تنتظر الأسواق أرقاماً كثيرة بنهاية الشهر الحالي لتقدير وضع اقتصادات العالم الرئيسة، في ضوء التبعات السلبية لتفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد-19). ومن الواضح أنه كما في القاعدة الصحية أن الفيروس أشدّ خطراً على البشر الذين يعانون من أمراض مزمنة، وكبار السن منهم خاصة، فكذلك الحال بالنسبة إلى تبعات وباء الفيروس الاقتصادية.
لذلك هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين والمحللين على أن اقتصاد منطقة اليورو سيكون الأكثر تضرراً من تبعات وباء كورونا. وينتظر أن تظهر أرقام مؤشرات مديري المشتريات التي تعكس نشاط الاقتصاد، بخاصة القطاع الصناعي.
ورغم قرار السلطات النقدية والمالية الأوروبية السماح للحكومات بالإنفاق من دون حد أقضى وعدم التقيد بسقف العجز عند 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك حزمة التيسير الكمي من البنك المركزي الأوروبي، فإن كثيراً من المحللين يتوقع أن يعاني اقتصاد دول أوروبا أكثر من أي اقتصاد آخر في العالم.
ويبرر هؤلاء توقعاتهم بأن اقتصاد منطقة اليورو كان يعاني تباطؤاً بالفعل، حتى قبل تفشي وباء كورونا وتأثيره السلبي على الاقتصاد العالمي ككل. ولا يقتصر الأمر على مشاكل الاقتصاد اليوناني والديون الإيطالية قبل أزمة الوباء، بل إن الاقتصادين الرئيسين في دول منطقة اليورو، الألماني والفرنسي، لم يكونا في وضع جيد.
توقعات متشائمة
في وثيقة للمفوضية الأوروبية، صدرت قبل أيام، توقعت أن يكون تأثير وباء فيروس كورونا على اقتصاد منطقة اليورو في حدود انكماش للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 في المئة. وبما أن التوقعات السابقة لنمو الاقتصاد الأوروبي في 2020 كانت عند 1.4 في المئة تقريباً، فإن ذلك سيعني انكماشاً للناتج المحلي الإجمالي في حدود -1 في المئة تقريباً.
لكن مسؤولين أوروبيين ذكروا أن تلك الورقة أعدت قبل تشديد الإغلاق في أغلب دول الاتحاد الأوروبي وتعطّل قطاعات أخرى غير السفر والسياحة. وتوقع هؤلاء أن يكون الانكماش الناجم عن تأثيرات وباء كورونا في حدود 3.9 في المئة.
وتبقى توقعات وثيقة المفوضية الأوروبية والمسؤولين الأوربيين في حدود محافظة جداً، إذا قورنت بتوقعات متشائمة أخرى. لعل أهمها تلك الدراسة التي صدرت الأسبوع الماضي عن مؤسسة البحث الاقتصادي في لندن “كابيتال إيكونوميكس”، والتي ذكرت أرقاماً صادمة عن منطقة اليورو.
يتوقع تقرير “كابيتال إيكونوميكس” أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 15 في المئة في الربع الثاني من العام المنتهي في شهر يونيو (حزيران). وبغضّ النظر عن معدل الانكماش في الربع الأول، سواء كان 2.5 في المئة أو 3.9 في المئة، فإن ذلك سيعني ركوداً عميقاً أقرب للكساد في أوروبا.
يعزز استنتاجات التقرير أنه يواكب توقعات أخرى بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي تتوقع دخوله في كساد يشبه ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك في ضوء أرقام البطالة وتراجع النشاط التجاري والصناعي نتيجة إغلاق أغلب دول العالم للحدّ من انتشار الوباء.
ومع أن البنك المركزي الأوروبي قد لا يكون استنفد كل ذخيرته لتحفيز اقتصاد منطقة اليورو بعد، إلا أن شراء المزيد من سندات الدين الإيطالية واليونانية، وربما بعد قليل الإسبانية وغيرها، لن يوقف الانكماش في تلك الاقتصادات.
وفي حال استمرت عمليات الإغلاق لمنع تفشي الفيروس، فستتأثر قطاعات إضافية غير المتأثرة حاليا، وستتعمق أزمة الأعمال الصغيرة والمتوسطة من المطاعم وأماكن الترفيه وغيرها، والتي تشكو حتى الآن من أن الدعم الحكومي وتحفيزات البنوك المركزية لا تصل إليها بقدر ما تستفيد منها الشركات الكبرى.
الأمر الإيجابي نسبياً أن تقرير “كابيتال إيكونوميكس” يتوقع أن يستعيد الاقتصاد الأوروبي نشاطه في النصف الثاني من العام، طبعاً في حال انتهاء أزمة فيروس كورونا، على أن يكون النمو إيجابياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 في المئة في الربع الثالث، و5 في المئة في الربع الرابع.
لكن ذلك لن يكون ارتداداً يتجاوز التراجع والانكماش، وفي الأغلب سيؤدي إلى تخفيف وطأة الركود الاقتصادي الذي يبدو حتى الآن حتمياً بنظر الجميع تقريباً. وربما من المهمّ التذكير بأن الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي البالغ 14 تريليون دولار يقارب ثلثي الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الأميركي، ما يعني أن عمق الركود في أوروبا كفيل بجرّ الاقتصاد العالمي كله معه.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي