قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن العراق يعاني من ضائقة تثقل كاهله، بسبب انهيار أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا وتوقف قطاع الأعمال التجارية، ورأت أن هذه المحنة ستلقي بظلالها على الاستقرار الاجتماعي.
وذكرت الصحيفة في تقرير لمراسلتها أليسا روبن من بغداد أن العراق الذي يعتمد اقتصاده على النفط بات في حاجة ماسة للمال، مما اضطر السلطات الصحية لطلب تبرعات حتى يتسنى لها كبح جماح وباء كورونا.
وحذرت المراسلة في تقريرها من أن العراق يتداعى على كل الجبهات تقريبا، فإيرادات النفط -وهي مصدر الدخل الرئيسي للبلد- تراجعت مع انهيار أسعاره عالميا، كما أدى حظر التجول الذي فرضته السلطات على معظم أجزاء البلد للحد من تفشي الفيروس، إلى توقف الأنشطة التجارية وتسريح الغالبية
العظمى من العمال غير الحكوميين.
وباتت الحكومة نفسها عاجزة بعد أن أطاحت الاحتجاجات المناهضة لها برئيس الوزراء عادل عبد المهدي قبل عدة أشهر، وأخفق البرلمان في الاتفاق على خلَف له، فضلا عن تصاعد التوتر بين المليشيات الموالية لطهران والقوات الأميركية، مما ينذر بجر العراق إلى أتون أي حرب قد تندلع بين إيران والولايات المتحدة.
وتنقل الصحيفة عن العسكري المتقاعد رياض الشيحان (56 عاما)، قوله “لقد شهدت الحرب العراقية الإيرانية، وأحداث ما بعد غزو الكويت وغيرها، لكن هذه أسوأ أيام نعيشها في العراق”.
صمت غريب
ويسود صمت غريب معظم أحياء العاصمة بغداد التي يقطنها نحو ثمانية ملايين نسمة، فالطرق السريعة خالية من السيارات، والحدائق والمتنزهات العامة تبدو مهجورة على غير العادة حتى أيام الجمعة، بسبب حظر التجول.
وما يجعل الوضع قاتما على هذا النحو أن الأزمات حلّت على البلد بشكل متزامن، وقضت على الاقتصاد برمته تقريبا، كما يقول الخبير الاقتصادي باسم أنطوان المقيم في بغداد.
ويضيف أنطوان أن الوضع الاقتصادي الراهن أسوأ مما شهدناه من قبل، وذلك لأن كل القطاعات الإنتاجية أوقفت، ولم تعد هناك صناعة أو سياحة ولا حركة مواصلات، كما تأثرت الزراعة إلى حد ما”.
ويمضي الخبير الاقتصادي إلى القول “إننا نشهد شللا تاما تقريبا في الحياة الاقتصادية، علاوة على استمرار الاحتجاجات، كما أن التنقل عبر المحافظات متوقف حاليا والحدود مع دول الجوار مغلقة”.
وشهدت أسعار النفط هبوطا حادا خلال الفترة الأخيرة جراء حرب الأسعار الدائرة بين السعودية وروسيا.
ووفقا للمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، فإن تدني الأسعار وجه لطمة قوية لاقتصادات الدول المعتمدة على النفط، مشيرا إلى أن العراق تلقى الضربة الأقوى.
الأكثر تضررا
وتنسب نيويورك تايمز إلى بيرول القول إن العراق هو الدولة الكثر تضررا من تهاوي أسعار النفط، لأنه لا يملك احتياطات مالية كافية، و90% من عائداته تأتي من النفط، مضيفا أن كل هذه الضغوط الاقتصادية تأتي في بيئة سياسية شديدة التوتر أصلا.
وبحسب أنطوان، تبلغ احتياطات العراق النقدية 62 مليار دولار أميركي، وهو ما يعتبره صندوق النقد الدولي ليس كافيا.
من جانبه، قال عضو خلية الأزمة المعنية بفيروس كورونا سعيد الجياشي إن الحكومة خصصت صندوقا للتبرعات لمساعدتها في تجاوز هذه المحنة، وقد حصل على وعود بحوالي خمسين مليون دولار.
وبحسب وزارة الصحة العراقية، فإن عدد الوفيات جراء الإصابة بالفيروس ارتفع إلى 46 شخصا، فيما ارتفعت حصيلة الإصابات إلى 630.
وترى الصحيفة أن تلك الوعود لن تجدي نفعا حتى لو تم الوفاء بها، ولن يكون لها، تأثير لأن الحكومة العراقية تعاني حاليا عجزا شهريا في المصروفات الجارية يتجاوز ملياري دولار.
ويوجد قطاع خاص محدود في العراق -مدعوم بعقود حكومية واقتصاد غير رسمي- مزدهر، لكن
كليهما تعرض لضربة قوية بسبب فيروس كورونا جراء حظر التجوال المفروض طوال اليوم على
نطاق البلد، والذي تم تمديده حتى 11 أبريل/نيسان.
وقد أجبر الحظر عمال البناء والباعة المتجولين وسائقي سيارات الأجرة على البقاء في منازلهم.
وتحذر الصحيفة الأميركية من أن هؤلاء الكسبة معظمهم يعيش على ما يجنيه من رزق في
اليوم، وليس لديهم ما يدخرون من المال.
العراق يرزح تحت وطأة أسوأ أزمة سياسية يتعرض منذ سنوات (رويترز)
العراق يرزح تحت وطأة أسوأ أزمة سياسية يتعرض منذ سنوات (رويترز)
أزمة سياسية
وقبل أن تضربه جائحة كورونا وتتهاوى أسعار النفط، كان العراق يرزح تحت وطأة أسوأ أزمة سياسية يتعرض لها منذ سنوات.
فمنذ أكتوبر/تشرين الأول، خرج مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع للمطالبة بتشكيل حكومة جديدة ووضع حد للفساد.
وحتى الآن، لم يجرؤ أي سياسي عراقي على مخاطبة الشعب مباشرة بشأن العقبات المالية التي تنتظره، ورغم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح حثا المواطنين على اتباع تعليمات وزارة الصحة، فإنهما لم يأتيا على ذكر الاقتصاد إلا عرَضا، ولم يوضحا حقيقة الوضع القائم.
ويعزو بعض الاقتصاديين ذلك إلى أن أيا منهما ليس لديه ما يقدمه للشعب من تطمينات.
وتعود الصحيفة في ختام تقريرها، لتنقل عن المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول، القول إن أهم قضية ماثلة للعيان الآن في العراق هي تلك المتعلقة بالنظام الصحي، الذي إذا لم يحصل على التمويل اللازم من الحكومة للحد من تفشي فيروس كورونا، فستترتب على ذلك عواقب خطيرة على استقرار البلد.