تشير آخر المعلومات من داخل غرف اللقاءات التي أجراها زعيم “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قاآني في بغداد، مع قيادات وزعامات سياسية يجري تصنيفها على أنها مرتبطة أو مدعومة من إيران، إلى أن تفاهماً نضج بين عدة قوى سياسية شيعية يقضي بإقصاء عدنان الزرفي من مهمة تشكيل الحكومة، والاتفاق على مرشح آخر ليتولى المهمة، وسط استمرار غموض موقف الكتلتين الشيعيتين المتمسكتين بتكليف الزرفي، وهما “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، و”النصر” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
ويواصل إسماعيل قاآني، الذي وصل الثلاثاء على متن طائرة خاصة هبطت في مطار بغداد الدولي، برفقة عدد من ضباط وجنرالات الحرس الثوري، زيارته ومهمته الأولى إلى العراق منذ اغتيال القائد السابق لـ”فيلق القدس” قاسم سليماني مطلع العام الجاري بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي، أجرى خلالها أيضا لقاءات مع زعامات مسلحة ضمن “الحشد الشعبي”، للتوصل إلى حلول وسط بشأن الخلافات غير السهلة بين عدد من تلك الفصائل.
ووفقاً لمصادر قريبة من تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لمليشيات “الحشد الشعبي”، فإن قاآني أجرى عدة لقاءات مختلفة مع زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، وزعيم “دولة القانون” نوري المالكي، وزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، ومن ثم التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، فضلاً عن شخصيات سياسية وزعامات بمليشيات مسلحة، وكلها تمت خارج المنطقة الخضراء التي تقع فيها السفارة الأميركية ومقر غرفة التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
”
قاآني أجرى عدة لقاءات مع زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، وزعيم “دولة القانون” نوري المالكي، وزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، ومن ثم التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، فضلا عن شخصيات سياسية وزعامات بمليشيات مسلحة
”
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن الحوارات ركزت على أهمية تغليب مبدأ “الأغلبية الشيعية”، وليس التوافق أو مرشح التسوية المعمول به سابقاً في ما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء.
وفي هذا الإطار، جرى تجاوز مسألة تأييد أو عدم تأييد الزرفي لرئاسة الحكومة لوجود رفض إيراني له، لكن تم طرح أسماء عدة، أبرزها قاسم الأعرجي وعبد الحسين عبطان، كما أعيد طرح اسم رئيس جهاز المخابرات الحالي مصطفى الكاظمي مجدداً.
واعتبرت المصادر أن رئيس الوزراء المكلف الحالي سيترك له خيار الاعتذار عن المهمة أو الانتظار إلى حين انتهاء مهلته الدستورية في السادس عشر من الشهر الحالي، لكن حالياً هناك محاولة لترتيب أو إيجاد غطاء لكي يظهر أن الاتفاق أو تصفير الأزمة لم يتم بتوجيهات أو تدخل من إيران خلال زيارة قاآني، بل بقرار عراقي داخلي، لاعتبارات تتعلق بجمهور تلك القوى السياسية الذي تراجع كثيرا بعد التظاهرات الرافضة للتدخل الإيراني بالعراق، خاصة جنوبي البلاد.
في المقابل، يؤكد “تحالف الفتح”، الجهة السياسية الممثلة لـ”الحشد الشعبي”، أن أمر الزرفي حسم، وأصبح خارج الترشيح، ولا يمكنه أن يصل إلى رئاسة الوزراء.
وقال النائب عن التحالف حامد عباس إن “الزرفي لن يكون رئيساً للوزراء، في ظل الرفض الكبير له داخل البرلمان ومن معظم الكتل السياسية”، مبيناً، في تصريح صحافي، أن “القوى الكردية والسنية أعطت رسالة واضحة وأكدت عدم مضيها باتجاه منحه الثقة، ما لم تكن هناك موافقة من الكتل الشيعية عليه”.
الكرد من جانبهم أكدوا حرصهم على دعم مرشح لا يحدث شرخا في “البيت الشيعي”، مؤكدة صعوبة موقف الزرفي.
وقال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، عرفات كرم، لـ”العربي الجديد”، إن “موقفنا واضح من تشكيل الحكومة الجديدة، فنحن لن ندعم شخصا يحدث شرخا في البيت الشيعي. نريد أن تتفق أغلب الكتل الشيعية على مرشحهم، وليس لدينا مشكلة مع أحد، لكن يهمنا اتفاق الكتل على مرشحها”، مبيناً أن “الترشيح بهذه الصورة من جهة (كترشيح الزرفي) يحدث شرخاً بين الكتل الشيعية، وهذا ما لا نقبل به، فنحن نريد اتفاقا على المرشح”.
وأشار كرم، وهو مسؤول ملف التفاوض للقوى الكردية مع القوى السياسية في بغداد، إلى أن “موقف الكرد لا يتوقف على شخص معين، فنحن إذا ما اتفقت الكتل المعنية بترشيح شخصية رئيس الوزراء على أي مرشح فنحن سندعمه، وبكل تأكيد سيكون دعمنا مع الأخذ باستحقاقات شعب كردستان، ونحن سبق وأن رفضنا المكلف السابق محمد علاوي الذي لم يتعامل مع كردستان بموجب الدستور”.
وأكد “صعوبة موقف الزرفي، وأنه حتى إذا ما شكل الحكومة فلا يمكنه تمريرها في البرلمان في ظل الخلاف وعدم وجود اتفاق على تمريرها”.
ويرى مراقبون أن قاآني بدأ بأخذ دور سليماني في العراق وسد فراغه، وأن الزيارة هي للحفاظ على مصالح إيران.
وقال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن “الزيارة أكدت فشل زيارة الأمين العام للأمن القومي الإيراني علي شمخاني التي أجريت أخيراً للبلاد، والتي كانت محاولة للملمة البيت السياسي الشيعي، ما دفع باتجاه زيارة قاآني”.
وذكر الشمري، لـ”العربي الجديد”، أن “زيارة قاآني تصب في توحيد الاتجاه نحو خيارين، إما باتجاه رئيس وزراء جديد، أو الإبقاء على المستقيل عبد المهدي، وقد تطلب الأمر تدخل شخصية بحجم قاآني، ما يشير إلى عمق الخلافات السياسية التي أدت لتدخل شخصية بهذا المستوى”.
وأضاف أن “طبيعة اللقاءات التي أجراها قاآني خلال الساعات الأخيرة تبين أن هناك توجها لتدعيم موقف حلفاء إيران في العملية السياسية، وأن الزيارة ستعكس تحولا جديدا بهذا الاتجاه، وأن قائد “فيلق القدس” سيكمل ما بدأه سليماني”، مشيرا إلى أن “إيران تعاني من أزمة وانكفاء داخلي، والآن تريد أن تحصل على الحد المتوسط لمصالحها، ما تطلب هذا التدخل الكبير”.
وأشار إلى أن “هناك محاولة ورسالة بأن إيران مازالت فاعلة باختيار رئيس الوزراء الجديد للعراق”.
سلام الجاف، أكثم سيف الدين
العربي الجديد