تصاعدت الحرب النفطية بين الرياض وموسكو، مع توجه السعودية لخوض حرب ” كسر عظم” في السوق النفطية التي تعاني في الأساس تخمة في الإمدادات وانكماشاً في الطلب العالمي بسبب تداعيات فيروس كورونا.
ويبدو أن الرياض، تتجه نحو الضغط أكثر على موسكو وتكبيدها أقصى خسائر ممكنة في مداخيلها النفطية، بعد التصريحات الصادرة في الرياض الاربعاء، والتي أعلنت فيها، زيادة إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يومياً مقابل 9.7 ملايين برميل، وتأجيرها حاويات نفطية لنقل خاماتها إلى أسواق العالم وشروعها في تنفيذ إجراءات عملية لخفض الإنفاق في الميزانية.
وقادت هذه الخطوات السعودية، إلى تراجع أسعار النفط في أسواق الطاقة العالمية أمس الأربعاء، بعد المكاسب التي حققتها الخامات يوم الثلاثاء بسبب خطط التحفيز المالي وخفض الضرائب، التي أعلن عنها في كل من أميركا واليابان والبيانات الإيجابية من الصين.
وحسب بيانات بلومبيرغ لمؤشرات أسعار السلع، أمس الأربعاء، تراجعت عقود خام برنت لشهر إبريل/ نيسان في تعاملات منتصف النهار في لندن، بنسبة 2.79%، إذ خسرت العقود 1.04 دولار منخفضة إلى 36.18 دولارا من مستوياتها يوم الثلاثاء. بينما تراجعت عقود خام غرب تكساس الأميركية لنفس الشهر بنسبة 2.76%، أي خسرت نحو 95 سنتاً إلى 33.41 دولارا.
ويتوقع خبراء طاقة أن تواصل أسعار العقود الآجلة للخامات النفطية التراجع مع بدء التنفيذ الفعلي للخطوات السعودية بإغراق السوق بالخامات النفطية.
وحسب نشرة “أويل برايس”، خفضت المصارف الاستثمارية الكبرى توقعاتها لمتوسط خام برنت بنحو 16 دولارا خلال العام الجاري. وذلك مقارنة بتوقعاتها لمتوسط الأسعار قبل بدء الحرب النفطية.
وكان بنك باركليز البريطاني، آخر البنوك التي خفضت توقعاتها لمتوسط سعر خام برنت، حيث خفض المصرف توقعاته لمتوسط سعر خام برنت من 59 إلى 43 دولاراً خلال العام الجاري.
وفي أحدث تطورات الحرب النفطية، قالت شركة “أرامكو” السعودية، أمس الأربعاء، إنها تلقت توجيهات من وزارة الطاقة تقضي بزيادة إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يومياً. وحسب رويترز، جاء ذلك في إفصاح قدمته شركة “أرامكو” للبورصة السعودية (تداول)، وتضمن تعليمات بـ”رفع مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة من 12 مليونا إلى 13 مليون برميل يومياً”.
وذكرت أرامكو، في الإفصاح، أن مستوى الطاقة الإنتاجية القصوى المستدامة يُحدد من قبل الدولة، وفقاً لنظام المواد الهيدروكربونية الصادر بالمرسوم الملكي.
وكانت الشركة قالت، الثلاثاء، إنها تعتزم تزويد عملائها بـ 12.3 مليون برميل يومياً في إبريل/نيسان المقبل، بزيادة 300 ألف برميل يوميا، عن الطاقة القصوى المستدامة البالغة 12 مليون برميل يومياً. وبالتالي من المتوقع أن تواصل عقود إبريل/ نيسان تراجعها خلال الأسابيع المقبلة، وربما يكون الانخفاض أكبر في شهر مايو/أيار.
وضمن الخطوات العملية الأخرى التي نفذتها السعودية وتدل على إصرارها على الاستمرار في إغراق السوق العالمية بالنفط وكسر ظهر الاقتصاد الروسي، استأجرت الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري ما يصل إلى 14 ناقلة عملاقة بشكل مبدئي لشحن النفط الخام إلى العملاء في أنحاء العالم، مع شروعها في تنفيذ تعهدها بزيادة إنتاج النفط الخام.
وقالت مصادر بقطاع الشحن البحري، إن طفرة حجوزات بحري السعودية، التي تملك أسطولاً من 42 ناقلة خام ضخمة، ساهمت في ارتفاع أسعار الشحن على الناقلات العملاقة لأكثر من مثليها وسط “حمى استئجار” هذا الأسبوع.
وبحسب عدة مصادر في مجال السمسرة البحرية، ارتفعت أسعار استئجار الناقلات العملاقة على خط الخليج-الصين لأكثر من مثليها إلى حوالي 70 ألف دولار لليوم الواحد أمس الأربعاء، من حوالي 30 ألف دولار يوم الاثنين.
وبينما تقول روسيا إن الحوار مع ” أوبك+” سيتواصل بشأن استقرار السوق النفطية، ترى السعودية أن لا داعي للحوار.
في هذا الشأن، قال وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، حسب وكالة تاس، إن الحوار مستمر مع دول منظمة “أوبك”، وإن روسيا سترسل ممثلاً إلى اجتماع اللجنة الفنية المشتركة لدول تحالف “أوبك+” يوم 18 مارس/آذار الجاري. ولكن في المقابل، فإن الرياض ترى أنه لا حاجة لعقد اجتماع لـ”أوبك +” بعد فشل الاتفاق يوم السبت الماضي.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، يوم الثلاثاء، أنه لا يرى حاجة لعقد اجتماع لمجموعة “أوبك+” في الفترة من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران في غياب اتفاق على الإجراءات التي يجب اتخاذها للتعامل مع أثر فيروس كورونا على الطلب والأسعار.
وقال إنه ينبغي على كل منتج للنفط الحفاظ على حصته في السوق. وجاءت تصريحات الوزير ضمن رده على تصريحات نوفاك الرامية لإعادة التفاوض حول خفض حصص الإنتاج.
وتواجه روسيا ضغطاً متزايداً على عملتها الروبل وعلى شركات الطاقة الكبرى التي تملكها، حيث خسرت أسهم شركاتها التي يتم تداول أسهمها في بورصة لندن مليارات الدولار. وفي يوم الإثنين الماضي الذي شهد أكبر انهيار يومي في سعر النفط، تراجع سعر سهم “روسنفت” الروسية في إغلاق بورصة لندن بنسبة 22%، كما تراجع سهم شركة “غاز بروم”، كبرى شركات الغاز الطبيعي في العالم، بنسبة 18%.
ويرى محلل الطاقة العالمي، ديمتري مارينشيكو، بوكالة فيتش الأميركية للتصنيف الائتماني، أن الشركات الروسية لا تستطيع منافسة أرامكو في زيادة الإنتاج، إذ إن كل ما تستطيع فعله هو زيادة الإنتاج بكميات تراوح بين 250 ألفا إلى 300 ألف برميل يومياً.
ووصف مارينشيكو القرار الروسي بعدم التعاون مع أوبك بأنه قرار خطر. وقال في تعليقات نقلتها صحيفة فاينانشيال تايمز” قرار القضاء على أوبك + في هذه الظروف قرار خطير وأن دوافعه ليست واضحة”.
وفي السوق الروسي يتواصل هبوط مؤشرات الأسهم الروسية وسط هروب من قبل المستثمرين تحسباً للخسائر المتوقعة من معركة “كسر العظم” النفطية.
وبشأن أسواق المال الروسية، قالت صحيفة “موسكو تايمز” في نسختها الإنكليزية، الصادرة أمس الأربعاء، إن البنك المركزي قلق من تداعيات الاضطراب في سوق المال، رغم الحديث عن دخول مستثمرين جدد في السوق.
وحسب الصحيفة، فإن مؤشر بورصة موسكو خسر 10% من قيمته في إغلاق الثلاثاء. وكانت بورصة “موسكو” بدأت تعاملاتها يوم الإثنين، على تراجع تجاوز 11 في المائة، إلا أن القرارات الحكومية التي اتخذها المركزي الروسي ووزارة المالية، ساعدت في تقليص الخسائر إلى نحو 8.1 في المائة. وبذلك تكون البورصة الروسية تراجعت من أعلى مستوى للعام الجاري بنسبة 19.8 في المائة.
وفي السعودية التي تواجه ضائقة مالية وزيادة في المديونية خلال العام الماضي، لم يكن الحال بأفضل من روسيا، حيث تراجعت أسهم أرامكو السعودية تراجعاً حاداً بعد ظهر أمس الأربعاء، متجاوبة مع انخفاض أسعار النفط.
وحسب رويترز، تم تداول سهم أرامكو في سوق تداول أمس الأربعاء، عند 29.70 ريالا سعوديا (7.91 دولارات)، بانخفاض 4.7 بالمئة عن إغلاقها السابق، وأقل بكثير من سعر طرحها العام الأولي البالغ 32 ريالاً، والذي قُدرت قيمة الشركة على أساسه بنحو 1.7 تريليون دولار عند إدراجها في ديسمبر/كانون الأول.
وفي محاولة للخروج من مأزق انهيار النفط وتداعياته الخطرة على الاقتصادات الضعيفة، قال وزير المالية المكسيكي أرتور هيريرا، أمس الأربعاء، إن بلاده ودولا أخرى تسعى للتوسط في النزاع النفطي بين روسيا والسعودية الذي ألحق ضرراً شديداً بالأسواق العالمية، مشيراً إلى خبرة سابقة في تهدئة النزاع بين منتجي الخام.
العربي الجديد