زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان وإعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله المواجهة الشاملة مع الولايات المتحدة مؤشران خطيران على أن لبنان أصبح في قلب الصراع الأميركي الإيراني.
بيروت – شكلت العاصمة اللبنانية بيروت المحطة الثانية في جولة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بعد العاصمة السورية دمشق، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيارة تمت بدعوة رسمية، وإذا كان كذلك فمن وجَّهها؟ ولماذا لم تعلن عنها الدولة اللبنانية بل السفارة الإيرانية؟
وترجح أوساط سياسية أن الزيارة التي أتت بعد أيام قليلة من منح البرلمان اللبناني الثقة لحكومة حسان دياب الهدف منها إيصال رسالة للقوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة أن لبنان أصبح ضلعا رئيسيا إن لم يكن مركز ما يطلق عليه “محور المقاومة”.
وتلفت الأوساط إلى أنه ليس مستبعدا أن يكون حزب الله الذي بات المتحكم الفعلي بكل أبعاد المشهد اللبناني، من يقف خلف هذه الدعوة، خاصة وأنها تزامنت مع إحياء الحزب لأربعينية ما يسمى بـ”شهداء محور المقاومة” والمقصود هنا مهندس التحركات الإيرانية في المنطقة، قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس ميليشيا “الحشد الشعبي” أبومهدي المهندس اللذين قتلا في غارة أميركية قرب مطار بغداد يوم 3 يناير الماضي.
واستبق الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله زيارة لاريجاني مساء الأحد، بخطاب ناري موجه للإدارة الأميركية قال فيه، يجب “مواجهة رأس الأفعى الممثلة بإدارة دونالد ترامب”، مشددا “إذا كانت شعوب المنطقة تريد الحفاظ على كرامتها وهويتها، خيارها المقاومة الشعبية وكل أشكال المقاومة ومن بينها المسلحة”.
وقال نصرالله بمناسبة أربعينية سليماني والمهندس “إدارة ترامب، ارتكبت خلال الأسابيع الماضية، جريمتين عظيمتين: الأولى عندما أقدمت على اغتيال سليماني والمهندس في عملية علنية، والجريمة الثانية عندما أعلن ترامب ما سمي بصفقة القرن، وبالتالي الأولى مقدمة للجريمة الثانية”.
وأضاف “نحن أمام مواجهة شاملة مع هذا الوحش الاستبدادي وأدعو الجميع بمن فيهم النخب والعلماء والمفكرين لوضع برامج وخطط للدخول في المواجهة الكبرى مع إدارة ترامب”.
ويقول محللون إن خطاب نصرالله التحريضي ضد الولايات المتحدة وزيارة لاريجاني يعززان الرأي القائم بتحول لبنان إلى جبهة المواجهة الأولى بين إيران والولايات المتحدة.
ويشير المحللون إلى أن تصريحات زعيم حزب الله تؤكد صحة التقارير الغربية التي تحدثت عن أن حسن نصرالله عمليا هو من خلَف سليماني وقد كلفته إيران بإعادة ترتيب بيت “الحشد الشعبي” العراقي وتولي مهمة تشكيل “جبهة موحدة” لمواجهة الولايات المتحدة.
ويحذر هؤلاء من أن حزب الله يقود لبنان إلى مصير مجهول خاصة مع الأزمة التي يتخبط فيها البلد. وينازع لبنان لإقناع المجتمع الدولي بضرورة دعمه اقتصاديا في ظل أزمة سيولة شديدة وسداد ديون أقربها سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار تستحق في 9 مارس. وعلى ضوء تحول لبنان إلى منبر للتحريض على الولايات المتحدة وعلى حلفائها في المنطقة من خلال عودة استهداف نصرالله أيضا للسعودية ودورها في اليمن، فإنه صار من المستبعد الحصول على أي دعم، الأمر الذي يعني أن البلاد تتجه بسرعة نحو الإفلاس.
ويعتقد كثيرون أن المرحلة الحالية ستشهد المزيد من الكباش بين إيران وأذرعها وفي مقدمتهم حزب الله، والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتحرك خاصة وأن سيطرة إيران الكلية على لبنان تشكل تهديدا مباشرا لأمنهم القومي.
وبرزت في الفترة الأخيرة مؤشرات عن عودة الحرارة بين السعودية وتيار المستقبل الذي يعد ركنا أساسيا في حرب استعادة سيادة لبنان، خاصة بعد أن أقدم زعيمه سعد الحريري على مراجعة ذاتية لسياساته في الفترة الماضية خاصة في علاقة بتحالفه مع التيار الوطني الحر وتقاطعه مع حزب الله في عدة محطات.
وشكلت تصريحات أدلى بها في وقت سابق، نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان رسالة عن استمرار رهان السعودية على ما يطلق عليه “الحريرية السياسية” لتحرير لبنان. وقال الأمير خالد بن سلمان الأحد إن “ميليشيا الغدر الإيرانية” اغتالت رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري إلا أن “مشروعه الوطني بقي يواجه تلك الميليشيات التي قتلته وسط بيروت”.
وأوضح عبر حسابه على “تويتر”، “استشهد قبل 15 عامًا رفيق الحريري، كان قائدًا وطنيًّا مصلحًا، قاد مسيرة إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في وطنه وابتعث الآلاف من أبناء شعبه من مختلف الطوائف، اغتالته ميليشيات الغدر الإيرانية التي ضاقت ذرعًا به وبمشروع النهضة الوطني الذي كان يدافع عنه، فهي لا تعرف إلا ثقافة الدمار”.
وشدد “رحل رفيق إلى جوار ربه، وستبقى رؤيته ومشروعه الوطني الذي يصبو لتحقيق الاستقرار والازدهار والتعايش في مواجهة مشاريع الميليشيات الطائفية التي لا تؤمن بالوطن ولا بكرامة المواطن”.
وتراجع الاهتمام السعودي في السنوات الأخيرة بلبنان، ويعيد محللون ذلك إلى امتعاض المملكة من سياسات بعض الحلفاء في الداخل وفي مقدمتهم تيار المستقبل الذي اتخذ خطا مغايرا للنهج الذي رسمه الحريري الأب والذي يقوم على تحرير لبنان وضمان سيادته.
ويعتبر كثيرون أن استدارة التيار الأخيرة وإعادة تصويب المسار تشكل حافزا للسعودية لإعادة التموضع مجددا في لبنان وعدم السماح لإيران بتثبيت هيمنتها على هذا البلد.
العرب