسفر عن إنتاج إعلامي مثمر ولكن غير مفعم بالحيوية – كما اتضح من سلسلة محاضرات متتالية بدا فيها ضعيفاً وهو يحاضر في تأملات دنيوية حول دراسة عن الحرب الإسلامية في القرون الوسطى تألفت من 40 حلقة. باختصار، كان قائداً عسكرياً وليس إيديولوجياً.
ولا شكّ أن مقتله لا يزال يحمل أهمية عملية ورمزية. لكنّ هذه الأهمية محدودة طالما هناك شخص يمكنه ملء مكان الزعيم “الشهيد” الأخير. وتتمثل مشكلة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في خسارته القادة ذوي الكفاءات العالية والمتمرسين المخضرمين الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني في التسعينيات. وقد ساهمت حملة ضخمة لمكافحة الإرهاب – شملت أكثر من 120 غارة أمريكية في عام 2017 وحده – في استنزاف هذه المجموعة الموهوبة، وقوّضت بشدة قدرة التنظيم على تدريب الجيل القادم من الزعماء.
وحتى كتابة هذه السطور، لم يكن التنظيم قد أعلن عن خلف الريمي أو حتى أقرّ بمقتله. وهذا أمر غير معتاد، لأنه أعلن عن مقتل الوحيشي وعيّن خلفاً له في غضون ثلاثة أيام. وقد بدأ المناصرون القلقون يطالبون بإيضاحات على المنتديات الإلكترونية، مشيرين إلى أن التنظيم في حالة من الفوضى.
وقد تمّ طرح أسماء أربعة قياديين كمرشحين محتملين ليخلفوا الريمي، رغم أنهم الخيارات الوحيدة المتوافرة فعلياً، وهم: سعد العولقي، خالد باطرفي، إبراهيم القوصي، أو إبراهيم البنا. وهناك مكافآت بملايين الدولارات لمن يقوم بتسليم هؤلاء الأربعة، مما يحدّ مجال المناورة أمامهم، ناهيك عن استعادة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أمجاده.
منظمة ضعيفة
يمر تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بأسوأ نقاط ضعفه خلال عقد من الزمن، على الأقل من حيث هويته كجماعة متماسكة ذات إيديولوجية دينية في المقام الأول. كما أن حلمه في إقامة دولة إسلامية في اليمن بعيد المنال. فخلال ذروته بين العامَين 2015 و2016، استفاد من دخول البلاد في حالة حرب للتجنيد على نحو واسع النطاق، وملء خزائنه بالأموال، وإقامة شبه دولة تُحكم من ميناء المكلا الشرقي. ومع ذلك، تكافح قيادة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» اليوم من أجل الحفاظ حتى على رقعة صغيرة من الأرض بين قمم التلال الوعرة شمال غرب البيضاء. وعلى مدار العام ونصف العام الماضي، تمّ جر التنظيم إلى معركة مشتتة للانتباه مع جماعة تُطلق على نفسها اسم «داعش في البيضاء» وانتشرت فئات انفصالية في أرجاء أخرى من البلاد.
وفي غضون ذلك، أقنعت الغارات المتواصلة بطائرات بدون طيار تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بأنه قد تمّ دسّ مخبرين في صفوفه، مما أدى إلى حدّ اتصالاته بشكل كبير وشلّ حركته بشكل أساسي. ومنذ عام 2014، خَصص التنظيم عشرة مقاطع فيديو لموضوع طرد الجواسيس الداخليين. حتى أن بعض المعلقين في منتديات مؤيدي تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أشاروا في بعض الأحيان إلى أن الريمي نفسه قد يكون مخبراً، لأنه كان من بين القياديين القلائل الذين بقوا على قيد الحياة رغم سنوات من الهجمات الأمريكية المدمرة. وقد ساهمت هذه الشكوك والاقتتال الداخلي في تجزئة الجماعة بشكل أكبر.
وفي الوقت نفسه، انخفض بشكل كبير عدد العمليات التي ادّعى تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» رسمياً مسؤوليته عن تنفيذها منذ عام 2017، خاصةٍ خلال الأشهر الأربعة الماضية. ويرجع ذلك جزئياً إلى الجهود المتضافرة التي تبذلها وكالات إنفاذ القانون لإيقاف وجود التنظيم على خدمة “التلغرام” وغيرها من الخدمات عبر الإنترنت. فانتقلت الجماعة إلى منصات أخرى، ولكن نتاجها هناك لا يزال ضئيلاً.
ومن المثير للاهتمام، أن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أعلن مسؤوليته عن عدد أقل بكثير من الهجمات من تلك التي نُسبت إليه. وقد ينبع ذلك جزئياً من معاناته الداخلية على مستوى التواصل. ولكن من المرجح أيضاً أن يكون ذلك نتيجة إقدام جهات فاعلة أخرى في الحرب اليمنية على “نسب بعض العمليات بشكل مضلل” إلى التنظيم للتغطية على دوافعها السياسية الخاصة. وفي المقابل، قد يتجاهل التنظيم عمليات نفذتها فروع سابقة تابعة له التي يعتبرها الآن مارقة؛ وبالفعل، لم يتمّ نشر العديد من الادعاءات التي قامت بها جماعات تعتبر نفسها تابعة لـ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» على قناته الرسمية.
ويبدو أن ميليشيات تحالف مختلفة في الجنوب تستميل الفئات المنشقة عن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب». ويمكن تقسيم قوات هذه الميليشيات إلى معسكرين انفصاليَين أحدهما موالٍ للحكومة والآخر موالٍ للجنوب. ورغم أن الأدلة تشير إلى اتجاهات مختلفة، إلّا أن النفور الإيديولوجي العام للتنظيم من الانفصال أصبح نقطة يمكن استغلالها (يرفض قادة التنظيم الموافقة على حدود رسمها الإنسان ويصورون الانفصاليين على أنهم اشتراكيون بلا إله). فقد ازدادت وتيرة العمليات التي شنّها التنظيم ضد القوات الموالية للانفصال خلال آب/ أغسطس الماضي بالتزامن مع تأكيد “المجلس الانتقالي الجنوبي” على السلطة السياسية التي يتمتع بها التنظيم. وكانت “قوات الحزام الأمني” الموالية لـ “المجلس” في أبين أحد الأهداف الرئيسية للتنظيم على مدار العامَين الماضيَين، لتأتي مباشرة بعد «داعش في البيضاء». وقد حلّ الحوثيون في المركز الثالث، رغم أن الإيديولوجيين في تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» يصفونهم بأنهم جنود إيران الشيعة الكافرون على الأرض.
ويثير هذا التساؤل حول ما إذا كان تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أو بعض من فروعه الصغيرة يتحولون من كونهم محاربين في حرب مقدسة إلى قتلة مأجورين – وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كانوا يقومون بذلك لأسباب إيديولوجية أو سياسية أو مالية. وتبقى الإجابة مبهمة حتى بالنسبة للمراقبين لشؤون اليمن الشديدي الملاحظة، بسبب المزيج المحلي المعقد من المصالح المتداخلة، والولاءات غير الثابتة، والهجمات المنسوبة إلى غير الجهات الحقيقية التي نفذتها، والتضليل الإعلامي. وفي هذا السياق، تزداد صعوبة تحديد ماهية تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» أو هويته بدقة. غير أن أمراً واحداً يبدو واضحاً: غالباً ما تتغير الظروف بسرعة في اليمن، لذلك يمكن أن يستعيد التنظيم قوته كتهديد إرهابي خلال فترة قصيرة إذا تغيّر المشهد مرة أخرى.
ليست ضربة قاضية
ربما سيبرز تجسّد ذو طابع سياسي متزايد لتنظيم «القاعدة في اليمن». فبعض مقاتلي تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» ربما يتحولون من جهاديين إيديولوجيين إلى قتلة مأجورين سواء طوعاً أو بحكم الضرورة. ومع ذلك، لا يزال الجوهر الإيديولوجي لـ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» قائماً. فمقتل الريمي وجّه ضربة له لكنها لم تكن قاضية. وفي ظل تفكك اليمن وازدياد الانقسامات في صفوف الأطراف المتحاربة، سيجد تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» أنه من السهل إعادة رصّ صفوفه والازدهار مجدداً.
وعلى العكس من ذلك، قد يؤدي اتفاق سلام إلى جعل البلاد حتى أكثر عرضة لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» لفترة من الوقت، لأنه سيترك حتماً بعض شرائح السكان يشعرون مهمشين فضلاً عن عدد لا يحصى من المقاتلين دون رواتب. وقد يكون ذلك بمثابة أرض خصبة للتجنيد يستغلها زعماء التنظيم إذا جعلوا سرديتهم الخاصة بالجهاد العالمي تحاكي المظالم المحلية. ووفقاً لذلك، يتعين على الأمم المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرين استغلال حالة الفوضى الحالية في صفوف الجماعة واتخاذ خطوات لضمان عدم التخلي عن أي فصائل يمنية – ويمكن تحقيق ذلك جزئياً من خلال التصدي للظروف الأساسية التي تولّد التطرف، ولكن أيضاً من خلال اعتماد آليات شفافة توفر تمثيلاً شاملاً في محادثات السلام.
إليزابيث كيندال
معهد واشنطن