أثار برنامج تلفزيوني عرضته قناة “آسيا” الفضائية المملوكة للنائبة السابقة حنان الفتلاوي زعم انتشار الدعارة في الجامعات العراقية غضب الشارع العراقي لاستهدافه سمعة المرأة العراقية، التي خرجت بتظاهرة غير مسبوقة في جميع المدن العراقية للمطالبة بحقوق شعبها في وطن حر آمن خال من النفوذ الإيراني ومن الميليشيات المسلّحة التي دربتها إيران.
لا يعسر على أيّ إعلامي أو مدقق أن يدرك، بعد مشاهدته للبرنامج، أنه مصنوع خصيصاً لاستهداف سمعة المرأة العراقية، في مجتمع يتصف بالحساسية المفرطة تجاه سمعة الأخلاق والشرف، ولا يرى الكثير من العراقيين أيّ قيمة للإنسان من دون شرفه. ولذلك تعدّ المرأة أساسا لسمعة الأسرة، فالمجتمع، هنا، ذكوري وسمعة الرجل من سمعة امرأته، وليست سمعة المرأة من سمعة زوجها، وإذا استهدفت المرأة في شرفها أضرّت بالأسرة، خصوصا إذا جاءت التهمة من أناس وقورين أو يفترض أنهم ذلك، كرجال الدين من مختلف المذاهب.
جاء هذا الاستهداف ضمن حملة شارك فيها خطباء المساجد والجوامع، وبخطاب يكاد أن يكون موحداً حتى في المفردات المستعملة، ما يفضح أنه توجيه صادر عن جهة بعينها، ومن المؤسف أن يشارك في هذه الحملة مثقفون وشعراء يسيرون في ركب إيران.
ليس غريبا أن تطعن جهات الحكومة الفاسدة بسمعة المتظاهرات العراقيات لأن الأساس يعتمد على البعد الاجتماعي لتلك الجماعة الحاكمة وما تحمله من فكر وقيم تضع المرأة فيه في قوالب تقليدية غابرة. ولأن المجتمع العراقي تراجع قيميا خلال حكم أحزاب الإسلام السياسي وأصبح لقيمة الشرف، اجتماعيا ودينيا، مفهوم يصعب على تلك الأحزاب فهمه، بل هو مناقض لمفهوم جيل الشباب من الجنسين الذي أدرك الحقيقة ولم يقتنع بالصورة التي يعرفها المجتمع عن المرأة، وهي غيابها سياسيا وفكريا وعدم ظهورها أمام الغرباء، فاستغلّت مشاركتها في التظاهرات وكان أسهل ما يمتلكون هو طعنها بسمعتها وشرفها، متوهمين أن الأسر ستمنع بناتها من الاستمرار في التظاهر، لكن النتيجة أن أسر المشاركات في التظاهر لم يبدر منها ردّ فعل سلبي لأنها فهمت المقصد من وراء الإساءة.
شعرت أحزاب الإسلام السياسي أن في مشاركة المرأة دعما معنويّا للشباب، لذلك خططت لكسرها أمام المتظاهرين ليؤدي ذلك إلى انسحابها حرصا على سمعتها، وبذلك تقلّ النسبة العددية المشاركة في الاحتجاجات، ولكن هذه المحاولات البائسة فشلت.
قانونا، إن تجاوز السياسيين العراقيين، من معممين وغير معممين، على أعراض المتظاهرات العراقيات يوقعهم تحت مساءلة قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969، كما أخبرني رجل قانون، حيث أن القذف والشتم يعتبران جنحة، وبهذا فأن أي عراقية تعرّضت إلى التجاوز اللفظي بالشتم أو القذف يحق لها أن تقدّم شكوى جزائية أمام قاضي التحقيق المختص حسب الاختصاص المكاني للجريمة، مع تقديم الأدلة القانونية المعتبرة مثل شهادة الشهود أو لقاءات تلفزيونية مسجّلة أو أدلّة خطية، وستجري المحكمة المختصة التحقيق الأصولي في القضية، وفي حالة ثبوتها بالأدلّة فإنها ستحال إلى محكمة الجنح المختصة التي ستتخذ إجراءات المحاكمة الأصولية، ومن ثمّ إصدار قرار بالحبس ضد من تمّ توجيه الاتهام إليه.
وبالفعل، نظمت نساء عراقيات حملة واسعة في ساحات الاعتصام لتحريك دعاوى قضائية ضد كل من أسهم في الحملة الوضيعة لاستهداف سمعتهن وشرفهن، فأحزاب الإسلام السياسي وميليشياتها ارتكبت ضدهن جريمة التشهير، وهي من الجرائم الماسة بحرية الإنسان وحرمته والتي نصّ عليها المشرّع العراقي في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
هذا الاستهداف هو آخر الأسلحة التي يستعملها وكلاء إيران ضد العراقيين وذروة الحرب النفسية ضدهم، ولكنه سلاح زاد الشرخ بينهم وبين العراقيين بحيث بدأت الأصوات تعلو من جميع ساحات الاعتصام: لا تفاوض مع من خطف الوطن ونهش سمعة بناته.
العرب