تناولت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تكليف النائب عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة العراقية، وقالت إن الزيادة المتوقعة في انتشار فيروس كورونا تعد من أبرز التحديات التي ستواجهه في بلد مزقته الانقسامات الداخلية والتدخلات الدولية.
وفي مقال بقلم هالة قضماني، قالت الصحيفة إن الابتسامة غابت عن وجه الزرفي (54 عاما) عندما استلم خطاب التكليف من الرئيس برهم صالح، بل إن الجدية كانت السمة البارزة له في الصور الرسمية الأولى التي نشرت، وبدا أنه يقدر العبء الثقيل لتشكيل حكومة جديدة في بلد تراكمت فيه الأزمات.
وأوضحت الكاتبة أن العراق الذي أصبح مسرحا لمواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة وإيران، والذي يهتز منذ شهور على وقع احتجاجات شعبية واسعة النطاق ضد نظام سياسي متعفن تعصف به الانقسامات والفساد، يترنح الآن تحت وطأة انخفاض أسعار النفط، مصدر دخله الرئيسي، في وقت بدأ فيه وباء كورونا يتفشى بشكل خطير على أراضيه.
والاختبار الأول الذي ينتظر محافظ النجف السابق وممثلها في البرلمان -حسب الكاتبة- هو تشكيل حكومة في ثلاثين يوما، وهو ما لم يتمكن منه أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء منذ استقالة الحكومة في أوائل ديسمبر/كانون الأول، إما لعدم موافقة المتظاهرين الذين يسيطرون على شوارع المدن الرئيسية منذ أشهر، وإما لرفض الأحزاب السياسية.
انقسام سياسي
وقالت الكاتبة إن انقسام الأحزاب السياسية عاد بمجرد الإعلان عن تكليف الزرفي الذي حصل على دعم كبير من الزعيم الشيعي المؤثر مقتدى الصدر، صاحب الكتلة الأولى في البرلمان، وكذلك على دعم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ولكن “المليشيات الموالية لإيران” صاحبة الكتلة الثانية في البرلمان عبرت عن معارضة شديدة لتعيينه، واعتبرته “غير دستوري” ووعدت “بفعل ما بوسعها لمنع هذا التكليف غير القانوني”، في حين أن ممثلي كردستان العراق لم يعلنوا بعد موقفهم.
وقد أظهرت الأحزاب والمليشيات العراقية المدعومة من إيران -وفق الكاتبة- قدرتها على الإضرار والإزعاج العسكري والسياسي بصورة يومية في الأسابيع الأخيرة، وذلك عبر الهجمات الصاروخية على أماكن وجود قوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، مما تسبب في غارات انتقامية جوية من قبل الجيش الأميركي ضد مواقع هذه الجماعات شبه العسكرية.
ورأت الكاتبة أن الملف الساخن المتعلق بوجود القوات الأميركية في العراق سيكون أحد الأولويات التي يجب على رئيس الوزراء الجديد إدارتها إذا تمكن من التغلب على عقبة التصويت في البرلمان، مشيرة إلى أن غالبية أعضاء البرلمان والسلطة التنفيذية دعوا إلى إخراج القوات الأجنبية بقيادة أميركا بعد اغتيال اللواء الإيراني قاسم سليماني بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني الماضي.
صدمة كورونا
وفي هذا السياق من التوتر الشديد، فإن فيروس كورونا الذي بدأ يتفشى في العراق يفرض تحديات صحية هائلة، وتحديات سياسية واقتصادية أيضا بالنسبة لحكومة جديدة محتملة.
ووفقا لوزارة الصحة العراقية، بلغ مجموع الإصابات في عموم البلاد 164، بينها 12 حالة وفاة، في حين فرض حظر تجول في بغداد ومدن أخرى لمدة أسبوع. وعلاوة على المشاكل التي تواجهها عادة الدول المتضررة من الفيروس، يعاني العراق من فشل في النظام الصحي ككل الخدمات العامة الأخرى بسبب الفساد وعدم كفاءة السلطات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن صدمة النفط الجديدة التي سببتها أزمة كورونا ستكون لها عواقب اقتصادية وخيمة على البلد المصدر الثاني في منظمة أوبك، خاصة أن 90% من موارده تأتي من مبيعات الذهب الأسود.
وتتوقع الكاتبة أن تخنق هذه الصدمة -التي عززها انخفاض الطلب الصيني على النفط وحرب الأسعار بين السعودية وروسيا- الميزانية العراقية في وقت تكون فيه الدولة في أمس الحاجة إلى تلبية الاحتياجات الصحية وضمان السلم الاجتماعي.
وخلصت قضماني في ختام مقالها إلى أن الرهانات الأكثر تشاؤما هي الأكثر واقعية، وتساءلت “هل سيدخل الزرفي التاريخ باعتباره الشخص الذي أخرج العراق من الاضطراب والفوضى أم سينسى في غضون أيام أو أسابيع قليلة بعد الفشل من جديد؟
المصدر : ليبيراسيون