تنظيم “الدولة” يستفيد من فيروس كورونا ويعيد ترتيب أوراقه في العراق

تنظيم “الدولة” يستفيد من فيروس كورونا ويعيد ترتيب أوراقه في العراق

كيف يتغذى تنظيم “الدولة” على فيروس كورونا؟ يقول مايكل نايتس الزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بمقال نشرته مجلة “بوليتكو” إن “العالم مغلق ويحصي القتلى، والخسائر الاقتصادية تتزايد، ولكن في المناطق البعيدة من العراق يستمتع تنظيم الدولة بحياة جديدة”.

وحتى قبل وصول كوفيد- 19 إلى المنطقة، أجبرت الهجمات التي شنتها الجماعات الموالية لإيران قوات التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة” على اتخاذ وضع الدفاع عن النفس. ولم يعد يرسل التحالف سوى قوات قليلة من المستشارين لمساعدة القوات العراقية في حملاتها للبحث عن الخلايا الخفية لتنظيم “الدولة”.

وأربكت الهجمات الصاروخية في 11 آذار/ مارس التي أدت لمقتل جنديين أمريكيين وبريطاني، الدعم الأمريكي للعراقيين في الحرب ضد الجهاديين. ثم جاء فيروس كورونا المستجد.

وفي 19 آذار/ مارس، علّق التحالف الدولي والناتو مهام التدريب والعمليات لمدة شهرين بسبب الفيروس. وفي 29 آذار/ مارس سحبت فرنسا وأستراليا وإسبانيا وبريطانيا والبرتغال ونيوزلندا وهولندا معظم مدربيها من العراق. وبالتوازي مع هذا نقلت الولايات المتحدة قواتها من القواعد العسكرية الأمامية في الموصل والقائم والقيارة وكركوك والتقدم في الأسبوع الأخير من ِشهر آذار/ مارس.

وتم توزيع معظم القوات الأمريكية على القواعد القليلة الباقية والمحمية في العراق مثل عين الأسد ومطار أربيل، واللتان زودتهما الولايات المتحدة الآن بنظام صاروخي متقدم لمنع تكرار وصول الصواريخ الإيرانية التي أطلقت في 11 كانون الثاني/ يناير بعد اغتيال واشنطن قائد فيلق القدس، قاسم سليماني في بغداد.

في الوقت نفسه انشغلت القوات العراقية بعمليات الإغاثة لمواجهة كارثة كورونا وتعزيز منع التجوال وحماية أنفسهم وعائلاتهم من الإصابة بالفيروس. وحسب الإحصائيات الرسمية أصاب الفيروس 1.100 شخص وقتل 65 عراقيا. وفي غياب الفحص، فالعدد قد يكون أكبر. وتم تخفيض عمليات البحث والتنظيف في مناطق الريف والتي عادة ما تقوم بها قوات العمليات الخاصة، وهذا يتعلق بالإرباك في التشارك في المعلومات الأمنية والتخطيط والدعم الجوي الذي يقدمه التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وبالنسبة لتنظيم “الدولة” فكل هذا يعتبر منحة سماوية. وبناء على هذا الرأي، فالوباء هو تدخل رباني، في الوقت الذي وصل فيه التنظيم لأدنى درجات ضعفه.

وقال خبير الإرهاب أيمن جواد التميمي، إن الجهاديين وصفوا كوفيد- 19 في صحيفتهم “النبأ” بـ”عذاب من الله” أرسله إلى “الدول الصليبية” وحث أتباعه على الاستفادة من الارتباك الذي أحدثه وانشغال القوى المعادية لهم بسبب الفيروس.

وبطرق عدة، فتنظيم “الدولة” لديه القدرة الجيدة على التكيف للعمليات خلال الوباء، فخلاياه معزولة، ويمارس التباعد الاجتماعي منذ وقت طويل، وقبل أن يصبح سياسة تتبعها الدول.

وأصدرت القيادة مبكرا بيانا للكادر في التنظيم وطلبت منهم الابتعاد وتجنب التعرض للفيروس، ودعاهم لغسل أيديهم وعدم السعال والعطس بشكل مفتوح وتغطيتهما، وذكّر بالنصوص الإسلامية التي دعت المسلمين لتجنب الأمراض المعدية مثل الجذام.

ويعيش أتباع التنظيم بعيدا عن العالم في مخابئ بعيدة وملاجئ تحت الأرض، ويأكلون من الطعام الذين خزّنوه والماء المتوفر حولهم. ويقومون بتوفير الطاقة للأجهزة الإلكترونية من خلال الطاقة الشمسية.

وبكل ما تحمله العبارة فهم الناجون الحقيقيون من القيامة. ولا توجد على الأرض سوى عدد قليل من الإشارات عن تعافي التنظيم، وإن على المستوى التكتيكي. وربما كان هذا بسبب توقف عمليات مكافحة الإرهاب ضدهم. فالعمليات الأربع التي قام بها الجيش العراقي “للتنظيف” في شهر آذار/ مارس نقصت في شهر نيسان/ أبريل، ولم تتوفر لها المعلومات الأمنية من التحالف والدعم الجوي التي تعطي العمليات فعالية.

وفشلت في اعتقال أو قتل أي من أعضاء التنظيم، وركّزت على البحث عن مخازن السلاح. وفي الوقت الذي شنت فيه القوات الأمريكية والعراقية عملية واسعة في شباط/ فبراير، واستخدمت المروحيات وطائرات “أوسبري” للهجوم على المغاور وضرب العربات التي يقودها مقاتلو تنظيم “الدولة”، فلم يحدث شيء من هذا القبيل في آذار/ مارس.

ولأن التنظيم لم يعد ملاحقا، فقد أظهر طموحا على المستوى المحلي. ففي محافظة خانقين القريبة من الحدود العراقية- الإيرانية، ضاعف الجهاديون من المقذوفات الصاروخية وقنابل الهاون المرفقة بالهجمات المسلحة وعمليات برية ضد قوات الأمن العراقي.

فعلى مدى خمسة أيام من 17 آذار/ مارس، أطلق المسلحون 15 قذيفة هاون على المناطق السكنية المكتظة في طوز خرماتو وأمرلي، وهي هجمات لم تشهدها المنطقة منذ عامين. ومن الصعب التكهن بالخطوة المقبلة لتنظيم “الدولة”، فربما زاد من الاغتيالات ضد زعماء القرى أو المخاتير واستخدم التخويف لزيادة ماليته.

كما أن التوقف في عمليات قوات الأمن قد يعطي عناصر التنظيم الفرصة لزيادة زرع القنابل على الطرق بشكل يحصر قوات الأمن في ثكناتها. ولو تم ترك التنظيم بدون مواجهة فستزداد سيطرته النفسية على نقاط المراقبة المحلية والسكان المحليين.

وقبل أن يصحو الناس، سيكتشفون أن التنظيم تحوّل لعراب القوة في المناطق التي ينشط بها، ولن يستطيع أحد الزعم أن سيطرته على المناطق أصبحت تاريخا. وبهذه الطريقة يقوم التنظيم بإعادة بناء نفسه قرية بعد قرية، وهذا ما حدث في الفترة ما بين 2010-2014.

ويرى الكاتب أن الطريقة الوحيدة لوقف عودة التنظيم التي لا تزال في بدايتها لا تكون إلا من خلال تنشيط عمليات المداهمة. وهذه تحتاج لشراكة بين الأمريكيين والعراقيين من جهة، والقادة العراقيين والسنة من جهة أخرى.

وعلى خلاف عام 2011، يجب ألا تغادر القوات الأمريكية العراق، بل وعليها عدم الظهور. ولن تعود القوات غير العسكرية الأمريكية إلى العراق بأعداد كبيرة، خاصة أنها اتخذت من الفيروس ذريعة للخروج، مع أن القوات العراقية غير مستعدة للحد من نشاطات تنظيم “الدولة”.

وربما انخفضت أعداد القوات الأمريكية في العراق الذي وعدت به الميليشيات المدعومة من إيران مقاومة طويلة الأمد ضد المستشارين الأمريكيين. وهذا لا يعني نهاية عمليات مكافحة الإرهاب. ففي مناطق متنوعة مثل اليمن ومالي والصومال والنيجر وسوريا طورت قوات العمليات الخاصة الأمريكية شراكة مع القوات الخاصة في هذه البلدان والجماعات المسلحة فيها لمحاربة خلايا الإرهابيين بطريقة فعالة أكثر من العمليات الواسعة التي تقوم على التدريب والتجهيز كما في العراق.

وسيمضي على مهمة التحالف في العراق 6 أعوام بحلول أيلول/ سبتمبر، لكن لا يمكن وقف الجهود لمحاربة تنظيم “الدولة” بسبب فيروس كورونا أو الميليشيات الشيعية أو العاملين معا. وربما كان الجواب هو نقل الحرب تحت الأرض وخوضها في الظل.