بغداد – ينسق رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي مع القوى السياسية الكردية لعرقلة انعقاد مجلس النواب في جلسة استثنائية للتصويت على الكابينة الوزارية التي يستعد رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي لتأليفها، بسبب خلافات على “حصص المكونات” فيها، وفقا لمصادر مطلعة.
وقالت المصادر في تصريح لـ”العرب” إن “الحلبوسي أجهض محاولتين حتى الآن، قام بهما رئيس الوزراء المكلف، لدعوة البرلمان إلى جلسة استثنائية بهدف التصويت على حكومته”، مشيرة إلى أن “رئيس البرلمان يعتقد أن كابينة علاوي ربما أضرت بحقوق المكونيْن السني والكردي في السلطة التنفيذية، وسلبت منهما مناصب مهمة”.
ووفقا لنواب في البرلمان العراقي، قد فشلت محاولات وسطاء في إقناع الحلبوسي وعلاوي بالجلوس وجها لوجه والتفاوض بشأن الحكومة الجديدة، فبينما يتمسك الأول بعدد من الحقائب الوزارية، ويصر على تكليف أسماء محددة بإدارتها، يريد الثاني أن يعين الشخصيات التي يختارها بمحض إرادته، دون تشاور مع الأحزاب، حتى وإن كانت مثيرة للجدل.
واعتبرت المصادر اعتراض الحلبوسي على كابينة علاوي وبالتالي عمله من أجل عرقلة انعقاد البرلمان لمنحها الثقة، ربما ليس خيارا استراتيجيا، إذ قد يتغير الموقف في أي لحظة، في ظل استمرار المفاوضات بين مختلف الأطراف.
ويقول مقربون من رئيس البرلمان إن الدعوة إلى انعقاد البرلمان في جلسة استثنائية لن تكون أمرا ممكنا في ظل اعتراض الحلبوسي، رغم أن القوى الشيعية والسنية الداعمة لعلاوي تملك الأغلبية اللازمة لتمرير حكومته عبر البرلمان، بغض النظر عن حجم الاعتراضات.
وتوقعت مصادر سياسية أن ترى حكومة علاوي النور الأسبوع المقبل، في حال الدعوة إلى الجلسة الاستثنائية في بحر الأسبوع الجاري، نظرا إلى حاجة نواب المحافظات والنواب المقيمين خارج البلاد إلى نحو ثلاثة أيام للوصول إلى بغداد وحضور جلسة منح الثقة.
ومساء الاثنين، عقد علاوي اجتماعا مع ممثلي الكتل النيابية بصفتهم السياسية للمرة الأولى، منذ تكليفه، لإطلاعهم على حصيلة مشاوراته بشأن أعضاء الكابينة الوزارية التي اختارها.
وأبلغ أحد ممثلي الكتل “العرب” بعد خروجه من الاجتماع، بأن “علاوي أكمل عملية اختيار أعضاء كابينته الوزارية، وقدم عن كل منهم عرضا مختصرا خلال اللقاء”، مضيفا أن “الكتل السياسية ستدرس اختيارات علاوي، وتبلغه موقفها منها في موعد أقصاه يوم الأربعاء”.
وأوضح أن “اللقاء بعلاوي كان هادئا، ولم يشهد اعتراضات تذكر”، في إشارة إلى إمكانية أن تحوز خياراته موافقة معظم الأطراف الرئيسية في المشهد السياسي العراقي.
وأقر جاسم الحلفي، القيادي البارز في الحزب الشيوعي العراقي والعضو المفاوض في الوفد السياسي لكتلة سائرون التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهي أكبر كتل البرلمان العراقي، بأن الأسماء التي تسربت على أنها جزء من الكابينة الجديدة، مثيرة للجدل، وستثير الخلافات في صفوف القوى السياسية، مشيرا إلى أن خيارات علاوي لا يمكن أن تتطابق مع تطلعات المتظاهرين العراقيين الذين يعتصمون في الساحات الرئيسية ببغداد والمحافظات منذ خمسة أشهر.
وعقد الحلبوسي اجتماعا وصف بالحاسم مع الزعيم الكردي البارز مسعود البارزاني، للتباحث بشأن المشاركة في الحكومة الجديدة، إذ أقر الجانبان بأن “أي حكومة قادمة ينبغي أن تكون ممثلة لجميع مكونات العراق، وعلى قاعدة الشراكة الوطنية”، مع ضرورة أن “يتضمن البرنامج الحكومي رؤية واضحة في الإعداد لإجراء الانتخابات المبكرة وبأسرع وقت ممكن تلبية لمطالب المتظاهرين”.
وفي تحد صريح لرغبة القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران، اتفق الحلبوسي والبارزاني على “استمرار التعاون مع التحالف الدولي لمساعدة العراق على مواجهة خطر الإرهاب، والقضاء على فلول داعش”، على أن يتضمن برنامج حكومة علاوي “خطة واضحة لإعادة الهيبة إلى مؤسسات الدولة وصيانة السلم الاجتماعي وإنهاء التدخلات الخارجية، وحصر السلاح بيد الدولة، وإنهاء المظاهر العسكرية غير الرسمية”.
وبالرغم من أن مواقف الطرفين تشير إلى وجود خط رجعة يسمح بالتوافق على شكل حكومة علاوي في أي لحظة، في حال قدم رئيس الوزراء المكلف الضمانات اللازمة، فإنها تضمنت مؤشرا واضحا على إمكانية معارضة مرورها عبر البرلمان.
وإذا كان الحلبوسي والبارزاني عبرا بتحفظ عن ملاحظاتهما بشأن الاتفاق السياسي الذي أنتج حكومة علاوي، فإن ساسة بارزين في المكونين السني والكردي كانوا أكثر صراحة في سرد تصورات متشائمة عن المرحلة المقبلة.
وفي هذا السياق يقول محمد الكربولي، وهو قيادي بارز في كتلة اتحاد القوى السنية التي يقودها الحلبوسي، إن حكومة علاوي “لن تعيش، لأنها نسخة عن التي أسقطها الشعب”، في إشارة إلى حكومة عادل عبدالمهدي التي استقالت تحت ضغط التظاهرات، مضيفا أن “الحكومة المختلف عليها، كانت موضع اعتراض شعبي منذ يوم التكليف الأول”.
من جهته قال بشير حداد، وهو قيادي بارز في حزب البارزاني ويشغل منصب نائب رئيس مجلس النواب العراقي، إن “عدم الالتفات إلى إشراك المكونات الرئيسة في البلاد (في حكومة علاوي)، يؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع ويهدد النسيج الوطني والسلم الاجتماعي”.
وأضاف أن “هذه الأيام حساسة وحاسمة، مع اقتراب تقديم علاوي كابينته الوزارية، لذا على جميع الأطراف العراقية العمل الجاد للخروج من الأزمة الحالية بما يسهم في استقرار أوضاع البلاد”.
ويرى حداد أن برنامج حكومة علاوي “يجب أن يتضمن رؤية واضحة في حل المعضلات التي يعاني منها الشعب العراقي، وتلبية مطالب المتظاهرين”.
وشكل اعتراض الحلبوسي على وزارة علاوي المرتقبة فرصة لخصوم رئيس البرلمان داخل الأوساط السنية، إذ سرعان ما التقى ممثلون عن كتلة المشروع العربي بزعامة خميس الخنجر مع آخرين من جبهة الإنقاذ بزعامة أسامة النجيفي، للإعلان عن مساندة رئيس الوزراء المكلف، ومنح حكومته الفرصة الكاملة.
ورغم أن إعلان المساندة هذا، جاء في سياق الحديث عن “المخاطر” التي تهدد البلاد، و”الحرص” على توحيد الصفوف، إلا أن الدوافع الحقيقية، وفقا لمراقبين، تتعلق بالخصومة المستمرة بين الأطراف السياسية السنية على زعامة هذا المكون، إذ يعتقد كل من الحلبوسي والخنجر والنجيفي أنه الأحق بهذه الصفة.
العرب