بعد أشهر من إنكار إيران تفشي فيروس كورونا على أراضيها، كانت أول مبادرة رئيسية قامت بها لاحتواء الفيروس هي إنشاء “مقر وطني” لمكافحة هذا الوباء تحت توجيه الرئيس حسن روحاني، إلى جانب مجلس لدعم قرارات هذا الكيان الجديد. ومع ذلك، فإن عدم كفاءة الحكومة، والفجوة بين الرئيس ومنافسيه، والانتشار السريع لـ “كوفيد-19” في جميع أنحاء البلاد سرعان ما أقنعت المرشد الأعلى علي خامنئي بإشراك القوات المسلحة في المبادرة.
وبدلاً من وضع القوات تحت سيطرة روحاني، أمر خامنئي بإقامة “مقر الإمام الرضا الصحي والعلاجي” في 12 آذار/مارس برئاسة رئيس “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” اللواء محمد باقري. وقد طُلب من اللواء التعامل مع الوضع على أساس أنه مناورة دفاعية [ضد هجوم] بيولوجي، بما يتماشى مع ادعاء خامنئي الخيالي بأن الوباء جزء من حملة حرب بيولوجية أمريكية ضد النظام.
ومن خلال وضع “مقر” العلاج الجديد تحت سلطة “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” – أعلى هيئة عسكرية في إيران – كلّف خامنئي بشكل أساسي جميع القوات المسلحة في البلاد بمكافحة الفيروس. على سبيل المثال، أُمرت وزارة الدفاع و “إسناد القوات المسلحة”، التي تشرف على جميع قضايا التخطيط والتمويل المتعلقة بالجيش، بإنتاج أجهزة تهوية اصطناعية، ومعدات وقائية، وإمدادات طبية أخرى. وقد طُلب من الجيش النظامي (“أرتش”)، المسؤول عادةً عن حماية السلامة الإقليمية للبلاد، تطهير الأماكن العامة وإقامة مستشفيات ميدانية مؤقتة وتحضير أسِرّة للشفاء. وبالمثل، استَخدمت “قوة إنفاذ القانون” (“ناجا”) بعض معداتها المخصصة للسيطرة على الحشود لتطهير الشوارع – وإن كان ذلك أثناء عرض لافتات تشير إلى أنها أكثر تركيزاً على الدعاية من الصحة العامة.
ومع ذلك، فقد حدثت أكثر الخطوات الجديرة بالملاحظة داخل «الحرس الثوري» الإيراني وفروع ميليشيا “الباسيج” التابعة له. فإلى جانب إرسال القوات لفحص المرضى، والسيطرة على حركة الأشخاص، وتطهير الأماكن العامة، وتصنيع معدات الحماية، قام «الحرس الثوري» بتفعيل مقرٍّ مركزي دائم للدفاع البيولوجي يسمى “الشفاء”. وفي الواقع، إن هذا المقر ليس قيادة جديدة. فقد تأسس عام 2012 من قبل “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي” التابعة لـ “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة”، والتي أُنشئت في البداية عام 2003 لتعزيز قدرة إيران على الصمود في المعارك من خلال تعزيز البنى التحتية. ويخضع كلٌّ من “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي” ومقر “الشفاء” لسلطة “المقر المركزي لخاتم الأنبياء”، الذي هو رسمياً على نفس مستوى “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” والمسؤول عن إدارة القوات المسلحة الإيرانية خلال زمن الحرب.
وحين وضع «الحرس الثوري» مقر “الشفاء” تحت قيادته، أنشأ مقرّات فردية للدفاع البيولوجي في جميع المحافظات الإيرانية. وقبل عقد من الزمن، أصبح «الحرس الثوري» لامركزياً بصورة تدريجية حيث تم تقسيمه إلى 32 وحدة حرس موزعة بين المحافظات [“وحدات حرس المحافظات”] (واحدة لكل محافظة باستثناء طهران، التي لديها وحدتان). وكان يُقصد من هذه الخطوة جزئياً، ضمان تنسيق أفضل بين قوات “الباسيج” و«الحرس الثوري» العاملة في كل محافظة، وإعداد «الحرس الثوري» بشكل أفضل ضد أي تهديدات للنظام. واليوم تشكل “وحدات حرس المحافظات” منظومةً إدارية عسكرية موازية بشكل مباشر لنظام الدولة الإداري، ومتجسدة في حكومات المحافظات (أوستنداري) التي تخضع لسلطة وزارة الداخلية، والرئيس الإيراني في النهاية. وتتولى كل قيادة لـ “وحدات حرس المحافظات” الإشراف على العديد من الهيئات المحلية: “ناحية لـ «الحرس الثوري»- «الباسيج»” في كل مقاطعة (فرمنداري)، ودائرة واحدة على الأقل لـ “الباسيج” في كل بلدة (بخش)، ووحدة إقليمية أصغر مكوّنة من عدد قليل من البلدات (شهر) أو مناطق ريفية (دهستان) وقاعدة لـ “الباسيج” في كل حي.
ووفقاً للنظام الداخلي لـ “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي”، يترأس المحافظ (أوستندار) جميع مقرات الدفاع السلبي في المحافظة، بما فيها مقر “الشفاء”. ومع ذلك، فإن نقل “الشفاء” إلى سلطة «الحرس الثوري» قد وضع فعلياً القادة المحليين لـ “وحدات حرس المحافظات” في موقع المسؤولية بدلاً من الترتيب السابق.
ومع استدعاء «الحرس الثوري» لبعض قواته الخاصة ومختلف وحدات “الباسيج” – خاصة الطلاب وأعضاء النقابة والممارسين الطبيين – تمكّن من حشد نحو 600,000 عنصر للمساعدة في احتواء الفيروس في كافة أنحاء البلاد. كما شكّل ثماني لجان في كلٍّ مقر من مقرات المحافظات، وأُنيطَت بها المهام التالية:
لجان الأمن والمخابرات: تفتيش المستودعات بحثاً عن لوازم طبية مكدّسة، واعتقال الأشخاص الذين ينتقدون رد النظام على تفشي المرض، وما شابه ذلك من مهمات.
لجان التطهير: تطهير الأماكن العامة.
لجان التعليم: إنتاج مواد تربوية حول الوباء وطرق احتوائه.
لجان الفحص: إجراء فحوصات الفيروسات في جميع المنازل
اللجان اللوجيستية: تصنيع المعدات الأساسية مثل الأقنعة والمعقّمات اليدوية.
اللجان التنفيذية: مساعدة النظام على ضبط حركة المدنيين وفرض الحجر الصحي.
اللجان الثقافية: تأدية مهام مختلفة كتوزيع نسخ من “الصحيفة السجادية” التي تتكوّن من مجموعة أدعية أوصى خامنئي الناس بتلاوتها خلال الأزمة.
لجان إدارة الرأي العام: إنتاج المحتوى (على سبيل المثال، المجلات ومقاطع الفيديو القصيرة) الذي يروّج لجهود «الحرس الثوري»-“الباسيج” لمكافحة الفيروس.
وعلى الرغم من كل هذه الأعمال، ما زال الكثير من الإيرانيين ينتقدون النظام، بما في ذلك «الحرس الثوري». وتشير تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، والمقابلات التي أجريت مع كاتب هذا المقال، إلى جانب أمور أخرى تمت ملاحظتها، إلى أن الحملات المذكورة أعلاه تُعتبر على نطاق واسع مجرد أدوات دعائية لا تؤتِ إلا بنتائج قليلة على أرض الواقع.
وفي الوقت نفسه، فإن إنشاء مقرات الدفاع البيولوجي والانتشار الواسع لـ “وحدات حرس المحافظات” التابعة لـ «الحرس الثوري» يُعدان إشارتان مقلقتان أخريان إلى عدم أهمية حكومة روحاني وازدياد وتيرة تسييس القضايا الأمنية في الجمهورية الإسلامية [وتبرير اللجوء إلى تدابير استثنائية لمعالجتها]. إنّ النفوذ والتغلغل الاجتماعي اللذين يستطيع «الحرس الثوري» تحقيقهما من خلال هذه القيادات المحلية في المحافظات سيعززان ثقله في الصراع النهائي لتحديد خلَف خامنئي. وأكثر الاحتمالات ترجيحاً في الوقت الراهن هو أن يصبح المرشد الأعلى المقبل دميةً يحرّكها «الحرس الثوري». وفي الواقع، قد تستغني القيادة العسكرية حتى عن المنصب بالكامل. لذلك، يجب على صناع القرار السياسي مراقبة عن كثب المزيد من التوسع بين “وحدات الحرس الموزعة بين المحافظات”، مع التركيز على الدور البارز الذي قد يؤديه «الحرس الثوري» في إيران بعد رحيل خامنئي.
سعيد جولكار
معهد واشنطن