دخلت أبرز القوى السياسية الشيعية العراقية بقيادة مقتدى الصدر مرحلة مناقشة البدائل المحتملة لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، بعد أن كانت أبرز داعميه، بالتزامن مع انسحاب كتلة الحكمة بقيادة عمار الحكيم من المفاوضات بشكل كلي، في الوقت الذي برزت خلافات بين التيارات الموالية لإيران وخاصة التيار الصدري حول ترشيح أحد رؤساء الجامعات بمدينة كربلاء اتضح أنه مقرب من ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي.
بغداد – انتقلت كتلة سائرون، التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إلى مرحلة التفاوض بشأن الشخصيات البديلة لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي بعدما كانت في البداية من أبرز داعميه.
ويأتي هذا التحرك بينما انسحب زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم من المفاوضات بشكل نهائي بعد أن عجز في إقناع بقية التيارات بصواب رؤية اختيار الزرفي لقيادة المرحلة القادمة، خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية.
وقال مصدر سياسي عراقي رفيع في تصريح لـ”العرب”، إن “كتلة سائرون رضخت لضغوط القوى السياسية المقربة من طهران وشرعت في الاستماع إلى المقترحات بشأن بدلاء الزرفي المحتملين”.
وأكد المصدر أن الكتلة التابعة للصدر رفضت ترشيح أحد رؤساء الجامعات في مدينة كربلاء لمنصب رئيس الوزراء بعدما تبين أنه على صلة بائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وتصر القوى المقربة من إيران على الدفع بأكاديمي أو رئيس جامعة إلى منصب رئيس الوزراء في الحكومة القادمة المؤقتة تحت ذريعة ضمان استقلاليته.
القوى العراقية المقربة من إيران تصر على الدفع بأكاديمي أو رئيس جامعة إلى منصب رئيس الوزراء بذريعة ضمان استقلاليته
ويعتقد مراقبون أن ذلك الأمر هو تكتيك يستهدف السيرة على المنصب الأهم في النظام السياسي العراقي من خلال إسناده إلى شخصية ضعيفة بلا غطاء سياسي. وأشار المصدر إلى أن الأطراف القريبة من إيران عرضت مرشحا آخر من الوسط الأكاديمي محسوبا على كتلة الصدر، تبين أنه مدعوم من تحالف الفتح، الذي يرأسه زعيم منظمة بدر هادي العامري، وهو ما أدى إلى رفضها الاستماع إلى اسم المرشح الثالث، بعدما تأكدت أن جميع المرشحين لديهم صلات حزبية.
ويقول نواب في البرلمان العراقي، إن القوى السياسية الموالية لإيران استغلت هيمنتها على مفاصل الدولة المختلفة طيلة السنوات الماضية للسيطرة على الجامعات من خلال تعيين موالين لها في مناصب رؤساء وعمداء، وهو ما أضر كثيرا باستقلالية الأوساط الأكاديمية التي وجد بعضها أن الصلات السياسية تأتي بمردود كبير عليها.
وتضع الأحزاب الموالية لإيران خيارين أمام الرئيس برهم صالح، الأول الإبقاء على رئيس الوزراء المستقيل في موقعه، أو القبول بأحد رؤساء الجامعات رئيسا للحكومة القادمة، بينما يرد الصدر بخيار الزرفي فقط، ما أضعف موقفه التفاوضي.
ويعد الإبقاء على عبدالمهدي هو المطلب الأهم الذي تسعى خلفه جميع القوى العراقية الموالية لإيران، ولاسيما الميليشيات المسلحة، مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
وطالب زعماء هذه الميليشيات علنا بالتصويت على إبقاء عبدالمهدي ومنح حكومته صلاحيات أوسع، بذريعة تفشي فايروس كورونا.
ويستند الصدر في رفض هذا الخيار إلى الموقف الذي عبر عنه المرجع الشيعي الأعلى في العراق والعالم علي السيستاني، الذي دعا حكومة عبدالمهدي إلى الرحيل، بعد شهور من تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية، المتهمة بالفساد ونهب أموال البلاد وتحويل العراق إلى دولة فاشلة.
وليس بعيدا عن الصدر، يقف زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، الذي يعتقد أن الزرفي يستحق فرصة، وأنه قادر على قيادة البلاد خلال المرحلة الحالية لمواجهة التحديات الكبرى التي فرضها تفشي فايروس كورونا، وأبرزها انهيار أسواق النفط.
وخلال الأسبوعين الماضيين، استضاف الحكيم في منزله بمنطقة الجادرية ببغداد، سلسلة لقاءات سياسية، شارك فيها كبار الساسة الشيعة، مثل المالكي والعامري، فضلا عن ممثلين لميليشيات مسلحة تملك مقاعد في البرلمان العراقي.
وحاول الحكيم اختراق إجماع القوى السياسية الموالية لإيران على رفض الزرفي، من دون فائدة. ويقول مقربون من الحكيم إن رافضي الزرفي مارسوا ضغوطا هائلة على زعيم تيار الحكمة، لإقناعه بضرورة مخاطبة الزرفي كي يقوم بالاعتذار عن استكمال مهام تكليفه، لكنه رفض.
وتوضح المصادر أن الحكيم يرى أن استمرار المفاوضات بهذه الطريقة، لن يكون مجديا.
وأعلن الحكيم، فجر الأربعاء، التوقف عن جميع الأنشطة السياسية، والتفرغ لمواجهة كورونا.
وقال زعيم تيار الحكمة، “إدراكا لحراجة الموقف الذي يمر به العراقيون وإيمانا بضرورة تعبئة كل الجهود لتجاوز هذه المحنة، أعلن تعليق كافة الأنشطة السياسية لتيار الحكمة الوطني وتوجيه كل جهود التيار وقياداته للمشاركة في الحملة الشعبية التي يقوم بها الخيرون من كل أطياف العراق لمقاومة جائحة كورونا”.
وتم تفسير إعلان الحكيم على أنه خروج من مفاوضات غير منتجة تصر خلالها القوى الموالية لإيران على فرض واقع يؤمن مصالحها بشكل دائم من دون الاهتمام بمطالب الشركاء.
وعمليا، يستمر رئيس الوزراء المستقيل عبدالمهدي في أداء مهامه حتى نهاية مهلة المكلف الزرفي التي تبقى منها نحو أسبوعين.
وقد يحصل عبدالمهدي على 45 يوما أخرى في حال فشل الزرفي في نيل ثقة البرلمان، ما يعني مشاورات تستمر 15 يوما، ثم تكليف مرشح آخر ومنحه مهلة ثلاثين يوما لتشكيل الحكومة.
ويقول مراقبون إن الواقع الحالي يعكس نجاح الاستراتيجية الإيرانية في الإبقاء على عبدالمهدي، الذي لم يكن نفوذ طهران وحلفائها في العراق بهذا المستوى الذي شهده عهده.
العرب