بغداد – يسعى رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي إلى التعرف على ما إذا كانت هناك إرادة إيرانية وراء الرفض الذي تبديه القوى السياسية الشيعية لاستمراره في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، في وقت فشلت فيه محاولات توحيد موقف هذه القوى وراء مطلب إلغاء التكليف.
وأعلن كلّ من ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وحزب الفضيلة بزعامة هاشم الموسوي، رفض قرار رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف الزرفي بتشكيل الحكومة الجديدة، فيما تحفظ تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم على آلية التكليف، التي تجاهلت تحقيق “الإجماع الشيعي”.
وخلال اجتماع جرى في منزل الحكيم طرح حلفاء إيران بديلين للزرفي، هما محافظ البصرة أسعد العيداني والموظف البارز في رئاسة الجمهورية نعيم السهيل، كما وضعوا خيار الإبقاء على الحكومة الحالية المستقيلة بقيادة عادل عبدالمهدي حتى انتهاء دورتها الانتخابية، في حال الفشل في الاتفاق على مرشح.
لكن الاجتماع انتهى دون الاتفاق على أيٍّ من هذه الأمور، ما عدّ فشلا ذريعا للقوى الشيعية.
ووفقا لمراقبين ومصادر شيعية، فإن فشل الاجتماع ليس سوى الجولة الأولى من المواجهة، حيث ستشهد الأيام القادمة جولات أخرى، وإن كان فشل حلفاء إيران في حشد القوى الأخرى خلفهم، منح الزرفي دفعة قوية.
وفشل المالكي والعامري والخزعلي في إقناع الحكيم فجر الجمعة، بالتخلي عن الزرفي علانية.
وأمضى الأول والثاني وممثل عن الثالث ساعات طويلة يوم الخميس في منزل الحكيم، حتى فجر الجمعة، من دون الإعلان عن أيّ اتفاق أو تفاهم.
وجميع القوى الرافضة للزرفي تتماهى بشكل شبه كامل مع الموقف الإيراني، وتتهم بأنها تفضّل مصالح إيران على مصالح العراق.
ووفقا للمعلن، فإن كتلة “سائرون” التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، هي الوحيدة التي تؤيد الزرفي، لكن مصادر سياسية تقول إن الحكيم متفق مع الصدر على دعم رئيس الوزراء المكلف.
وباحتساب كتلة النصر بزعامة حيدر العبادي، التي رشحت الزرفي الذي ينتمي إليها، لمهمة تشكيل الحكومة، تبدو كفتّا المؤيدين للزرفي والمعترضين عليه، متساويتين تقريبا.
وتقول مصادر مطلعة إن إيران أحجمت حتى الآن عن إرسال أيّ إشارة واضحة للزرفي بشأن قبوله أو رفضه، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء المكلّف يسعى إلى معرفة ما إذا كان قرار رفضه من قبل ثلاثة أطراف شيعية عراقية يستند إلى توجيهات إيرانية.
وحتى الساعة، هناك موقفان يتصلان بإيران في هذا الملف، الأول جاء على لسان محمد الحيدري، الممثل الرسمي للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في العراق، وهو إمام وخطيب جامع الخلاني في بغداد، والثاني جاء على لسان نائب السفير الإيراني في العراق موسى طباطبائي.
ويقول الحيدري، إنه في حال نجاح الزرفي في تشكيل الحكومة العراقية، “فإنني أشمّ منه رائحة الدم وجرّ البلاد إلى الدمار”.
وأضاف “على المخلصين لهذا الوطن الضغط على رئاسة الجمهورية لعدم تكليف مثل هذه الشخصيات التي يراد منها ضياع التضحيات، وأجنداتها واضحة”.
لكن طباطبائي يؤكد أن “قرار الجمهورية الإسلامية، هو عدم التدخل في الشأن السياسي الداخلي العراقي ونحترم كل الخيارات التي تنتج عن العملية السياسية في العراق بمبدأ التفاهم الوطني وبالأطر القانونية والدستورية ونتمنى لهم التوفيق في مسعاهم وخطواتهم الجادة لبناء عراق مستقر وآمن”.
وبدا أن القوى الشيعية المقرّبة من إيران عاجزة عن التصدي للمقبولية التي يحظى بها الزرفي. ويقول مراقبون إن هذا الوضع يكشف عن انحسار التأثير الإيراني في الملف العراقي، بدلالة الخلافات العلنية بين القوى الشيعية وفشلها في الاتفاق على مرشح محدد.
لكن التفاؤل بتراجع النفوذ الإيراني في العراق ربما ليس في محله، إذ ما يزال أمام المكلف أكثر من 25 يوميا، قبل عرض كابينته على البرلمان، وهي مدة انتظار طويلة جدا قد تشهد انقلابات سياسية وتحالفات جديدة.
ويتحرك المالكي بقوة لضمان اصطفاف القوى السياسية السنية والكردية إلى جانب الشيعية المتحالفة مع إيران في رفض الزرفي.
وذكرت مصادر سياسية أن المالكي يتواصل مع رئيس البرلمان السني محمد الحلبوسي وزعيم الحزب الديمقراطي الكردي مسعود البارزاني، لإقناعهما بالتخلي عن الزرفي، بعدما أرسلا إشارات تؤكد دعمهما له.
ولا تعد الخلافات بين الكتل والأحزاب الشيعية حول الزرفي مؤشرا على ارتخاء القبضة الإيرانية، فتلك خلافات لا تتعلق بجوهر النظام الذي يُعدّ الزرفي واحدا من أقدم أبنائه المخلصين بقدر ما هي أشبه بلعبة جر الحبل التي يحاول كل طرف من خلالها أن يملي على الطرف الآخر إرادته من خلال تسويات تحفظ للجميع مصالحهم.
ويقول مراقب سياسي عراقي إن سبب الخلاف ليس لأن الزرفي قد قُدّم باعتباره أميركيّ الهوى، فالكتلة التي رشحته، وهي تحالف النصر، لا يزال رئيسها حيدر العبادي عضوا في حزب الدعوة، وهو ما يعني أن أيّ خلاف مع نوري المالكي لا يعدو كونه خلافا شخصيا ولا علاقة له بالمبادئ التي تضع الجميع في النهاية في السلة الإيرانية.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إنه إذا كان المالكي قد اختار أن يتحرك ضد ترشيح الزرفي لمنصب رئيس الحكومة فلأنه يحتاج إلى استعادة موقعه الوهمي باعتباره عرابا للعملية السياسية ليس إلاّ، وهو دور ينظر إليه الآخرون بإشفاق، ذلك لأنه صار جزءا من الماضي.
ولا يستبعد المراقب أن تقبل إيران بتكليف الزرفي بسبب رغبتها في أن تظهر وجبة سياسية جديدة من أتباعها لإدارة مصالحها في العراق بدلا من الوجوه التقليدية، وهو ما لا يتفهّمه أتباعها التقليديون الذين صاروا من وجهة نظر الشعب رموزا للفساد وضعف الدولة وضياع هيبتها.
وخلص إلى أن إيران في حاجة ماسة خلال المرحلة المقبلة إلى تابع يكون مقبولا بالنسبة إلى الولايات المتحدة لتعبّر من خلاله عن حسن نيتها تمهيدا لما تخطّط له من أجل إحداث خرق إيجابي في علاقتها بالولايات المتحدة.
العرب