يترنح الاقتصاد الأمريكي بقوة على وقع التفشي المتسارع لفيروس كورونا الذي دفع بملايين الأمريكيين إلى البطالة، غير أن هذه الإحصاءات المقلقة لم ترتد سلبا حتى اليوم على الدولار الذي لا يزال في وضع قوي.
وفي مطلع الشهر الماضي قد شهد مؤشر الدولار الذي يقيس قيمة الورقة الخضراء مقابل سلة عملات أخرى، ازديادا بأكثر من 6% مقارنة مع المستوى الأدنى لهذا العام. وقد حقق سعر صرف الدولار ارتفاعا مقابل اليورو بنسبة 3.5% منذ بداية العام.
الأكثر طلبا
ويعود الارتفاع في قيمة العملة الأمريكية قبل أي شيء إلى كونها الأكثر طلبا في العالم. ففي أوقات الأزمات التي يبحث خلالها المستثمرون عن ملاذات استثمارية آمنة، يبدو أن هذا الموقع يتعزز.
ويتحدث كيت جوكس، المسؤول العالمي عن إستراتيجية سوق العملات في مصرف «سوسيته جنرال» الفرنسي، عما يسميه «امتيازا مفرطا للدولار».
ويلفت إلى وجود «أناس كثر يريدون باستمرار الحصول على الكثير من الدولارات. وطالما أن الوضع كذلك سيكون ممكنا الاستمرار في إصدار الأوراق النقدية من دون إضعاف العملة».
ولهذا لم تؤد التدخلات المتكررة للاحتياطي الفدرالي الأمريكي (البنك المركزي) في الأسابيع الماضية، للتأكد من وجود سيولة كافية في السوق، إلى ارتفاع فعلي في قيمة الدولار.
ويقول جو مانيمبو من مجموعة «ويسترن يونيون» لتحويل الأموال «التدابير التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي لتسهيل توفر الدولار والنفاذ إليه في العالم أدت في أحسن الأحوال إلى إبطاء وتيرة ارتفاع قيمة العملة»، لكن «الطلب على الملاذات المالية في الجو السائد راهنا أقوى من خطوات الاحتياطي الفدرالي».
والسبب الآخر في جاذبية العملة الأمريكية يكمن في الحاجة الملحّة لدى الشركات إلى الأموال النقدية في ظل تراجع إيراداتهم في جو الأزمة الحالي.
ويبقى الدولار في موقع قوي أيضا لكونه أكثر العملات تداولا في العمليات اليومية في سوق القطع النقدية في العالم.
ولذلك أعلن الاحتياطي الفدرالي منتصف الشهر الفائت تسهيل مبادلات العملات مع مصارف مركزية أخرى عدة، لتمكينها من زيادة احتياطها من الورقة الخضراء.
ويشير جوكس إلى أن هذا الطلب على الدولار يسجل خصوصا في البلدان النامية التي تستحوذ الديون بالدولار على القسم الأكبر من مديونيتها. ويقول «لن تتمكن كل هذه الدول من الخروج بسهولة» من هذا الوضع.
ويعزو دانيال كاتزيف من مصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي ارتفاع سعر الدولار في مقابل اليورو إلى «عدم وجود رد ضريبي منسق في منطقة اليورو» ما انعكس سلبا على العملة الأوروبية الموحدة.
ويشير إلى أن العملة الأمريكية أستفادت أيضا من التراجع الكبير منذ مطلع العام في اسعار النفط المحددة بالدولار، ما عزز موقعها مقابل عملات أخرى مرتبطة بشدة بالذهب الأسود مثل الروبل الروسي والكرونة النروجية والدولار الكندي.
وقبل وباء كورونا، كان سعر صرف الدولار مرتفعا إذ استفادت العملة الأمريكية من الأداء الممتاز لأكبر اقتصاد عالمي الذي كانت تقديرات المحللين الاقتصاديين كلها إيجابية في شأنه.
ولم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتاحا لهذا الوضع، إذ أنه يعتبر أن الارتفاع الكبير في قيمة الدولار قد يزيد سعر الصادرات الأمريكية بدرجة كبيرة ما يحد من قوتها التنافسية في أوج الحرب التجارية مع الصين. ومع ذلك يرى بعض المراقبين أن التبدلات المتأتية من تفشي الفيروس قد تعيد خلط الأوراق، رغم أن هذا الأمر لم يُترجم بعد على الأرض.
هل تنتهي هيمنة الورقة الخضراء؟
وتقول كاثي ليين، من شركة «بي كاي أسيت مانجمنت» لإدارة الأصول، أن «مسألة استمرار هيمنة الورقة الخضراء ستُطرح في الأسابيع المقبلة».
وتضيف «المستثمرون اشتروا الدولار مع الرهان على أن باقي أنحاء العالم ستسجل انكماشا اقتصاديا لفترة أطول من الولايات المتحدة، إذ إن تعافي الاقتصاد العالمي مستحيل من دون حصول ذلك في الولايات المتحدة».
وتتابع قائلة «بينما أن هذا الأمر حقيقي جزئيا، فإن البيانات المسجلة في بلدان عدة تشهد تدهورا منذ أسابيع عدة. في الولايات المتحدة، بدأنا للتو نرى أثر كورونا في الإحصاءات الاقتصادية الوطنية، وفي بعض الحالات لا تزال هذه الأرقام بحاجة إلى تحديث».
فالبيانات الصادرة يوم الجمعة الماضي أظهرت ازديادا قويا في معدل البطالة الشهر الماضي إلى 4.4% مقابل 3.5% في الشهر السابق له، وهي لا تأخذ في الاعتبار سوى الجزء الأول من الشهر قبل البدء بتدابير الحجر المنزلي وإغلاق المتاجر وموجات الصرف في أنحاء البلاد كافة.
ومن شأن استمرار الانكماش الاقتصادي لفترة طويلة في الولايات المتحدة أن يضعف قيمة الدولار على المدى الطويل.
القدس العربي