التشدّد الإيراني يضعف حظوظ الزرفي في تشكيل حكومة عراقية

التشدّد الإيراني يضعف حظوظ الزرفي في تشكيل حكومة عراقية

تَعسُّر تشكيل حكومة عراقية جديدة يمثّل انعكاسا لتشدّد إيران بشكل استثنائي في عملية اختيار الشخصية التي ستتولى قيادة السلطة التنفيذية في العراق، الأمر الذي يقود إلى التساؤل عمّا إذا كانت طهران بصدد محاولة كسر صيغة التوافق الضمني مع الولايات المتّحدة بشأن الملفّ العراقي والمضي في استخدام هذا الملف بشقيه السياسي والأمني في الضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سنة الانتخابات الرئاسية.

بغداد – تسلك عملية اختيار من يتولّى تشكيل حكومة عراقية بديلة عن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، المسار المعهود في العملية السياسية الجارية في العراق منذ سبعة عشر عاما، والذي تمتلك فيه إيران الكثير من أوراق الضغط لتنصيب الشخصية المناسبة لتأمين مصالحها، فيما لا تفتقر الولايات المتّحدة من جهتها لأوراق الضغط اللاّزمة لتأمين قدر من النفوذ في البلد.

وتتّجه طهران نحو النجاح في استبعاد رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي، غير الموثوق فيه من قبلها، والذي تراجعت حظوظه في الوصول إلى سدّة رئاسة الحكومة العراقية منذ الزيارة التي قام بها إسماعيل قآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الثلاثاء الماضي إلى بغداد حيث عمل على شحن جبهة الرفض للزرفي.

ويتساءل متابعون للشأن العراقي عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الضغوط الإيرانية في ملف تشكيل الحكومة العراقية، وعمّا إذا كانت طهران ستحاول، هذه المرّة، المضي إلى أبعد مدى ممكن في استثمار الوضع السياسي والأمني في العراق لبعثرة أوراق الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال السنة الانتخابية، خصوصا في ظلّ ما يواجهه من تعقيدات طارئة فرضها انتشار فايروس كورونا وتكاد تنسف إنجازاته التي كان يأمل في أن يستند إليها في سعيه للحصول على ولاية رئاسية ثانية.

ويقول مراقبون إنّه مهما تكن طبيعة الشخصية التي تقود السلطة التنفيذية في العراق ومقدار ولائها لطهران، فإنّها لا تستطيع إدارة شؤون الدولة بمعزل عن الولايات المتحدة ذات العلاقات الاقتصادية والأمنية الواسعة والمتشابكة مع العراق والتي لا يمكن للأخير تجاوزها بمجرّد قرار سياسي.

ومن هذا المنظور لا يستبعد مراقبون أن تفضي عملية اختيار رئيس جديد للحكومة العراقية بعد الصراعات والمساومات وإسقاط المرشّحين تباعا، إلى تلك الصيغة التقليدية من التوافق الأميركي الإيراني الضمني الذي كان وراء ولادة النظام السياسي القائم في العراق بعد إسقاط حكم حزب البعث والذي كان بدوره هدفا مشتركا لطهران وواشنطن على الرغم مما بينهما من خلافات عميقة.

وأقرت عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون عالية نصيّف، بأن حظوظ رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي تراجعت كثيرا، منذ وصول الوفد الإيراني برئاسة قآني إلى العراق قبل أيام.

وتعد نصيّف، من بين النواب المساندين لرئيس الوزراء المكلّف برغم أن الائتلاف الذي تنتمي إليه بزعامة نوري المالكي هو أحد الأطراف الرافضة لتكليف الزرفي.

وقالت نصيّف إن المالكي ليست لديه مشكلة شخصية مع الزرفي لكنه يعترض على آلية تكليفه التي لم تأخذ بنظر الاعتبار أن منصب رئيس الوزراء في العراق هو من حصة المكوّن الشيعي.

وبدا أن المالكي أراد أن يكون أكثر وضوحا في موقفه من الزرفي بالتزامن مع جولة الوفد الإيراني بين زعماء الكتل السياسية العراقية، حيث قال المتحدث باسم دولة القانون بهاء النوري إنّ الائتلاف “لا توجد لديه مشكلة شخصية مع الزرفي بل يعترض على عملية التكليف لما فيها من تجاوز على المكوّن الشيعي الذي يعد المكون الأكبر”، مضيفا أنه “لا يحق لرئيس الجمهورية أن يكلف من يشاء وإن كان المكلف من نفس المكون، ما لم تحصل موافقة الكتل الشيعية”.

وتابع أن “الكتل الشيعية ترفض التكليف وفق الآلية التي تمّ بها اختيار الزرفي”، مشيرا إلى أنه “من الصعب تمرير كابينته الوزارية في مجلس النواب”.

وجاء هذا الإعلان، بعد أنباء عن إجراء أحد أصهار المالكي مفاوضات ناجحة للحصول على وزارة مهمة في كابينة الزرفي ضمن إطار اتفاق أولي على دعم ائتلاف دولة القانون لجهود المكلف بتشكيل الحكومة. وتشير المصادر، إلى أن تسرب هذه الأنباء، أغضب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يُعرف على نطاق واسع بأنه قد شجع رئيس الجمهورية برهم صالح على تكليف الزرفي. وتوحي المصادر بأن حظوظ رئيس الوزراء المكلّف تتراجع في مواجهة صعود احتمالات تكليف قاسم الأعرجي أو مصطفى الكاظمي.

لكن الزرفي لا يزال في الساحة، على حد وصف مقربين منه أبلغوا “العرب” بأن “المكلف يركز على تكوين قاعدة نيابية تؤيد توجهاته، بعيدا عن موقف الزعماء الشيعة”.

ويقضي الزرفي الجزء الأكبر من وقته في اجتماعات مع نواب من المكون الشيعي، تستهدف حصوله على تعهدات فردية بدعمه، استثمار البوادر على تمرد أعضاء البرلمان العراقي على قادتهم.

وبرغم أن الزرفي ينجح في انتزاع هذه التعهدات، إلّا أن هذا النوع من المفاوضات ليس مضمونا في الأعراف السياسية العراقية، إذ يمكن للقادة تركيع “المتمردين” باستخدام مختلف أنواع الضغوط، من بينها التلويح بالتصفية الجسدية على أيدي عناصر الميليشيات أو كشف فضائح مخبّأة كقضايا الفساد المالي والأخلاقي.

ويقول مراقبون، إن تنقل القوى السياسية الشيعية في العراق بين مرشحين لمنصب رئيس الوزراء، عرف عنهم جميعا تشجيعهم لانفتاح البلاد على المحيط العربي وعلى الولايات المتحدة والغرب عموما، يكشف عن رغبة إيرانية واضحة في تهدئة أوضاع المنطقة، بشكل مؤقت على الأقل.

ويوصف الزرفي بأنه حليف وثيق للولايات المتحدة، فيما تسبب تطور العلاقات بين الأعرجي وشخصيات سعودية خلال مرحلة عمله وزيرا للداخلية في انشقاقه عن منظمة بدر بزعامة هادي العامري المقرب من إيران.

أما الكاظمي، فهو متهم من قبل الميليشيات الموالية لإيران بالمشاركة في عملية اغتيال قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في غارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري.

ويقول مراقبون إن إيران ربما تبحث عن صفقة مع الولايات المتحدة في المرحلة القادمة، من خلال رئيس وزراء في العراق يفهم لغة الطرفين. لكن اتجاها عراقيا آخر، يعتقد أن إيران تتجه نحو التصعيد ضد الولايات المتحدة في العراق، في محاولة للتأثير على حظوظ دونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الولايات المتحدة.

ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري إن إيران وحلفاءها، يخططون لتوجيه ضربة قوية للوجود الأميركي في العراق، في غضون الشهرين القادمين، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لديها تصور واضح عن هذا الأمر.

ومن وجهة نظر الشمري، فإن منظومة صواريخ باتريوت التي نصبتها الولايات المتحدة داخل الأراضي العراقية مهمتها اعتراض الصواريخ البالستية القادمة من إيران، وليس صواريخ الكاتيوشا التي تطلقها الميليشيات من داخل العراق مشيرا إلى أن “طهران تجد أن الوقت مناسب للرد على مقتل سليماني لصعوبة وضع ترامب الداخلي ولتصدير أزمتها الداخلية وإجبار أوروبا المنهكة على التخلي عن واشنطن”.

‏وختم بأن تلويح ترامب مؤخرا بالرد على إيران هو إشارة إلى استعداد الولايات المتحدة لمثل هذا السيناريو.

العرب