دخل المكون الشيعي في العراق مرحلة جديدة أخرى من الانشقاق واختلاف الرأي حول دعم حكومة رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، أو إسقاطها في المهد عبر تعطيل انعقاد جلسة مجلس النواب التي سوف تصوّت على حقائب المرشحين إلى ما بعد انتهاء المهلة الدستورية. وهذه المناورة تقترن بتقارير عن اعتزام زعماء الفصائل المعترضة، هادي العامري عن «الفتح» ونوري المالكي عن «دولة القانون» وعمار الحكيم عن «الحكمة»، تقديم توصية إلى رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر لتشكيل الحكومة، يتردد أنه مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات.
وفي المقابل فإن كتلاً شيعية نافذة مثل «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر و«النصر» التي يقودها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي تواصل التمسك بترشيح الزرفي وتعمل على تأمين تمرير حكومته المقترحة المؤلفة من 24 وزيراً، حتى إذا اقتضى الأمر عقد جلسة للبرلمان عبر دائرة تلفزيونية. كذلك أخذت تظهر بوادر عصيان لدى بعض النواب التابعين للكتل المعترضة على الزرفي، حيث أعرب هؤلاء عن إصرارهم على التصويت لمشروع الحكومة رغم أن بعضهم تلقى بالفعل تهديدات مباشرة في حال الخروج عن تعليمات قيادات الكتل الرافضة.
وهذه الحال بدأت تكتسب أبعاداً خطيرة بالنظر إلى أن إعاقة التشكيل طالت كثيراً في سياقات وطنية دقيقة وظروف أمنية حساسة، خاصة بعد تعطيل تكليف المرشح محمد توفيق علاوي واضطراره إلى الاعتذار، واستمرار عادل عبد المهدي على رأس حكومة تصريف الأعمال للشهر الخامس على التوالي. فمن جهة أولى جاء انتشار جائحة فيروس كورونا المستجدّ ليلقي هموماً كبرى إضافية على عاتق حكومة قاصرة أصلاً وعاجزة عن تلبية الحدّ الأدنى من مطالب الشارع الشعبي، المنتفض ضدّ الفساد والهدر وسوء الخدمات والمحاصصة الطائفية وغياب سلطة القانون.
ومن جهة ثانية يخضع العراق لضغوطات هائلة بسبب التناحر الروسي السعودي الحالي في ميدان إغراق الأسواق بالنفط وهبوط أسعار البرميل بمعدلات قياسية، خاصة وأن عرقلة تشكيل الحكومة يعني أيضاً شلل ميزانيات الدولة المرتبطة مباشرة بعائدات النفط واستقرار الأسعار عند مستوى واضح يتيح الحد الأدنى من التخطيط. ومن المعروف أن العراق كان قد أقام حساباته على برميل بسعر 56 دولاراً، لكنه اليوم يبيع في حدود 25 دولاراً للبرميل، الأمر الذي يعني خسائر بعشرات المليارات.
ومن جهة ثالثة يُخشى أن الأطراف الشيعية المتنازعة حالياً لن تكتفي بالخلاف السلمي حول تكليف الزرفي أو إسقاطه، وأن الأمور قد تتطور إلى مواجهات عسكرية لا تُحمد عقباها. الدليل على هذا أن ثمانية فصائل شيعية رافضة لرئيس الوزراء المكلف أقامت استعراضات عسكرية الطابع وسيّرت مركبات رفعت أعلامها وجابت شوارع بغداد. وتزامن ذلك مع ازدياد الضربات الصاروخية ضد منشآت أمريكية، رغم انسحاب القوات الأمريكية المنضوية ضمن التحالف الدولي من خمس قواعد، وإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال عن فتح «حوار استراتيجي» بين الحكومتين العراقية والأمريكية.
يبقى أخيراً أن الزرفي يحظى بموافقة المكون السني والمكون الكردي وغالبية لا بأس بها من أطراف المكون الشيعي، وبالتالي فإن الاستمرار في عرقلة تشكيل الحكومة أو الإصرار على استقدام شخصية أمنية بديلاً عن الزرفي سوف يقود العراق إلى هاوية أخرى خطيرة، على كثرة ما واجهه هذا البلد ويواجهه من معضلات ومآزق.
القدس العربي