أعلن مكتب قائد الثورة الإيرانية علي خامئني في مدينة النجف العراقية 30تموز/يوليو الماضي استلام آية الله مجتبى حسيني مهامه ممثلا جديدًا له في العراق. وقال المكتب في بيانه “تم بحمد الله تعالى وفضله الاعلان عن تعيين ممثل لسماحة الامام القائد الخامنئي في العراق”.وأضاف “تمت مراسم الاعلان والتوكيل الذي كتبه سماحته لممثله الجديد وقد قام بتلاوة بيان التوكيل الجديد الشيخ محمد علي التسخيري وبحضور محسن قمي والشيخ اختري وجمع من علماء الشيعة والسنة وذلك في مدينة النجف الاشرف وممثله الجديد سماحة آية الله مجتبى الحسيني الشيرازي. سيكون وكيلا وممثلاً للامام القائد”.
ولد مجتبى حسيني في مدينة كربلاء العراقية عام 1943م، من عائلة دينية معروفة في النجف وكان والده وشقيقه من المراجع الشيعية البارزة في العراق. تتلمذ على يد الخميني والخوئي، حتى يُنقل بأنه لُقب في وسط الحوزة بمدينة النجف “العراقي الوحيد الذي يناصر الخميني” وكان من أشد مؤيدي الثورة الإيرانية على شاه إيران محمد رضا بهلوي وكتب أشعارا محرضة لدعمها.
عُرف مجتبى حسيني بحدته وشدته في بيان أرائه تجاه عقائد أهل السنة والشخصيات التي يبجلونها، ولا سيما شخصية أم المؤمنين عائشة وحفصة، والخلفاء الراشدين أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، حيث تأبى وتتعفف هذه السطور عن التطرق إليها ولو بشكل مختصر. وفي هذا المجال -أي التعدي على أهل السنة-، يعتبر ياسر الحبيب أحد تلاميذه “النجباء”!. كما عُرف عنه أيضاً عداؤه الشديد للمرجع الديني الشيعي الراحل السيد محمد فضل الله، لأنه كان يسعى بإخلاص للتقارب المذهبي السني الشيعي.
ومن مواقفه المثيرة للجدل،أولاً:موقفه من تفجير ضريح الإماميين علي الهادي والحسن العسكري في شباط/فبراير عام2006م، في مدينة سامراء العراقية، إذ دعا لقتل السنة وهدم منازلهم. وثانياً: ابان الاشتباكات التي وقعت بين متظاهرين سعوديين شيعة وقوات الأمن السعودي في المدينة المنورة ما بين20-24شباط/فبراير عام 2009م، ألقى مجتبى الشيرازي عدة خطابات هاجم فيها الدولة السعودية وشخص الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وعرض فيها جملةً من أفكاره وتطلعاته السياسية التي كان منها: الحث على السعي لتدويل البيت الحرام والمسجد النبوي وجعلهما تحت إدارة هيئة الأمم المتحدة، والتحرك الفوري والجدّي والمثابر لاستقلال المنطقة الشرقية التي تسكنها نسبة عالية من السعوديين الشيعة، واعلانها دولة مستقلة ذات سيادة كاملة كسائر الدول، لافتاً النظر إلى النموذج الباكستاني بإعلان انفصال المسلمين عن الهند الهندوسية وقيام دولة الباكستان في العام 1947م. وثالثاً: مواقفه السياسية تجاه التطورات في العراق، ومنها انتقاد الاعتصامات في المحافظات السنية اثناء عهد رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي، ووصفه لها بالمؤامرة لإسقاط الحكومة الشيعية، وهو ما تردد ايضا على لسان المالكي اكثر من مرة.
ومن المفيد الإشارة هنا، بأن بعض الوسائل الإعلامية العربية المرموقة، حينما تناولت في سياق تغطيتها الإعلامية تعيين مجتبى حسيني ممثلاً لخامنئي في العراق، قدمت معلومة خاطئة عنه، مفادها بأنه كان ولا يزال من الشخصيات المعارضة للخميني وخامنئي على حد سواء. وربما اختلط الأمر عليها بينه وبين أخيه الأكبر محمد، فالأخير كان في البدء من مؤيدي الثورة الإيرانية لكنه اختلف-فيما بعد- مع الخميني جراء سياساته القمعية لخصومه السياسيين والدينيين كقمعه للمرجع الديني كاظم شريعتي مداري، واعتماد الخميني على مبدأ الولاية الفقيه التي تكرس فردية حكمه الديني والسياسي لإيران، في حين كان يرى محمد حسيني أن من الافضل ان تتم ادارة الجمهورية من قبل مجلس للشورى.
وقد يفهم من هذه المعلومة الخاطئة التي يقدمها الإعلام الإيراني ويستقبلها بعض الإعلام العربي بدون تدقيق فيهاـ بأنها رسالة محتواها أن الدولة الإيرانية دولة ديمقراطية تتسامح مع معارضيها، لدرجة أنها لا تجد أي غضاضة في تعيين بعضهم بمناصب سياسية أو دينية سواء داخل الدولة أو خارجها. وإذا كان الأمر على هذا النحو من إيمان العميق بأسس النظام الديمقراطي، لما فرضت الإقامة الجبرية على كل من مير حسين موسوي في العام2009م ومهدي كروبي في العام 2011م، نتيجة رفضهما نتائج الإنتخابات الرئاسة الإيرانية في العام 2009م، التي تلاعبت بنتائجها وزراة الداخلية الإيرانية من أجل اعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا. وعليه، تفيد تجربة المعارض الإيراني الحقيقي لسياسات الدولة الإيرانية بأن مصيره إما أن يكون معتقلاً أو تحت الإقامة الجبرية، أو معدوما، والتهم كلها جاهزة وهي محاربة النظام “الإسلامي” في إيران!.
وعلى العموم، يأتي تمثيل مجتبى حسيني لخامئني في العراق بعد توقيع على الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى “خمسة+ واحد”، وبعد زيارة وزير خارجية إيران محمد ظريف إلى النجف مباشرة ولقائه مع السيستاني اثر جولة له في الخليج العربي، أعلن خلالها أن إيران ثابتة في سياستها وإن على الدول العربية وليس إيران تغيير سياستها في المنطقة وتعاملها مع طهران. وهو ما يعكس رسالة تهديد واضحة إلى الدول العربية بحتمية السكوت عن المشروع الإيراني الاقليمي في ظل التواطؤ الأمريكي الغربي مع طهران.
لقد استحدث منصب ممثل خامئني في العراق بعد الإحتلال الأمريكي له في العام2003م، كونه وفق المذهب الجعفري الإثنى عشري يعتبر مرجعاً بنظر اتباعه قبل ان يصبح وليا للفقيه أو قائدا للثورة الإيرانية. لذا فمن المتعارف عليه ان يكون له ممثل عنه في مختلف المناطق سواء في إيران أو في الدول التي يوجد فيها شيعة تابعين له. وهو ما يطلق عليه”وكيل المرجع” وينحصر دور هذا الوكيل في نقل فتاوى المرجع الى العامة ونقل اليه اسئلتهم و يؤمهم في جمعتهم وجماعتهم وعيدهم وجمع أموال الخمس من مقلديه،كما يكون له دور سياسي حسب ظروف كل دولة.
ففي الحالة العراقية، ومن أجل استكمال الوصاية المذهبية والسياسية على العراق، سيتولى مجتبى مهمة الاتصال بالعراقيين الشيعة وتشجيعهم على التجاوب مع فكرة ولاية الفقيه سياسياً ومذهبياً والترويج لامكانية تطبيقها في العراق مستقبلاً. وما يسهل هذه المهمة ان إيران توظف خطاب الارهاب ومحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” لخلق اجماع عراقي شعبي بنجاعة قيادتها، اضف إلى ذلك قيامها بتشكيل منظمات عراقية لها اذرع مسلحة، تقوم بتسليحها وتمويلها وتدريبها لتكون أذرعاً ضاربة لها في العراق، بحيث تكون المهمة سهلة امام مجتبى لترسيخ عقائد ولاية الفقيه في البلاد، خصوصا وان الكثير من الساسة ورجال الميليشيات يعتنقونها.
تطبيق ولاية الفقيه التي سيديرها ممثل للمرشد الاعلى في العراق، تعكس تسيدا إيرانيا، في ظل الصراعات الخفية التي تجري بين المرجعيات الشيعية الكلاسيكية، ما سيؤدي بالضرورة إلى سحب البساط من تحت أقدام مراجع مثل السيستاني والنجفي وسواهما من كبار رموز المذهب المقيمين أصلا في النجف.
وبالتالي فان مجتبي حسيني الشيرازي، ليس الا مندوب سامي في مرحلة ما بعد الإستعمار الأوروبي للمشرق والمغرب العربي، فالعراق ومنذ عام 2006م، خاضع النفوذ الإيراني، الذي يعتبر شكلاً من أشكال الإستعمار، فمُمثل خامئني في العراق لا تختلف مهامه عن المهام التاريخية للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس. وما يؤكد صحة ذلك بأن هذا”التمثيل” جاء خارج تقاليد العمل الدبلوماسي المتعارف عليها منذ اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام1961م. فالممثل-الذي من المفترض يمثل دولته وليس أحد أشخاصها- لكما م يقدم أوراق اعتماده لوزير الخارجية أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية العراقية، وإنما اكتفت إيران للإعلان عنه عبر الإعلام الداخلي والخارجي. وإبلاغ المسؤولين العراقيين عنه فقط كما أنه- أي الممثل- لم يتخذ من العاصمة العراقية بغداد مقر لإقامته وإنما استقر في مدينة النجف، وهذا ما يتنافى مع الاعراف الدبلوماسية. فالقول بأن العراق منتهك سيادته من قبل إيران، أصبح امرا من الماضي، فالممارسات الإيرانية السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية في العراق، تؤكد بما لا يقطع مجالاً للشك بأن العراق خاضع للإحتلال الإيراني.
مما تقدم، يمكن القول بأن التاريخ يعيد نفسه إذ يخضع عراق اليوم تحت نير الإحتلال الإيراني كما كان عليه قبل الفتح الإسلامي. لقد استنفد الكلام غرضه بما وصل إليه العراق ما بعد عام2003م وإلى يومنا هذا ، ولم تبق الآن زيادة لمستزيد في هذا الشأن، ولقد ذاع ذلك كله وتناولته الصحف والأحاديث بما صار به علماً عاماً، ولم تبق إلا الحركة، والمطلوب هو تلك الأفعال التي تفضي إلى الإزاحة العملية، لما هو ضار ومخرب وظالم ومستبد وغير وطني لا يرعى مصالح الجماعة السياسية في يومها ولا في غدها ولا في مستقبلها، ويمكّن أعداءها فيها، ويجعلهم المسيطرين عليها، والحاكمين لها وأصحاب القرار النافذ فيها.
وحدة الدراسات الإيرانية