أظهر فيروس كورونا مدى هشاشة الوضع في إيران، المعزولة دبلوماسياً والتي تواجه اليوم تفشي الفيروس القاتل، والذي أضرّت تداعياته باقتصادها المنهك، والذي يرزح تحت وطأة العقوبات الأميركية، والتي طالت محرّك الاقتصاد الإيراني، النفط والبتروكيماويات، إلى جانب العقوبات المالية التي فُرضت على شخصيات سياسية إيرانية رفيعة، وأيضا على شركات أجنبية كسرت الحظر النفطي والتكنولوجي المفروض على طهران.
الولايات المتحدة منشغلة اليوم بمواجهة فيروس كورونا، والذي انتشر في الولايات الأميركية، ولكن رغم انشغال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الحدّ من تفشٍ أكبر للوباء في مدنها، وفي ظل محاولات تقليص الإدارة الأميركية للتداعيات الاقتصادية والمالية الكبيرة للفيروس والتي طالت الاقتصاد الأميركي، فإنها لم تغفل عن محاولات إيران استغلال انشغال العالم بالتصدي لوباء كورونا من أجل تطوير ترسانتها العسكرية.
وربما يعكس الانقسام الدائر داخل البيت الأبيض بين الرئيس ترمب وكبار مستشاريه حول توجيه ضربات لإيران، وعن ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة تصعيد العمل العسكري ضدها في هذا الظرف الذي تعاني فيه من الوباء، وهو ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز”، المخاوف الأميركية من الاستغلال الإيراني المحتمل.
ويذكر أن مجموعات، من بينها وزير الخارجية مايك بومبيو وروبرت أوبراين مستشار الأمن القومي، حضّت على الردّ بحزم على الهجمات الصاروخية التي أسفرت عن مقتل جنديين أميركيين في قاعدة شمال بغداد، بحجة أن ذلك سيقود إيران إلى مفاوضات مباشرة. لكن وزير الدفاع مارك إسبر، وروبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، رفضا ضرب إيران، وقالا “ليس لدى البنتاغون ووكالة الاستخبارات أي دليل واضح على أن الجماعات الشيعية العراقية التي شنت الهجوم كان وراءها إيران”، وحذّرا من أن الردّ على نطاق واسع من شأنه الانزلاق إلى حرب أوسع مع طهران وتمزيق العلاقات المتوترة مع العراق.
تفشي كورونا في إيران
تداعيات فيروس كورونا كانت وخيمة على إيران، وبخاصة بعدما أغلقت دول الجوار حدودها البرية معها، من بينها العراق وتركيا وباكستان، وعلّقت الدول الخليجية رحلاتها الجوية إليها، مما عزّز من عزلة إيران إقليمياً ودولياً.
علي رضا ريسي، نائب وزير الصحة الإيراني، صرح لوكالة أنباء فارس بأن 28 مليون شخص خضعوا لفحص طبي في إيران كجزء من إجراءات مكافحة فيروس كورونا، وأنه تم إجراء أكثر من 80 ألف اختبار للكشف عن الفيروس حتى الآن. وكانت إيران قد تعرّضت للانتقاد في الداخل الإيراني وفي الخارج بعد أن تكتمت عن حقيقة أرقام الإصابة بالفيروس القاتل.
وبحسب بيان لوزارة الصحة الإيرانية، يوم أمس السبت، بلغت حصيلة الوفاة جرّاء فيروس كورونا في إيران 1556 وسط أكثر من 20600 حالة إصابة مؤكدة، وبحسب مسؤول صحي إيراني فإن إيرانياً يموت من الفيروس كل 10 دقائق، وهو التصريح الذي أشاع الذعر عبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي في إيران.
وبعد موجة من النقد والغضب الشعبي الكبيرة تجاه تكتم السلطات على حقيقة انتشار الوباء في المدن الإيرانية، بدأت الحكومة بالإعلان عن أعداد الوفيات والمصابين، مما خفف إلى حد ما من الذعر وعدم الثقة، حيث يقدم المسؤولون أرقاماً منتظمة عن القتلى والمصابين، في وقت قطعت فيه شركات الطيران معظم الرحلات الداخلية.
وعلى الرغم من هذه الانقطاعات، تتعامل المتاجر في جميع أنحاء البلاد مع البضائع، حيث يتم إنتاج الغالبية العظمى من المنتجات التي يستهلكها الإيرانيون محلياً. هذا الاكتفاء الذاتي، والذي هو نتاج سنوات من العزلة، يعمل الآن لصالح إيران.
مساعدات إنسانية وطبية
جيرالدين جريفيث، الناطقة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، قالت، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وتيدروس أدهانوم غبريسيس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، ناقشا كيف يمكن أن توّفر الولايات المتحدة المساعدة للشعب الإيراني لمكافحة انتشار فيروس (كوفيد-19)، مؤكدة التزام بلادها بذل الجهود المتاحة كافة لتوفر منظمة الصحة العالمية كل ما تستطيعه حتى يتم تسليمه إلى إيران. وأضافت “نأمل أن يقبل النظام الإيراني عرضنا بتقديم مساعدات إنسانية ومعدات طبية”.
الناطقة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية أعربت عن استعداد بلادها لاستخدام قناتها الإنسانية الجديدة التي تم تطويرها مع الحكومة السويسرية لمساعدة الشعب الإيراني على مكافحة الفيروس. وشدّدت على أن العقوبات الأميركية تستهدف ما أسمته بـ”الجهات الفاعلة السيئة في نظام إيران، وليس الشعب الإيراني”.
وأشارت جيرالدين إلى أن الولايات المتحدة لا تفرض أي عقوبات على المعدات الطبية والمنتجات الزراعية وأجهزة التواصل والمساعدات الإنسانية الموجهة للشعب الإيراني.
وحمّلت جيرالدين النظام في إيران المسؤولية الكاملة عن معاناة الشعب الإيراني، قائلة “لطالما كان النظام الإيراني المسؤول الأول عن معاناة الشعب الإيراني. لقد أهدر النظام ثروات إيران عبر تمويل مجموعات إرهابية في الخارج، بدلا عن رعاية شعبهم”.
وقالت إن الولايات المتحدة لا تزال قلقلة للغاية من سلوك إيران، مؤكدة على أن بلادها ستستمر في فرض أقصى قدر من الضغط على النظام الإيراني حتى يغيّر سلوكه.
صحيفة “ليموند” الفرنسية كشفت عن لقاء جمع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزف بوريل. وبحسب الأجواء التي رشحت عن اللقاء فإن الجانب الإيراني طلب تخفيف العقوبات على إيران للتمكّن من مواجهة أزمة كورونا. إلا أن المشكلة تكمن، بحسب الصحيفة، في أن بعض المواد المطلوب استيرادها هي متعددة الأوجه ولذلك يحظر استيرادها.
كفاية أوليير
اندبندت عربي