موسكو/ أنقرة – حقق الكرملين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسعاه للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو اللقاء الذي طالب به منذ أسابيع بحثا عن تفاهمات جديدة بشأن إدلب على رأسها تثبيت بقاء الجماعات المتشددة في المحافظة كأمر واقع، وهو ما رفضته موسكو بشكل لا لبس فيه، في بيان يجعل لقاء القمة بين بوتين وأردوغان بمثابة فرصة أخيرة أمام أنقرة لوقف مغامرة إدلب، وأن الرئيس التركي لن يحصل خلال الزيارة على أي تنازلات.
في غضون ذلك حذر محققون من الأمم المتحدة بأن أنقرة قد تكون أمام “مسؤولية جنائية” في جرائم حرب ارتكبت ضد الأكراد في شمال سوريا أواخر عام 2019، بينها إعدام المسؤولة السياسية الكردية هفرين خلف والسائق الذي كان معها.
وتتزامن المهلة الروسية لأردوغان لوقف هجومه على إدلب مع فشل مساعيه في الحصول على تنازلات من أوروبا عبر موجة اللاجئين وسط موقف أوروبي يعزل التفاوض مع أنقرة بشأن أزمة اللاجئين عن موضوع الدعم العسكري والدبلوماسي لتركيا.
وقال المتحدث الرئاسي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الاثنين إن “موقف موسكو من الأزمة السورية لم يتغير أبدا”.
وأضاف “نحن ملتزمون باتفاقات سوتشي، ندعم سوريا في الحرب ضد الإرهابيين، والمنظمات الإرهابية الواردة في قائمة الجماعات الإرهابية التابعة للأمم المتحدة. نحن نعلق أهمية كبيرة على التعاون مع الشركاء الأتراك”.
ويهدف بيان الكرملين بالأساس إلى تبديد خطاب يتم التسويق له تركيًّا ويوحي بأن روسيا أعطت الضوء الأخضر للعمليات العسكرية التركية في إدلب، أو أنها تغض عنها الطرف في سياق تبادل المصالح، في إشارة إلى أن أنقرة نجحت في مقايضة روسيا من خلال السماح لها بالهجوم مقابل الاستمرار في صفقة منظومة صواريخ أس – 400.
وقال مراقبون إن روسيا تسعى لإقامة الحجة على الرئيس التركي الذي ظل يطالب بلقاء مع نظيره الروسي لإنهاء التوتر في إدلب، لافتين إلى أن بوتين من المنتظر أن يُفْهِم أردوغان بأن مواقف القيادات العسكرية على الأرض، كما موقف وزير الخارجية أو نائبه، تعبر عن الموقف الرسمي الروسي، وأن على أنقرة الكف عن أسلوب الاستثمار في اختلاف المواقف والتصريحات بين المسؤولين الروس.
وينتظر أن يكون اللقاء حاسما في إظهار الحزم الروسي تجاه أنقرة، خاصة إصرارها على خلق واقع يسمح للمجموعات المصنفة إرهابية بأن تحتفظ بمواقع لها في إدلب، فيما تتمسك موسكو بأن الحل يكمن في استعادة سوريا كامل أراضيها وتفكيك المجموعات المختلفة ومصادرة أسلحتها.
ويرى مراقبون أن روسيا ربما توجه التحذير الأخير للرئيس التركي بأن لا تفاهمات جديدة خارج سوتشي، ما يرفع الغطاء عن الهجوم العسكري التركي.
وقال الكرملين إن على تركيا أن تولي التحذيرَ الصادر من وزارة الدفاع الروسية الليلة قبل الماضية اهتمامًا، وهو التحذير الذي يقول إن الطائرات التركية قد تكون في خطر في أجواء المحافظة بعد أن أعلنت تركيا الأحد إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق ضد النظام السوري المدعوم من موسكو، حيث أسقطت طائرتين حربيتين سوريتين وقتلت العديد من قوات النظام.
واستبعد المحلل السياسي التركي تيمور غوكسَل أن يساعد الناتو الجيشَ التركي في صراعه متعدد الأطراف في سوريا، على الرغم من أهمية تركيا الإستراتيجية، والنابعة من موقعها الذي يحده البحر الأسود شمالًا ويمر به مضيق البوسفور.
وقال غوكسل لموقع أحوال تركية “روسيا تعرف جيّدا أن أي تحرك من الناتو سوف لن يتجاوز الإدانة الشفاهية لأفعالها. لذلك، فقد حمّلت تركيا مسؤولية عدم تزويدها بالإحداثيات الدقيقة لقواتها المنتشرة في سوريا”.
وأكد الرئيس التركي الاثنين خلال خطاب في أنقرة “سأذهب إلى موسكو الخميس لمناقشة التطورات في سوريا مع بوتين. وآمل هناك، أن يتخذ بوتين التدابير الضرورية مثل وقف إطلاق النار وأن نجد حلاً لهذه المسألة”.
وفي مقابل مساعي استرضاء بوتين، يضغط الرئيس التركي للحصول على المزيد من الدعم الغربي، عبر التلويح بفتح الحدود أمام الملايين للهجرة. وفيما يثير هذا الإجراء قلق أوروبا التي تخشى أزمة هجرة مماثلة لأزمة عام 2015، أكد أردوغان الاثنين أن الحدود ستبقى مفتوحة.
وقال في خطابه “بعدما فتحنا أبوابنا، تلقينا العديد من الاتصالات الهاتفية، قالوا لنا ‘أغلقوا الأبواب’. لكنني قلت لهم لقد تم الأمر، انتهى. الأبواب مفتوحة. وعليكم الآن أن تتحملوا نصيبكم من العبء”.
وترى أوساط مطلعة أن الأوروبيين لن يصلوا إلى مرحلة القطيعة مع أردوغان، وهم رفضوا في السابق مطالبه بشأن فرض منطقة الحظر الجوي في شمال غربي سوريا وإقامة منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود. وكان أردوغان قد فشل أيضا في الحصول على مساعدات إنسانية خلال اجتياح شمال شرقي سوريا.
ويستبعد متابعون لملف العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي أن يمضي الرئيس التركي في فتح بوابات الحدود على مصراعيها بين بلاده ودول أعضاء في الاتحاد مثل اليونان، ليتدفق مئات الآلاف من النازحين الفارين من معارك إدلب.
وترجح مصادر في بروكسيل أن تعزز دول الاتحاد التحصينات على الحدود، وتجدد الاتفاق المبرم مع أنقرة عام 2016، وبموجبه يقدم الأوروبيون لتركيا ثلاثة بلايين يورو.
وتقابل الدول الغربية صلف أردوغان بخطة تقوم على الفصل بين التداعيات الأمنية والمالية والإنسانية لتدفق موجات اللاجئين، وهو ما تعمل على تطويقه، وبين ضغوط أنقرة للحصول على دعم عسكري، وهو أمر ترفضه دول الناتو بشكل قاطع وإن كانت أطلقت تصريحات تعبر عن التفهم والتضامن والمساندة لفائدة تركيا التي باتت عاجزة عن تطويق مخلفات التدخل العسكري في سوريا، خاصة بعد تحذيرات أممية من تورطها في جرائم حرب.
وحذر محققون من الأمم المتحدة بأن أنقرة قد تكون أمام “مسؤولية جنائية” في جرائم حرب ارتكبت ضد الأكراد.
وفي تقرير نشر الاثنين ويتحدث عن الفترة الممتدة بين يوليو 2019 و10 يناير الماضي، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا أن تركيا قد تتحمل مسؤولية جنائية عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها حلفاؤها في “الجيش الوطني السوري” (مجموعة معارضة موالية لتركيا).
وتشير اللجنة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في عام 2011 إلى تقارير عن عائلات كردية نازحة، ومدنيين آخرين، اتهموا القوات المدعومة من أنقرة بارتكاب عمليات إعدام ونهب ومصادرة أملاك.
العرب