الجيش الأميركي في العراق.. قلق البقاء وخطر الرحيل

الجيش الأميركي في العراق.. قلق البقاء وخطر الرحيل

تواصل القوى السياسية والميليشيات الموالية لإيران السير في نهج الإصرار على المطالبة بوجوب انسحاب القوات الأميركية من العراق وذلك على عكس السنة والأكراد. وازداد الجدل حول هذا الملف الهام أمنيا، خاصة بعدما أطل تنظيم الدولة الإسلامية برأسه من جديد في البلاد عقب الإعلان عن مقتل مسؤول عسكري عراقي خلال اشتباكات مع تنظيم داعش، ما يجعل خطر رحيل القوات الأميركية مصدر قلق قد يهدد مستقبل البلاد.

بغداد – أعاد إعلان وزارة الدفاع العراقية، الإثنين، عن مقتل مسؤول عسكري خلال اشتباكات مسلحة بين قوة من الجيش وعناصر من تنظيم داعش الإرهابي شمالي البلاد، الجدل بشأن خروج القوات الأميركية من العراق وهو المطلب الذي تراهن عليه الحساسيات السياسية والميليشيات الموالية لإيران.

وتصاعد هذا الجدل بشأن هذا الملف الهام أمنيا في العراق، خاصة بعدما صرح الأربعاء اللواء الركن عبدالكريم خلف الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق بأن القوات الفرنسية انسحبت من العراق.

وقال خلف إن “القوات الفرنسية غادرت الأراضي العراقية وتم إخلاء قاعدة جوية من قبل التحالف الدولي بحسب الاتفاقات مع الحكومة العراقية”.

وتزيد هذه التطورات عبئا جديدا على العراق بعدما تفشى فايروس كورونا، وذلك بالتزامن مع ازدياد وتيرة هجمات مسلحين يشتبه بأنهم من داعش خلال الأشهر الماضية، وبشكل خاص في المنطقة بين محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى المعروفة باسم “مثلث الموت”.

غموض كبير

سبق أن أثارت وثيقة البنتاغون الأميركية المسربة بشأن الانسحاب العسكري من العراق انتقادات الكثير من المتابعين، خاصة في ما يتعلق بمدى متانة تداول معلومات بالغة السرية بدت وكأنها بالونة اختبار أميركية للسلطات العراقية.

وتلقف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي المذكرة وسارع للإعلان عن فحواها ضاربا عرض الحائط أدنى المعايير الدبلوماسية التي تتطلب التعاطي مع الملف عبر قنوات دبلوماسية وليس الإعلام، قبل أن يبدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب انزعاجه من ذلك وتأكيد وزير دفاعه مارك إسبر أنها مذكرة غير موقعة كانت لأغراض التشاور.

وبيّن القائد في القوات المسلحة الأميركية الجنرال ميلي أن “هذه الفقرة بالتحديد صيغت بشكل سيئ لأنها تعني انسحابا وهذا ليس ما يحدث” وأنه “اطلع على المعلومات الاستخبارية وعمّا كان يحضر له القائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأنها كانت تشير إلى خطر داهم”.

ورفضت وزارة الخارجية الأميركية في ما بعد طلب الحكومة العراقية سحب القوات متحدثة عن “الجاهزية والوضع المناسب للقوات الأميركية في الشرق الأوسط”.

وشهدت الأيام التي تلت مقتل قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس غموضا وتقلبات في الجانب اللوجستي العسكري داخل العراق، سواء من حيث الضربات المتقابلة بين الجانبين الإيراني عبر الوكلاء من الميليشيات أو الأميركي الذي يستهدف قواعدهم.

واستغلت المواقع الإعلامية التابعة للميليشيات الموالية لإيران غموض التموضع العسكري الأميركي للإيحاء بأن العدّ التنازلي لانسحاب القوات الأميركية من العراق قد بدأ فعلياً وخاصة توظيف قصة الانسحاب الفعلي الذي تحقق من القاعدة العسكرية على الحدود العراقية السورية في منطقة الأنبار.

التمسك بإخراج القوات الأميركية يمنح فرصة لإدارة ترامب لتنفيذ تهديداتها بمعاقبة العراق

لكن المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل مايلز كاغينز عزا انسحاب القوات الأميركية من قاعدة القائم إلى أن القوات الأمنية العراقية خرجت من حربها ضد داعش منتصرة، مبيّنا أن التحالف قام بنقل قواته من المقرات الصغيرة إلى مقراته الأكبر، وكان الانسحاب من قاعدة القائم ضمن تلك الخطة.

وبيّن أن “الجنود الذين تركوا القائم سيتوجه بعضهم إلى دير الزور السورية وآخرون إلى قاعدة عين الأسد، وما تبقى سيعودون إلى أميركا”. وحول تأثير وباء كورونا قال كاغينز “سنقوم بتغيير أماكن تواجد جنودنا مرة أخرى، لقد توقفت تدريباتنا لقوات البيشمركة وسنعود إلى استئنافها بعد عودة الأوضاع إلى طبيعتها”.

لكن سبق لمايلز أن قال في مطلع شهر مارس إن التنظيم المتطرف داعش مازال يشكل تهديدا، لافتا إلى أن التحالف الدولي سيبقى في العراق بناء على طلب الحكومة العراقية.

أما الجانب الرسمي العراقي فقد أكد عدم صحة الترويج لانسحاب القوات الأميركية من العراق. ونفت قيادة العمليات المشتركة العراقية التقارير التي تحدثت عن انسحاب القوات الأميركية من قواعد عسكرية في البلاد، فضلا عن طلب عدة دول الانسحاب من التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق بقيادة الولايات المتحدة.

كما نفت وزارة الدفاع العراقية الأنباء التي تحدثت عن الانسحاب من بعض القواعد العسكرية أو وجود نية لألمانيا وفرنسا وأستراليا للانسحاب وفق جدول زمني، وذلك في نفي لتصريحات لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي التي أشارت إلى أن فرنسا وألمانيا وأستراليا قدمت طلبا إلى قيادة العمليات المشتركة من أجل وضع جدول زمني لسحب قواتها من العراق.

ونفى مصدر رسمي في محافظة الأنبار التي تضم قواعد أميركية الأخبار التي تم تناقلها بشأن انسحاب أميركي من الأنبار قائلا “إن ما حصل هو انسحاب الجنود الأميركيين المتواجدين في الأبراج الأمامية للقاعدة إلى الجزء المخصص للقوات الأميركية لغرض الابتعاد عن الجانب العراقي خوفا من تفشي فايروس كورونا”.

تشبث الموالين لإيران
تمكنت القوى الموالية لطهران من تمرير القرار البرلماني القاضي بطرد القوات الأميركية في الخامس من يناير الماضي بعد يومين من مقتل سليماني والمهندس وسط مقاطعة كردية وسنيّة، تلا ذلك تهديد إدارة ترامب العراق بفرض “عقوبات غير مسبوقة عليه” وفق قانون يحظر على الشركات والمؤسسات الأميركية الاستثمار في العراق ويمنع العراق من خفض ديونه الخارجية.

وهدّد الرئيس الأميركي مباشرة باقتطاع مبلغ ربع مليار دولار الذي كان مخصصا من قبل الكونغرس الأميركي كمساعدات عسكرية للعراق. وصرح بأنه ليست لديه مشكلة في الانسحاب من العراق ولكن على العراقيين أن يدفعوا مقابل الانسحاب، مشيرا إلى أن دولا أخرى تدفع لنشر المزيد من القوات الأميركية.

وقال ترامب “إن القادة العراقيين لا يطلبون انسحاب القوات الأميركية في المحادثات الخاصة”، مضيفا أن بلاده شيَّدت منشآت باهظة التكلفة في العراق على بغداد أن تدفع تكاليفها وأن في قبضته 35 مليار دولار من أموال العراق.

وسخر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من قرار الجهات السياسية الموالية لطهران داخل البرلمان الداعي لانسحاب القوات الأميركية بقوله “العراقيون لا يريدوننا أن نغادر بلادهم، يعلمون أن الولايات المتحدة موجودة لمساعدتهم على أن يصبحوا دولة سيدة ومستقلة ومزدهرة وهذه ليست نوايا إيران، إيران تريد السيطرة على العراق وجعله دولة تابعة”.

وتعكس تصريحات بومبيو رغبة العرب السنة والأكراد ببقاء القوات الأميركية في العراق، حيث أطلقت الكثير من القوى السياسية السنية بيانات محذرة من تحويل القرار الشيعي داخل البرلمان إلى قرار حكومي رسمي، لأن هذه القوات بنظرهم تحافظ على قدر من الحماية للسنة العرب من احتمالات عودة موجة العنف المسلح ضدهم وتنفيذها من قبل الميليشيات المرابطة داخل المحافظات الغربية في الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى.

وعبر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي عن حاجة البلد إلى القوات الأميركية. أما بشأن الأكراد فقد صرح مسعود البارزاني رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بأنه كان معارضا لخروج القوات الأميركية من العراق عام 2011.

وقال البارزاني “لو تواجدت تلك القوات لما هزم داعش الجيش العراقي وهدد الإقليم، إذا غادرت القوات الأميركية وقوات التحالف البلاد سيعود داعش بعد 6 أشهر بشكل أقوى من السابق.. إن بقاء القوات الأميركية في الوقت الراهن ضرورة ملحة”.

وبحسب واثق الهاشمي رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية، توجد عوامل كثيرة لرفض السنة والأكراد لقرار إخراج القوات الأميركية، فالأكراد يرون فيها داعما عسكريا وسياسيا في الكثير من الملفات، بينما يرى السنة أن الوجود الأميركي يُوازن البلاد أمام الضغط الإيراني، بل إن حتى نوابا من داخل الكتل الشيعية يرون ضرورة استمرار حضور واشنطن ضمانا لهذا التوازن.

ويأتي الارتباك في القرارات النهائية لانسحاب القوات الأميركية وسط تصعيد إعلامي من الميليشيات الموالية لإيران في العراق داخل البرلمان وخارجه للمطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق، خصوصا بعد مقتل كل من قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس في يناير الماضي

العرب