لم يخرج الاقتصاد الفلسطيني بعد، من أزمة المقاصة التي شهدتها الأسواق المحلية في فبراير/ شباط 2019 وحتى أكتوبر/ تشرين أول من ذات العام، حتى أضاف فيروس كورونا عالميا وفلسطينيا، ضغوطات إضافية على الاقتصاد الهش.
رفض الحكومة الفلسطينية في 2019 تسلم أموال المقاصة- بعد قرار إسرائيلي باقتطاع جزء منها تمثل مخصصات الأسرى وذوي الشهداء- تسبب بصرف أنصاف رواتب لموظفي الحكومة الفلسطينية، وطالت الأزمة مختلف مرافق الاقتصاد المحلي.
** أزمة سيولة
الحكومة الفلسطينية تواجه اليوم تراجعا حادا في الإيرادات المالية، ناتجا عن إجراءات اتخذتها لمنع تفشي الفيروس محليا، تمثل في إعلان حجر منزلي إجباري شامل نتج عنه توقف عجلة الإنتاج وتراجع حاد في القوة الشرائية.
ووفق بيانات ميزانية فلسطين 2019، بلغ إجمالي إيرادات الحكومة 12 مليار شيكل (3.42 مليارات دولار)، بمتوسط شهري 286 مليون دولار، 95 في المئة منها مصدرها الضرائب والجمارك والرسوم التي يدفعها المواطن والمؤسسات المحلية.
بينما بلغ إجمالي نفقات الحكومة قرابة 13.5 مليار شيكل (3.81 مليارات دولار) خلال العام الماضي، بمتوسط شهري 317 مليون دولار، بينما يتم سد الفجوة بين الإيرادات والنفقات من خلال المنح المالية والاقتراض.
** أزمة رواتب
والأحد الماضي، توقع رئيس الوزراء محمد اشتيه، تراجع الإيرادات المالية بنسبة 50 في المئة خلال الفترة المقبلة، بسبب تراجع عجلة الإنتاج والقوة الشرائية، وبالتالي هبوط الاستيراد.
ويعني ذلك، أن الإيرادات المالية التي تتوقعها الحكومة لن تتجاوز 143 مليون دولار شهريا في أفضل الأحوال، خلال الفترة المقبلة تمثل نسبتها 45 في المئة من إجمالي النفقات.
لذلك، ألمح اشتيه إلى احتمالية عدم تمكن حكومته من صرف 100 في المئة من رواتب الموظفين العموميين (133.2 ألف موظف)، اعتبارا من راتب أبريل/ نيسان 2020، بسبب الضائقة المالية.
وقال في مؤتمر صحافي الأحد: “هذا الشهر (مارس) سنصرف 100 في المئة من رواتب الموظفين، ولا نعلم كيف ستكون الأمور مستقبلا.. لذا أدعو المواطنين إلى التروي في نفقاتهم”.
ووفق بيانات الميزانية الفلسطينية، تعد أموال المقاصة (تمثل إيرادات الضرائب والجمارك على السلع الواردة من الخارج)، المصدر الأبرز لدخل الحكومة بنسبة 65 في المئة من إجمالي الإيرادات.
وتبلغ قيمة أموال المقاصة الشهرية وفق بيانات ميزانية فلسطين 2019، نحو 690 مليون شيكل (195 مليون دولار)، وهي أموال تجبيها إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين، كإحدى تفاهمات بروتوكول باريس الاقتصادي، وتُحول إلى الخزينة الفلسطينية بشكل شهري.
إلا أن تراجع القوة الشرائية في السوق الفلسطينية، وتوجه المستهلكين لضبط الإنفاق بسبب مخاوف فقدانهم وظائفهم وضبابية المشهد الاقتصادي، تظهر أن إيرادات المقاصة ستتضرر على نحو حاد خلال الفترة المقبلة.
** تسريح مرتقب
وبدأ مستشارون قانونيون، بنشر تصوراتهم لواقع سوق العمل والخلافات القانونية التي قد تطرأ خلال الفترة المقبلة، بسبب إعلان حالة الطوارئ وغلق المنشآت والمؤسسات.
ويشير البند (38) من قانون العمل الفلسطيني، أن المؤسسات التي تغلق أبوابها قسرا لمدة شهرين متتالين، مجبرة على دفع أجور العاملين لديها خلال فترة 60 يوما، بعدها سيكون لأرباب العمل الحق في خيار تسريح الموظفين.
وحتى نهاية 2019، بلغت نسبة البطالة في السوق الفلسطينية قرابة 25.5 في المئة بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهي نسبة مرشحة للارتفاع خلال الشهرين المقبلين في حال بقاء حالة الطوارئ قائمة.
لذا، ستكون الحكومة الفلسطينية أمام أزمة سيولة، وعجز عن دفع أجور موظفيها بنسبة 100 في المئة، وأزمة بطالة مستفحلة، وتراجع في قدرة القطاع الخاص على قيادة الاقتصاد الفلسطيني.
ومع تراجع سلسلة الإمدادات عالميا، قد تبدأ أسعار بعض السلع الرئيسة في الارتفاع لما بعد الربع الثاني 2020، وفق السيناريو الحالي، خاصة سلع الطحين والأرز والسكر، ويظهر ما يسمى بالركود التضخمي، أي ارتفاع أسعار وطلب ضعيف.
لذلك، طلبت الحكومة الفلسطينية من مؤسسات دولية ومحلية، دراسة توقعات حالة الطوارئ وتفشي فيروس كورونا على السوق المحلية، لاتخاذ قرارات لتخفيف ضرر الفيروس على الأسواق المحلية.
ومن المرتقب أن يعلن الجهاز المصرفي الفلسطيني الأسبوع المقبل، عن تدخل كبير لمساندة الحكومة عبر فتح خط تمويل للشهور القادمة، بقيمة إجمالية تتجاوز 400 مليون دولار.
(الأناضول)