بغداد – استبعد خبير قانوني انتقال صلاحيات رئيس الوزراء العراقي إلى رئيس الجمهورية في هذه الظروف، وعدّه أمرا مستحيلا، وذلك بعد رسالة رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي إلى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، بشأن استمرار أعمال حكومته، إثر اعتذار رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة الجديدة.
واعتمد عادل عبدالمهدي على قراءة تأويلية للدستور تمكنه من أن يمسك بالصلاحيات الكبرى في الحكومة والمؤسسات السيادية.
وعلى حد تعبير أحد الساسة العراقيين، الذي تحدث مع “العرب” بعد اطلاعه على نص الرسالة، فإن “عبدالمهدي أخذ معه إلى بيته جميع الصلاحيات المهمة للحكومة والقوات المسلحة، وترك القضايا الشكلية ليسيّرها نوابه ووزراؤه، من دون أن ينقص من صلاحيات الحكومة شيئا”.
وتعليقا على الفرضية التي شاعت مؤخرا بشأن إمكانية انتقال صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، في حال خلو منصب الأول، قال الخبير القانوني طارق حرب إن “الحديث عن تسنم رئيس الجمهورية برهم صالح لرئاسة الحكومة خلال الساعات المقبلة مستحيل التطبيق بسبب نصوص الدستور”، موضحا أن “النظام الداخلي لمجلس الوزراء ينص على تسنم النائب الأول لرئاسة الحكومة مهام إدارة الحكومة في حال غياب أو اعتذار رئيس الحكومة عن إكمال مشواره لأي سبب كان”.
وأضاف أن “النصوص الدستورية تتيح لرئيس الجمهورية تسنم رئاسة الحكومة في حال غياب النائب الأول والثاني لرئيس الوزراء فضلا عن رئيس الوزراء”، مشيرا إلى أن “رئيس الوزراء المستقيل ووفقا للقانون ما زال الرئيس الفعلي للحكومة دون أي خلاف قانوني، إلا بعد اعتذاره ومغادرته المنصب”.
وقال عبدالمهدي في رسالة وجهها إلى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، “أعلنت في 19 فبراير 2020 بأن المهلة الدستورية المحددة بـ30 يوماً لنيل ثقة مجلس النواب بالحكومة الجديدة ومنهاجها الوزاري تنتهي في 2 مارس 2020، وذكرت أنه بانتهاء هذه المدة: لن أجد أمامي سوى اللجوء إلى الحلول المنصوص عليها في الدستور أو النظام الداخلي لمجلس الوزراء”.
وعبر عن أسفه الشديد لـ”عدم نجاح الأخ الأستاذ محمد توفيق علاوي في مهمته لتشكيل الحكومة الجديدة مما يتطلب منا اتخاذ الموقف المناسب”، معلنا أن “أخطر ما يواجهنا حاليا هو حصول فراغ دستوري وإداري”.
ويعتقد عبدالمهدي أن “أفضل حل هو الالتزام بالمواد الدستورية ذات العلاقة، والقوانين السائدة وبمواد النظام الداخلي لمجلس الوزراء (…)، وعليه أعلن -بعد التشاور مع دستوريين وقانونيين من أهل الاختصاص- عن قرار اتخذته وهو اللجوء إلى (الغياب الطوعي) كرئيس مجلس الوزراء بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات وسياقات”.
وبشأن إمكانية انتقال صلاحيات رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية، قال عبدالمهدي إن الترتيبات التي اتخذها لا تعني “عدم احتمال اللجوء لاحقا إلى إعلان خلو المنصب وفق المادة (81) من الدستور، إذا لم تصل القوى السياسية والسلطات التشريعية والتنفيذية إلى سياقات تخرج البلاد من أزمتها الراهنة، وفق المادة (76) من الدستور”.
وتنفيذا لقراراته، دعا عبدالمهدي مجلس النواب إلى “عقد جلسة استثنائية لحسم قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية ومفوضية الانتخابات بشكل نهائي”، مقترحا “يوم 4 كانون الأول (ديسمبر) 2020 كموعد للانتخابات”، على أن “يوفر للمفوضية كل المستلزمات التي تمكنها من إجراء انتخابات حرة ونزيهة في الموعد المقترح”.
ووفقا لذلك، اقترح عبدالمهدي على البرلمان أن يحل نفسه “قبل ستين يوما من التاريخ المذكور، وأن ينظم صندوق آخر بجانب صناديق الانتخابات أو على ظهر قسيمة الانتخابات لإجراء استفتاء حول تعديلات دستورية، يمكن أن يقرها مجلس النواب الموقر وفق آلياته قبل حل نفسه”.
وأعلن عبدالمهدي أنه سيلجأ إلى “تكليف أحد نواب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء مسؤولية إدارة جلسات مجلس الوزراء وتصريف الأمور اليومية وذلك بموجب المادة (3) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وهو الإجراء الذي بدأنا بتطبيقه منذ تكليف الأستاذ محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة”.
لكن عبدالمهدي لم يخوّل إلى أي جهة صلاحياتَ منصبِ القائد العام للقوات المسلحة الذي يشغله أيضا وفقا للدستور، موضحا أن النظام الداخلي لمجلس الوزراء ينص على أن المجلس الوزاري للأمن الوطني هو المسؤول عن تسهيل وتنسيق سياسة الأمن الوطني بين وزارات ومؤسسات الحكومة العراقية المكلفة بقضايا الأمن الوطني، ويعمل تحت إمرة وسيطرة رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، على أن تستمر مستشارية الأمن الوطني بممارسة دور أمانة سر المجلس الوزاري للأمن الوطني وتنظيم جدول أعماله وتبليغ قراراته وفق سياقات العمل المعمول بها، فيما يقوم مكتب القائد العام للقوات المسلحة في مكتب رئيس مجلس الوزراء بالتنسيق بين رئاسة الوزراء والمجلس الوزاري للأمن الوطني.
ووضع عبدالمهدي في رسالته فقرة تؤكد تمسكه بجميع صلاحياته الرئيسية، المدنية والعسكرية، ما يفرغ إعلانه عن “الغياب الطوعي” من مضمونه.
وتنص الفقرة على أن “يقوم مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء والأمين العام لمجلس الوزراء والسكرتير الشخصي للقائد العام إبلاغ رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بالأمور الحصرية العاجلة والضرورية الملاصقة لعنوانه ليتم التعامل معها بما يتوافق مع صلاحيات حكومة تصريف الأمور اليومية، وذلك منعا من حصول أي فراغ في واجبات السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة”.
وبخلاف الصلاحيات الرئيسية لمنصبيه المدني والعسكري، بدا عبدالمهدي زاهدا في القضايا الشكلية، إذ منح نفسه حق الغياب “عن توقيع الكتب الرسمية أو تلبية دعوات أو إجراء لقاءات أو مباحثات أو اجتماعات رسمية محلية أو أجنبية”، على أن “يستمر المسؤولون كل من موقعه بضمان إدارة وسير الأعمال وإمضاء التعاملات ومنع حصول أي فراغ رسمي في التعامل مع الملفات المحلية والأجنبية التي سيتغيب عنها رئيس مجلس الوزراء، وتقوم المؤسسات بتسيير الأمور اليومية وفق السياقات المعمول بها حاليا، وسيعبر عن رأي الحكومة وقيادة القوات المسلحة الناطقون الرسميون كما هو مرسوم لهم”.
العرب