لماذا قبلت روسيا التحدي السعودي؟ أهداف موسكو من حرب أسعار النفط

لماذا قبلت روسيا التحدي السعودي؟ أهداف موسكو من حرب أسعار النفط

تدخل روسيا في حرب أسعار النفط الحالية بغية تحقيق هدفين رئيسيين هما طرد المنتجين الأميركيين من مجال الأعمال، وفضح حدود الدعم الأميركي المقدم للرياض، فهل سينتصر بوتين؟

في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، قال الكاتب نيكولاس جفوسديف إنه بعد توقيع آخر جولة من العقوبات الأميركية على روسيا العام الماضي، حذر رئيسها فلاديمير بوتين من أنها ستنتقم في وقت ومكان تختارهما.

ويبدو تقويض اتفاق “أوبك بلس” وإثارة سباق حرب الأسعار مع السعودية طريقة غريبة ومحيرة للرد، لكن يمكن أن تكون هناك إستراتيجية وراء هذا الجنون.

ويعتقد الكاتب أن الكرملين يراهن على أنه بحلول نهاية العام الجاري لن يكون قادرا على التصدي للولايات المتحدة فحسب، بل وأيضا إعادة بناء شراكته مع السعودية.

وأشار إلى أن أحد العيوب الرئيسية للساسة الأميركيين يتلخص في عادتهم السيئة في الإعلان بصخب عن إستراتيجياتهم قبل أشهر أو حتى أعوام، مما يتيح لخصومهم الكثير من الوقت للاستعداد.

على مدى العامين الماضيين، أوضح أعضاء الكونغرس بشكل قاطع أن مشاريع خطوط الأنابيب الروسية العابرة لأوكرانيا ـ”ترك ستريم” وخط أنابيب “نورث ستريم2″ـ كانت في مرماهم.

استغلال الموقف
بحسب الكاتب، حاولت موسكو الإسراع في إنجاز هذه المشاريع قبل أن تتمكن إجراءات تشريعية أميركية بطيئة من إنهاء جولة أخرى من الإجراءات العقابية.

وبحسبه، فقد اكتمل خط أنابيب “ترك ستريم” في الوقت المناسب، وهو في الوقت الراهن ينقل الطاقة الروسية إلى تركيا وجنوب أوروبا.

وفي الوقت نفسه، كان خط أنابيب “نورد ستريم2” سيكتمل في الوقت المناسب لولا انزعاج الدانماركيين والإجراءات التي اتخذوها لحماية البيئة، والتي استمروا في تطبيقها على خط الأنابيب “نورد ستريم” لفترة طويلة.

وأشار الكاتب إلى أن شركة “غازبروم” تملك القدرة التقنية اللازمة لإنهاء هذا الخط ولو بشكل متأخر عن الموعد المحدد، مشيرا إلى أنه مرجح أن يكتمل خطّ “نورد ستريم” بحلول نهاية عام 2020.

خطة احتياطية
بحسب الكاتب، تلخصت خطة الولايات المتحدة الاحتياطية في تشجيع الأوروبيين على شراء المزيد من الطاقة التي يتم إنتاجها من مصادر أميركا الشمالية، وقد برز جزء مهم من الإستراتيجية الأميركية في عصر جديد من منافسة القوى العظمى والذي يتمثل في التنافس مع روسيا على أسواق الطاقة وتقليل الموارد التي يمكن أن تحصل عليها موسكو كمصدر للطاقة.

لقد كانت الإستراتيجية الأميركية خلال الولاية الثانية لباراك أوباما -يقول الكاتب- تتمثل في تشجيع السعودية على تكرار دورها الذي قامت به خلال الثمانينيات باستخدام قدرتها على فرض السيطرة وخفض الأسعار من أجل إعاقة المنتجين الروس وإجبار موسكو على التراجع عن جهودها في أوكرانيا وسوريا.

المنافسة بين السعودية وروسيا
رغم أن السعودية خفضت تكاليف إنتاج الطاقة، فإنها لم تتمكن من الاستمرار في حرب أسعار طويلة الأمد بسبب المطالب الهائلة المفروضة على ميزانيتها، يقول الكاتب.

وأفاد بأن الرياض تحولت عقب ذلك من منافسة موسكو إلى إستراتيجية جديدة للتنسيق معها، مشيرا إلى أنه في مقابل تعاونها، توقعت روسيا من السعودية ودول الخليج الأخرى توجيه التدفقات المالية التي أعاقتها عقوبات أميركية وأوروبية إلى الاقتصاد الروسي.

لكن -يقول الكاتب- شهدنا خلال الأشهر القليلة الماضية تشددا جديدا في سياسات الكرملين، حيث أبدت روسيا الاستعداد للمجازفة بالتصعيد من أجل اكتساب ميزة، أو تشويه سمعة الولايات المتحدة.

وأورد أن منتجي الطاقة الروس شعروا بأنهم كانوا على الجانب الخاسر منذ إبرام صفقة “أوبك بلس” بين موسكو والرياض، وفي الواقع “كانوا يجادلون بصوت عالٍ منذ عام بأنه يجب على موسكو الخروج من الصفقة”.

وعبر الكاتب عن اعتقاده بأن الذعر الناجم عن تفشي فيروس كورونا شكل فرصة لروسيا للادعاء بأن المزيد من التخفيضات في “أوبك بلس” لن تساعد في منع انهيار أسعار الطاقة، وبأن روسيا ستواصل خسارة حصتها في السوق.

ويضيف أنه إذا كانت السعودية قد ردت بإعلانها إنتاج المزيد من النفط في الشهر المقبل وبأسعار أقل، فإن روسيا لا يزال لديها العديد من المزايا، حيث يمكن لميزانيتها تحقيق أهدافها بأسعار أقل بكثير مما تسمح به ميزانية السعودية.
اعلان

ولفت الكاتب إلى أنه بينما يمكن لروسيا زيادة صادراتها من خلال خطوط الأنابيب، ستستغرق زيادة السعودية لصادراتها وقتا أطول، نظرا لأن وصولها إلى الأسواق يتم عبر الناقلات المنقولة بحرا.

والأهم من ذلك -يتابع الكاتب- أن الصادرات الأميركية من النفط التي يقع إنتاجها بتكلفة أكبر، ستُزاحم السعوديين والروس للحصول على حصة السوق الأوروبية.

توقعات مستقبلية
يبدو أن روسيا مستعدة للانخراط في اختبار ضغط هام حول نهج تصدير الطاقة الذي تعتمده الولايات المتحدة، والذي سيصبح حرب أسعار طويلة الأمد، يقول الكاتب.

وبالنظر إلى أنه لا يُتوقع أ، تشتري إدارة ترامب كميات كبيرة من الإنتاج الأميركي بسعر مرتفع مضمون للاحتياطي النفطي الإستراتيجي، فإن المنتجين الأميركيين سيواجهون احتمال انخفاض الإيرادات، وسيصلون إلى نقطة لم يعد من المنطقي فيها أن يظلوا قيد التشغيل، بحسب الكاتب.

وفي ضوء ذلك، لم يستبعد الكاتب أن يتراجع الإنتاج الكلي للولايات المتحدة، لكنه لفت في الآن ذاته إلى أنه إذا تولى جو بايدن منصب الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2021، فإن الأميركيين سينتظرون عودة الكثير من اللوائح البيئية المتعلقة باستخدام الأراضي، والتي كانت قائمة في عهد أوباما.

وهذا ما سيساهم -برأي الكاتب- في زيادة الإنتاج وبناء المزيد من البنية التحتية للتصدير، متسائلا في ضوء ذلك عما إذا كان السعوديون سيكونون أكثر ميلا للعودة إلى المساومة مع موسكو؟
اعلان

وجوابا على هذا السؤال، قال الكاتب إن إبرام صفقة جديدة ربما يعتمد على مدى تأثر العلاقات الأميركية السعودية خلال حرب أسعار الطاقة الطويلة.

وأضاف أنه من المرجح أن يجد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صعوبة في متابعة عمليات الشراء السعودية الكبرى للسلع والخدمات الأميركية، كما يُحتمل أن يجد الولايات المتحدة قد أصبحت أقل استعدادا لتوسيع “نطاق صكوك الضمان الفارغة التي تقدمها للسعوديين”.

الجزيرة