أول ثلاثة أطباء فقدوا حياتهم بسبب فيروس كورونا المستجد في بريطانيا هم أطباء مسلمون، كانوا في الخط الأمامي لمواجهة الوباء الذي نال منهم وهم في غمرة أداء واجبهم المهني لمساعدة المرضى المصابين بالفيروس.
واختلطت مشاعر الحزن بالفخر بين صفوف الأقلية المسلمة في بريطانيا، وهي تنعى ثلاثة من خيرة الأطباء في البلاد، وهم: الدكتور حبيب زيدي، والدكتور عادل الطيار، والدكتور أمجد الحوراني، وثلاثتهم كانت الإصابة بفيروس كورونا سببا في وفاتهم.
وتجمع الكثير من التعليقات على كفاءة الأطباء الثلاثة وحبهم لمساعدة المحتاج وعدم تأخرهم في مد يد العون للنظام الصحي البريطاني المستنفر في حربه ضد الوباء.
فرغم إحالته على التقاعد، لم يتأخر الدكتور عادل الطيار -ذي الأصول السودانية- في تلبية النداء الذي أطلقته وزارة الصحة البريطانية لكل متقاعدي القطاع الصحي للعودة للعمل، وبالنظر إلى مساره الطبي الطويل، فقد كان من أوائل الذين ألحقتهم الوزارة بالصف الأمامي لمواجهة الوباء.
كفاءة عالية
الكفاءة العالية، تنطبق أيضا على الدكتور حبيب زيدي -ذي الأصول العراقية- الذي توفي في العناية المركزة في مستشفى “ساوث إند” في العاصمة لندن، وكان أول طبيب يلقى حتفه بسبب الوباء.
وأثنى الكثير من المرضى وزملاء الراحل عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الدكتور حبيب، بأنه كان صاحب خبرة عالية ومهارة كبيرة في التعامل مع المرضى، وقبل سنتين حصل على جائزة التميز من المشفى الذي يشتغل فيه، بل إن إدارة المشفى وصفته بأنه “أسطورة” في مجال عمله.
أما الدكتور أمجد الحوراني -ذي الأوصول السودانية أيضا-، فيعتبر أول “كبير أطباء” يفارق الحياة بسبب فيروس كورونا، حيث كان استشاريا (رئيس فريق من الأطباء) في المستشفى الجامعي “ديربي أند بورتون”، وكان تخصصه الأذن والأنف والحنجرة، ومع بداية المعركة ضد الفيروس، كان الراحل في المقدمة يقود عددا من الأطباء في المستشفى الجامعي لإسعاف المصابين بالفيروس، قبل أن تنتقل له العدوى.
وختم الأطباء المسلمون الثلاثة سيرتهم الطبية المميزة بقصص إنسانية مؤثرة ستروى بين البريطانيين وفي أوساط مجتمعهم المسلم.
وكان لوفاة الدكتور عادل الطيار وقع كبير على المواطنين البريطانيين ذوي الأصول السودانية، فالرجل عرف عنه نشاطه بين الأقلية المسلمة، وأنه كان سباقا للمساعدة، فضلا عن خبرته الطبية في مجال معقد كزراعة الأعضاء.
ويحكي الدكتور عثمان الطيار -نجل الراحل- كيف أن والده لم يتأخر أبدا في العودة للعمل مع الأفواج الأولى التي التحقت بالمستشفيات البريطانية، للمساهمة في مواجهة كورونا.
وبكثير من الاعتزاز، يؤكد عثمان -في حديثه مع الجزيرة نت- أن هذا التصرف لم يكن مستغربا من والده، “فطالما كان مبادرا لتقديم يد العون لكل محتاج”.
هاجروا من السودان والعراق وغيرهم كثير من الزملاء في مؤسسات الصحة البريطانية التي استقطبت الكفاءات المتميزة من الوطن العربي الجريح.
وبغصة في الحلق يتذكر عثمان الأيام الأخيرة لوالده، بعد أسابيع من العمل في المستشفى مع مرضى فيروس كورونا، وقال “عاد يوما للبيت وهو يشعر بالإرهاق، بعد ذلك بدأت حرارته ترتفع، واستمر هذا الوضع أياما قبل أن يبدأ بالإحساس بضيق في الصدر”، ثم يُنقل للعناية المركزة التي بقي فيها أربعة أيام، فارق بعدها الحياة.
وعن الحالة المعنوية للأسرة، يؤكد نجل الدكتور الراحل أنها “مزيج من الفخر والاطمئنان لقضاء الله والحزن على رحيل الوالد الذي كان عمود الأسرة، وكان شخصا حركيا يبادر بالمساعدة ولا يبخل على أي أحد بتقديمها، وكان حضوره مؤثرا في حياتنا لدرجة أن إعجابي بالوالد هو ما دفعني لأن أمتهن الطب”.
ووجدت أسرة الدكتور الطيار الكثير من العزاء في رسائل التضامن التي وصلتها من مختلف بقاع العالم، كما يؤكد ذلك ابنه.
ويضيف “ما فاجأنا أننا وصلتنا رسائل من دول مختلفة تقول إن الوالد كانت له أياد بيضاء في تقديم المساعدة، ولم نكن نعلم بالأمر لأنه كان يحب فعل الخير في السر”.
ويرى الدكتور عثمان أن قصة والده يجب أن تروى “حتى تكون للجميع مثالا على الإخلاص في العمل والتضحية لإنقاذ الآخرين، وهذه هي القيم التي نحتاجها في هذه الأيام”.
نسأل ﷲ الرحمة لأول ثلاثة أطباء يُتوفّون بسبب فيروس #كورونا في #بريطانيا: الدكتور أمجد الحوراني (55، من أصل سوداني)، الدكتور حبيب الزيدي (76، من أصل عراقي)، الدكتور عادل الطيار (63، من أصل سوداني).
هيئة الخدمات الصحية الوطنية وصحف وأحزاب في بريطانيا يشيدون بـ “الأبطال” الثلاثة.
المدير التنفيذي للمستشفى الجامعي “ديربي أند بورتون”، عبّر عن حزنه لوفاة الدكتور أمجد الحوراني البالغ من العمر 51 سنة، وأكد أنه كان من أكثر الأشخاص تفانيا في عملهم، “ومثابرا لأقصى درجة” بحسب بلاغ أصدره المشفى ينعى فيه الدكتور أمجد.
وأكد المسؤول البريطاني أن الراحل كان محبوبا من الجميع ويحظى بثقة الفريق الطبي الذي كان يعمل معه، مشددا على أن الدكتور الحوراني كان يتولى التنسيق بين مستشفيات المنطقة، وكان يقدم الدعم الضروري لفريقين طبيين للعمل سويا في مواجهة كورونا، موردا أنه لم يكن يتأخر أبدا في تقديم المساعدة لزملائه في قسم الأذن والأنف والحنجرة، مما جعله شخصية معروفة بين الكثير من الأقسام الطبية.
وعن علاقته بالمرضى، أكد البيان الصادر عن هيئة الأطباء في المستشفى الذي كان يعمل فيه الدكتور أمجد، أن الراحل كان يقدم كل ما لديه لعلاج المرضى، وكان صاحب روح مبادرة، وساهم أكثر من مرة في جمع المساعدات للمستشفى، وتطوع مرة لتسلق جبال الهمالايا في مبادرة لجمع التبرعات بغرض المساعدة الطبية.
وتعيد وفاة الأطباء الثلاثة ذوي الأصول المسلمة إلى الواجهة حجم انخراط الأقلية المسلمة في كل هموم وانشغالات المجتمع البريطاني، بعيدا عن الصور النمطية حولها.
المصدر : الجزيرة