مخاطرة إنقاذ الساحل الأفريقي من الإرهاب بتحفيز الصراع بين القاعدة وداعش

مخاطرة إنقاذ الساحل الأفريقي من الإرهاب بتحفيز الصراع بين القاعدة وداعش

 

تفاعلا مع ارتفاع منسوب العمليات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، عقد المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب ندوة عن بعد، لبحث سبل منع تحول منطقة الساحل والصحراء إلى نقطة ارتكاز ميدانية جديدة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة. وأوصت الندوة بتوسعة مساحة الخلاف بين تنظيمي داعش والقاعدة، وإحداث اختراق في أساس تلك الجماعات قد يمهد لوضع استراتيجية أكثر نجاعة لإنهاء عملية تحويل المنطقة إلى بؤرة عالمية للإرهاب.

أصبح الساحل الأفريقي موضع اهتمام عالمي مع تصاعد العمليات الإرهابية، الأشهر الماضية، بصورة غير مسبوقة لتشمل 7 دول وصولا إلى تشاد. وبدت المسألة شديدة الخطورة مع وصول أعداد الهجمات إلى مستوى مرتفع مع تنوع في التكوينات والكيانات الراديكالية في إقليم غرب أفريقيا، فاق إحصاءات الحراك الإرهابي في دول مثل سوريا والعراق.

يظهر الاهتمام الدولي بتلك القضية كمحاولة مبكرة لمنع تحول منطقة الساحل إلى نقطة ارتكاز جديدة تعيد تنظيمات مثل داعش إلى نشاطه الوحشي السابق.

انعكس الاهتمام على مجموعة من خبراء الأمن ومكافحة الإرهاب في أوروبا والولايات المتحدة بصورة لم تثن المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب بمدينة لاهاي، عن تنظيم مؤتمر عبر الإنترنت بين مختصين وصحافيين حول الصراع بين القاعدة وداعش في منطقة الساحل لتخطي الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم من حجر صحي وحظر للحركة بسبب فايروس كورونا.

التركيز على التباينات بين داعش والقاعدة، لا يهدف إلى إعادة إنتاج ما حصل في سوريا أو أفغانستان، حيث وقعت بعض القوى الدولية والإقليمية في خيار ملتبس بين المر والأمر، وحيث انقلب الأمر إلى رهان خاسر، بالنظر لما حدث من توسع في عمليات الإرهاب، بل إن البناء على التباينات بين داعش والقاعدة يهدف إلى الحيلولة دون حدوث تقارب التنظيمين بما يجعل الحرب على الإرهاب أكثر عسرا.

وعقد المؤتمر بهذا الشكل غير المعتاد، وشاركت فيه “العرب”، ورغم صعوبة البعض في استخدام تطبيق “زووم” الذي يعمل على ربط العشرات من الأجهزة اللوحية معا في صورة اجتماع عمل مصغرة تتيح التحكم بإعطاء كلمة لكل محاضر، لكن الندوة التي انعقدت، الخميس الماضي، طرحت العديد من المناقشات والأسئلة من المشاركين، مثل لماذا منطقة الساحل الآن؟ ولماذا تفشل الجهود الأمنية في السيطرة على المسألة؟

قال أستاذ السياسة الدولية بجامعة بيتسبرغ (بنسيلفانيا)، والباحث الأميركي في مكافحة الإرهاب، كولن كلارك، إن قضية تفشي الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء متشعبة للغاية، والوجه الأهم هو خصوصية ذلك الإقليم على المستوى الديموغرافي.

تعد منطقة الغرب الأفريقي ذات طبيعة مفتوحة نسبيا وحدود سهلة العبور بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وبوركينا فاسو ومالي وتشاد، ما يسمح بالتوسع والتنقل بسهولة بين تلك البلدان خاصة مع عدم قدرة جيوشها على دحر الإرهاب.

يعتبر إقليم الساحل من أفقر أقاليم العالم، وبالتالي يتأثر سكان تلك المنطقة بشدة بارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسرعة نمو السكان، وانتشار الفساد والتوترات الداخلية التي لا تجد حلولا، إلى جانب خطر العنف الأصولي بين القبائل. وبالنظر لخارطة الأزمات الداخلية بالساحل تمتد الأزمات المستعصية بداية من الأزمات الإثنية في تشاد، وصولا إلى الانقسامات الداخلية والتهديدات الأمنية التي تعرفها النيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، بسبب الطبيعة الاجتماعية المعقدة، ما يجعل مستوى التجانس ضعيفا وحركيات الاندماج صعبة.

بيئة رخوة

أوضح كلارك أن هذا التمدد الجغرافي يكشف أن التنظيمات المتطرفة بالساحل والصحراء تتمتع بديناميكية وقدرة على الاستقطاب في مجتمعات محلية مدججة بالصراعات القبلية المعقدة، وتلك هي أبرز السمات المعتادة لتنظيم داعش الذي يبحث دائما عن المساحات التي لا تحكمها حدود طبوغرافية، وحافلة بالعناصر البشرية الناقمة، والبيئة الرخوة التي تتكيف معها وتحولها إلى بؤرة تجنيد ومركز هجومي.

تقف تلك الطبيعة السكانية والبيئية ضد أي محاولة أمنية ملموسة لمكافحة الإرهاب في المنطقة. ومنذ عام 2016 تشكلت مجموعة من الهيئات المحلية والإقليمية والدولية بين دول المنطقة وبمساعدات أوروبية بقيادة فرنسا، بالإضافة إلى دعم أميركي لوجيستي. كل ذلك لم يسفر عن نتائج ملموسة، بل أشار أغلبية الحضور في المؤتمر الافتراضي إلى أن المسألة باتت أسوأ.

اتفقت الباحثة المتخصصة في الحركات المتشددة بأفريقيا، جولي كولمان، مع كلارك، في أهمية تحليل سمات الشعوب الموجودة في تلك المنطقة كمفتاح لفهم انتشار العشرات من الجماعات المتطرفة في إقليم الساحل الأفريقي وفشل المنظومة الأمنية في ردع ذلك.

ورأت كولمان أن 75 في المئة من المنضمين إلى الجماعات التي تتبع داعش أو القاعدة لا يمتلكون دافعا دينيا حقيقيا، وبالتالي هم مساقون بدوافع دنيوية، أبرزها الإغداق المالي على أسرهم، وفوضى التعليم وأزمات البطالة واعتبار الجماعات الراديكالية قوى معارضة لحكومات دول الساحل والصحراء.

وقالت كولمان إن عددا كبيرا من مواطني تلك الدول يعتقدون أن القاعدة وداعش هما قوتان أو حزبان معارضان يعوضان غياب الديمقراطية، وأن الانضمام إلى أي منهما قد يكون رسالة ضد قمع المعارضة القانونية في البلاد.

وتتسم تلك المنطقة بتعددية التوجهات المتطرفة بين العشرات من القبائل، وهو ما جعل منطقة الساحل بؤرة نشطة ومتنوعة لجماعات جهادية كثيرة اختلفت في الأيديولوجية والأهداف، واتفقت في الآلية العنيفة، ومنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الشباب بمالي والنيجر وجماعة “بوكو حرام” في نيجيريا، وجماعة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا، و”الحركة الوطنية لتحرير الأزواد” في شمال مالي.

ولم يتشكل كيان فعلي وموحد للكثير من تلك الجماعات المتطرفة، إلا مع ظهور داعش في عام 2014، وحصوله على بيعة عدد من تلك الجماعات، أبرزها بوكو حرام وجماعة التوحيد والمرابطين، والتي توحدت تحت لواء “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”.

ذهب الباحث الهولندي في الأمن السيبراني، ألكسندر فون روسنباخ، إلى أن تلك التحولات عصفت بالقدرات الأمنية والاستراتيجية أمام مكافحة الإرهاب وأفقدتها فاعليتها مع التوسع السريع في كل الدول الأفريقية بوتيرة وصلت إلى تنفيذ هجوم إرهابي بصورة شبه يومية في بعض دول الساحل.

وأضاف روسنباخ أن قدرات الإرهاب تطورت لتشمل ضربات مباشرة للجيوش الأفريقية السبعة المتحالفة، وآخرها حادث استهدف عسكريين في جزيرة “بوما” في تشاد أسفر عن مقتل 92 جنديا، والهجوم على حافلات نقل للجيش شمال شرق نيجيريا وأسفر عن مقتل 50 جنديا.

وأوضح فون روسنباخ أن المسألة لم تقف عن ذلك الحد، ولكن العشرات من الوثائق والمعلومات أكدت وجود محاولات حثيثة على مدار الأعوام الماضية بين داعش والقاعدة لتحقيق تفاهمات في منطقة الساحل لتوفير انتشار ونفوذ أوسع.

التنظيمات المتطرفة بالساحل تتمتع بديناميكية وقدرة على الاستقطاب في مجتمعات محلية مدججة بالصراعات القبلية

جاءت صور التعاون في شكل لقاءات متواصلة بين مسؤولين فرعيين في كل من التنظيمين، ولعل أبرزها لقاء جمع الرجل الثاني بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، أبوعبدالرحمن المغربي، وقتلته القوات الفرنسية في يوليو الماضي، مع أبووليد الصحراوي أمير تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى عام 2018 في مالي.

وحاول الرجلان، وقتها، الجمع بين قوة تنظيم داعش العسكرية وقدراته في التمحور والتجنيد والترويج الإعلامي لقوته، مع الصلابة الفكرية والتنظيرية للقاعدة، باعتباره الكيان الأم لكل فكر جهادي، الأمر الذي انتقص من داعش بصورة مباشرة، إلا أن الصراعات وحالة التزاحم والرغبة في تولي القيادة بصورة منفردة حالت دون تشكيل تعاون كبير.

وتابع روسنباخ، ردا على سؤال “العرب” حول كيفية ردع تلك التطورات الخطيرة، “من حسن حظ دول المنطقة أن تنظيمي الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فشلا في التحالف، وتحولا إلى عدوين”.

وأوضح أن الأجهزة الأمنية لديها فرصة كبيرة لاستثمار ذلك، بتبني سياستين متوازيتين؛ الأولى مواصلة الضربات الرادعة والحصار العسكري لهؤلاء المتطرفين بتحقيق المزيد من التفاهمات بين دول الإقليم والقوى الكبرى. أما السياسة الثانية فيجب أن تكون بتعزيز الصراع بين داعش والقاعدة في المنطقة، وتضعفهما وتشتت من أهدافهما وتقلل من أدوات التجنيد لمواطني تلك الدول.

ويعتقد فون روسنباخ أن هناك عمودين أساسيين للإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وهما القدرة على التسلل داخل المجتمعات دون شعور بوجود دخيل، بالإضافة إلى طبيعة نشأة المواليين لداعش والقاعدة، فرغم الاختلاف الفكري فإن أنصار التنظيمين تجمعهما درجات من الاختلاط الأسري والجيرة لقدومهم من قرى مشتركة بمناطق في مالي وكاميرون وبوركينا فاسو.

وأوصى الخبراء، الذين اجتمعوا في ندوة أونلاين، بضرورة تحرك الأجهزة الأمنية لتوسعة مساحة الخلاف بين التنظيمين لكسر نقاط القوة لدى كل طرف وإحداث اختراق يمهد لوضع استراتيجية أكثر فاعلية لإنهاء عملية تحويل المنطقة إلى بؤرة عالمية للإرهاب.

العرب