لم تتوقف إيران منذ عودة الخميني من منفاه عام 1979، بعد أن أطاحت ثورة حدثت هناك بحكم الشاه، عن التهديد يوميا برمي إسرائيل في البحر، وتدمير الولايات المتحدة.
لا جديد في ذلك، المشكلة أن تصدّقَ أطراف عربية هذه الادعاءات وتسمح لإيران بإطلاق التهديدات من فوق أرضها.
وليست المشكلة أيضا، أن إيران وحكامها يصدقون أنهم أولياء الله على الأرض، فهم أولا وأخيرا يخدمون مصالحهم على حساب غيرهم من الشعوب، ولكن الكارثة أن تصدّقَ جهات عربية تلك الادعاءات.
بعد أيام من استهداف غارات إسرائيلية مقارّ تابعة لها في محيط مطار دمشق، اعتبر الحرس الثوري الإيراني أن الظروف الآن غير ملائمة لمواجهة إسرائيل. وقال حسين سلّامي، قائد الحرس الثوري في مقابلة تلفزيونية الاثنين، إن هناك إمكانات كبيرة للقضاء على إسرائيل “لكن الظروف ما زالت غير ملائمة”.
سلّامي نصح الإسرائيليين بعدم الاعتماد على الأميركيين، وأخذ العبرة من آخرين قال إنهم فعلوا ذلك ولم يحققوا أي نتيجة، وقال إن طهران بنت قدراتها على مستوى عالمي، لتصل إلى مستوى القوة العسكرية الأكبر في العالم، وأن هدف إيران يتمحور حول انهيار الكيان الصهيوني والقضاء على وجوده وعلى الوجود الأميركي في المنطقة.
إيران، حسب سلّامي، مستعدة لمواجهة سيناريوهات الحرب المختلفة مع الولايات المتحدة، وللانتقام من عملية اغتيال القيادي بالحرس الثوري قاسم سليماني.
هناك أكثر من سبب يدفع إيران إلى القلق، بدءا من العراق، حيث اقترب فيه العراقيون من تجاوز خلافاتهم الطائفية، التي سوّق لها ملالي طهران، وصولا إلى سوريا التي تشير فيها خارطة المعارك إلى سيطرة القوات الحكومية على الوضع
وبالطبع لن تقوم إيران بهذه المهمة بنفسها، بل ستنيط بها وكلاء لها في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله، فهو كما يقول سلّامي أقوى اليوم بعشرات الأضعاف مما كان عليه في حرب عام 2006، واستطاع التغلب على “التكفيريين” بعد أن بات أكثر تسلحا ومناعة وخبرة.
حزب الله، الذي يستمد شروط بقائه من خرافات يسوّقها آيات الله، لم يكذّب خبرا، وكشف عن نصب تمثال جديد لقائد ميليشيا “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في بلدة “مارون الراس” على الحدود اللبنانية.
وتداولت مواقع لبنانية لقطات تظهر تجمعا للعشرات من مناصري ميليشيا “حزب الله”، أثناء إزالة الستار عن التمثال وهو يشير إلى الأراضي المحتلّة من إسرائيل وخلفه العلم الفلسطيني، في بادرة رمزية، لا تخفى دلالاتها، أُريدَ من خلالها إيصال رسالة، ليس لإسرائيل فقط، بل لمخدوعين من العرب اعتقدوا طويلا أن غاية حزب الله هي تحرير فلسطين.
وكان سلّامي قد هدد خلال مراسم أربعينية قاسم سليماني في طهران التي جرت الأسبوع الماضي، بأن إيران “ستضرب إسرائيل والولايات المتحدة إذا ارتكبتا أقل خطأ”.
استهداف إسرائيل لن يكون من إيران فقط، كما أكد سلّامي، وكان الأجدر به أن يقول إن الاستهداف لن يكونَ من إيران مطلقا. وكما جرت العادة كانت أطراف أخرى موالية لطهران، وفي مقدمتها حزب الله، تقوم بالمهمة نيابة عن نظام الملالي، غير عابئة بالأضرار التي ستلحق بلبنان واللبنانيين، الذين يعانون من أزمة اقتصادية خانقة، أثارت غضب الشارع اللبناني.
ولم ينسَ سلّامي أن يؤكد شرعية التواجد الإيراني في سوريا، الذي تم بدعوة من الحكومة السورية حسب قوله، لمحاربة الجماعات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، مؤكدا أن طهران لن تتوانى ولن تتسامح في الدفاع عن أمنها القومي.
استطاعت طهران أن تسوّق بضاعتها الكاسدة في المنطقة العربية، مستعينة بحزب الله، ومستغلة غضب الكثيرين من احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ولكنها فشلت في تسويق نفس البضاعة للدول الكبرى والمحافل الدولية، التي صنفت إيران بين الدول المتعاطفة إن لم تكن الداعمة للإرهاب.
حزب الله اليوم حسب دراسة صادرة عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” بواشنطن، هو الفاعل غير الحكومي الأكثر تسلحا في العالم، وتستشهد الدراسة بأرقام تشير إلى أن الحزب امتلك خلال حرب 2006، 15 ألف صاروخ بينما يمتلك حاليا 130 ألف صاروخ، حاولت الدراسة أن تقنعنا أنها تشكل تحديا لسلاح الجو الإسرائيلي، وتجبر إسرائيل على استخدام قوات المشاة في أي حرب قد تقع بين الطرفين، وهذا ما ينشده حزب الله.
قد يكون رأس أفعى الشر مستوطن في طهران، ولكن الحل لن يكون إلا في عواصم دول عربية، عملت إيران كل جهدها على توتير الأوضاع الداخلية فيها، بدءا من بغداد ومرورا بدمشق وبيروت، وصولا إلى صنعاء.
بعد أيام من استهداف غارات إسرائيلية مقارّ تابعة لها في محيط مطار دمشق، اعتبر الحرس الثوري الإيراني أن الظروف الآن غير ملائمة لمواجهة إسرائيل
ماذا قدمت طهران للعراق وسوريا ولبنان واليمن، سوى المساهمة في خلق الأزمات وتأجيجها؟
باتت الغالبية العظمى في تلك الدول تدرك أن الحل لن يكون إلا صناعة محلية، وأن إيران لن تكون أحن عليهم من أنفسهم.
هناك أكثر من سبب يدفع إيران إلى القلق، بدءا من العراق، حيث اقترب فيه العراقيون من تجاوز خلافاتهم الطائفية، التي سوّق لها ملالي طهران، وصولا إلى سوريا التي تشير فيها خارطة المعارك إلى سيطرة القوات الحكومية على الوضع، في وقت لم يعد يذكر فيه السوريون اسم إيران إلا للتعبير عن التذمر.
وفي اليمن يبحث الجميع عن مخرج لأزمة افتعلتها إيران هناك، ويتساءل اليمنيون عن سبب للاقتتال في ما بينهم، فلا يجدون من سبب لذلك سوى وهمٍ وأكاذيب سوّقتها طهران وصدقوها في غفلة منهم.
عزل إيران وعودة الوعي لهذه الدول الثلاث، سيحيي الأمل في أن يراجع حزب الله، الذي اختطف الدولة في لبنان، سياساته الخاطئة ويدرك أن عاصمة لبنان هي بيروت وليست طهران.
العرب