بعد أن باتت إيطاليا ثالث دولة في العالم من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، أعلنت الكثير من الدول الأجنبية رفضها استقبال الإيطاليين في مطاراتها، ونصحت مواطنيها بعدم السفر إليها، فضلا عن إلغاء الرحلات الجوية ذهابا وإيابا إليها، والتي أصبحت تكلف مطار مالبينتسا فقط بمدينة ميلانو خسارة تقدر بمئة ألف مسافر يوميا.
هذا فضلا عن الإجراءات الاحترازية المشددة التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي وقررت إغلاق المدارس والجامعات والملاعب الرياضية وتجميد كافة الأنشطة الثقافية والترفيهية لكرنفال البندقية الأشهر في أوروبا، والرحلات المدرسية التي يبلغ مردودها وحدها -وفقا لتقديرات فدرالية- أكثر من 360 مليون يورو سنويا.
إن الخسائر التي كانت متوقعة من قبل المراقبين في بداية فبراير/شباط الماضي لم تكن سوى قمة جبل جليد، ولا سيما أن تأثير انتشار كورونا بدأ الآن في الظهور بشكل واضح على العديد من القطاعات الإنتاجية في البلاد، وخاصة قطاع السياحة الذي يُشكل ما يقارب 12% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الإيطالي سنويا.
فقد تجاوز حجم مبيعات هذا القطاع خلال عام 2019 الماضي 146 مليار يورو، ولا سيما أن هذا القطاع الإنتاجي الضخم في البلاد يشمل هياكل إقامة ومرافق سياحية يبلغ عددها حوالي 216 ألفا، في حين يبلغ عدد وكالات السياحة والسفر نحو 12 ألفا.
قطاع السياحة يخسر المليارات
مع هذه الأرقام فإن العاملين في قطاع السياحة يرتعدون الآن، ولا سيما أنهم يخشون من تداعيات خطيرة على قطاع السياحة في الجبال البيضاء المكسوة بالثلوج وخلال فترة عيد الفصح بداية أبريل/نيسان المقبل، حين تزدحم المدن الإيطالية التاريخية العريقة بحشود السواح الذين يأتون لزيارتها من كافة أرجاء المعمورة.
وفي هذا السياق، علّقت رئيسة الفدرالية الإيطالية للفنادق باولا شنيدر قائلة: “نتواجد حاليا على حافة الهاوية، بعد إلغاء حوالي 80% من الحجوزات في المدن و95% في الجبال”.
وأضافت أن قطاع السياحة في المناطق الجبلية التي يزورها السياح للتزلج وقضاء العطل في أجواء صحية وهادئة، قد انهار تماما، مما دفع الكثير من رجال الأعمال إلى إغلاق فنادقهم لقلة الزوار المحليين والأجانب، خاصة من دول شرق أوروبا التي قررت إخضاع رعاياها العائدين من إيطاليا للحجر الصحي لمدة 14 يوما.
ويتوقع الخبراء أن تبلغ قيمة خسارة قطاع السياحة في إيطاليا حوالي عشرة مليارات يورو ما بين مطلع مارس/آذار الجاري إلى 31 مايو/أيار القادم، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد.
وذكرت فدرالية القطاع التجاري السياحي الإيطالي أن البلاد ستفقد أكثر من 31.6 مليون سائح في هذه المدة، في ضوء التطورات الأخيرة لوتيرة تفشي الفيروس.
وقال رئيس الفدرالية لوكا باتانيه “لقد أصبح وضع هذا القطاع مأساويا بكل المقاييس”، منبها إلى أن التهويل الإعلامي ونشر الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن انتشار الفيروس بات أكثر فتكا من الفيروس نفسه.
قطاع التصدير والتجارة
ومن المرجح -كما يتوقع الخبراء- أن تصل ضربة قاسية جدا لقطاع التصدير في إيطاليا، بعد تسجيل العديد من الإصابات بالفيروس في بعض المناطق التي تتصدر شركاتها ومصانعها قائمة الصادرات الوطنية.
ووفقا لبعض التقديرات، فإن المبيعات إلى خارج الحدود الوطنية من المناطق المتأثرة بتفشي كورونا في شمال إيطاليا -مثل: لودي، وكريمونا، وبافيا، وبيرغامو، وميلانو، ومونزا، وبادوفا، والبندقية، وتريفيزو، وبياتشينتزا، وبارما، ومودينا، وريميني- تقدر قيمتها بـ138 مليار يورو من أصل 465 مليارا هي القيمة الإجمالية لحجم الصادرات الإيطالية سنويا.
وخلال أسبوع الموضة الأخير في مدينة ميلانو -التي تتواجد فيها أشهر محلات الأزياء والمجوهرات والعطور الفاخرة الإيطالية على مستوى العالم- جرت العديد من عروض الأزياء التي يتابعها عادة آلاف الصحفيين والمصورين من كافة أنحاء العالم، في نسق غير عادي، خلف أبواب موصده وبمدرجات خالية من المتفرجين بسبب كورونا.
والجدير بالذكر أن قيمة الأرباح الإجمالية الناجمة عن مبيعات قطاع الموضة الإيطالي في عام 2019، سجلت عائدات تجاوزت قيمتها تسعين مليار يورو.
وكانت الغرفة التجارية للأزياء قد توقعت في بداية فبراير/شباط الماضي -أي حينما كان الفيروس في مرحلة الحضانة- خسارة بنسبة 1.8% من حجم هذه المبيعات، لكن بعد مرور شهر من ذلك التاريخ فمن المرجح أن تكون الخسائر التي سيتكبدها هذا القطاع أكثر إيلاما بكثير.
تداعيات سلبية ملموسة
وقال ستيفانو فاسينو نائب وزير الاقتصاد الإيطالي الأسبق إن تداعيات تفشي فيروس كورونا على الاقتصاد الإيطالي قد باتت فعليا سلبية، وسوف تزداد سوءا على المدى المتوسط، ويعد انهيار قطاع السياحة العالمي والمحلي من العوامل الرئيسية للركود الاقتصادي القادم لا محالة.
وأضاف فاسينو الذي يعتبر من أهم خبراء الاقتصاد في إيطاليا: “لا بد أيضا من لفت النظر إلى أن الحصار والشلل الذي أصاب سلسلتي الإنتاج والتوريد العالميتين، ابتداء من الصين، ستكون له تداعيات ملموسة سلبية على قطاعي صناعة السيارات والنسيج في إيطاليا”.
ولفت عضو حزب “أحرار وسواسية” الإيطالي الحاكم إلى خشيته من أن تكون تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمؤسسات المستقلة الأخرى التي نُشرت في هذه الأيام، متفائلة أكثر من اللازم.
عواقب وخيمة
وأكد فاسينو للجزيرة نت على أن هناك حاجة ماسة الآن لوضع إستراتيجية مزدوجة، موضحا ضرورة احتواء الفيروس والحد من انتشاره. وأشار إلى أنه كلما زاد انتشار الفيروس كانت عواقبه الوخيمة أعمق وأطول.
كما دعا إلى اتخاذ تدابير عاجلة لتوفير شبكات الأمان الاجتماعية لصالح المواطنين، وتعليق الحكومة لمدفوعات الضرائب والمستحقات والرهون العقارية، فضلا عن ضرورة وضع خطة اقتصادية لبضع سنوات، تهدف بالدرجة الأولى إلى دعم الاستثمارات في القطاع العام، وترميم وصيانة المنشآت التحتية، وإعادة تطوير الضواحي في كبرى المدن، وأخيرا وليس آخرا: توفير وتطوير خدمات القطاع الصحي.
وخلص نائب البرلمان الإيطالي إلى القول “من المهم جدا أن يتم اعتماد تدابير مماثلة وبنفس القدر والأهمية في كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث يتعين علينا الاستفادة من انتشار هذا الوباء بالنظر إليه كعامل مساعد على تسريع العملية الجارية منذ مدة لا بأس بها، تدفع إلى نهاية التطرف التجاري الذي مارسه الاتحاد الأوروبي والصين في الربع الأخير من القرن الماضي”.
المصدر : الجزيرة