المعدن الأصفر، أحد الملاذات الآمنة المهمة في الأسواق المالية، يلجأ إليه المستثمرون كلما زادت حالة عدم اليقين، وارتفعت مخاطر الركود الاقتصادي. ومع دخول وباء كورونا “كوفيد 19” شهره الرابع وتجاوز عدد الإصابات حول العالم حاجز المليون ونصف المليون، تتسارع خطى الحكومات والبنوك المركزية للتصدي لمؤشرات الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق. في وقت لا تعكس أسعار الذهب حتى الآن هذه المخاوف، إذ بلغ سعر أونصة الذهب 1657.10 دولار، وفقدت خلال شهر حوالي 22 دولاراً، بما يعادل 1.34 في المائة، بينما المكاسب السنوية للذهب هي 360 دولاراً للأونصة، بما يعادل 27.7 في المائة. وهي حصيلة الارتفاع خلال 12 شهراً حتى أبريل (نيسان) 2020.
وعلى الرغم من التراجعات الحادة لمؤشرات الأسهم، لم يستطع الذهب تسجيل مكاسب قوية. مثلاً مؤشر الـ”إس أند بي أند بي 500″ تراجع بـ34 في المائة من أعلى مستوى سعري تم تسجيله في 19 فبراير (شباط) 2020 قبل الارتفاعات الأخيرة للمؤشر، وتوقعت الأسواق أن ترتفع أسعار الذهب لسببين، الأول هو العلاقة العكسية بين حركة الذهب وحركة الأسهم، والثاني هو ارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة عند الأزمات، وهو ما لم يحدث. ولا تزال أسعار الذهب تتحرك في نطاقات محدودة.
تزامناً مع التراجعات الحادة التي صاحبت أداء الأسهم العالمية خلال الأسابيع الماضية، التي دفعت المتداولين، الأفراد والمؤسسات، إلى التسييل الفوري لمراكزهم في الذهب لتغطية أوامر الهامش في أسواق المال للمؤسسات، وتغطية الطلب على الكاش بالنسبة للأفراد، هذا التسييل ضغط أسعار مارس (آذار) 2020 مؤقتاً، إضافة إلى أن ضعف أحجام التداول في أكبر أسواق الذهب في العالم لندن ونيويورك تسببت في عدم استفادة الذهب من ارتفاع مخاطر الركود الناجم عن انتشار فيروس كورونا.
سعر العقود الآجلة للذهب أعلى من السعر الفوري
أظهرت بيانات بورصة نيويورك للعقود المستقبلية ارتفاع مخزونات الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 15.9 مليون أوقية؛ تعادل 495 طناً، ويتم تداول 27 مليون أوقية في اليوم بنيويورك عبر العقود المستقبلية للذهب، تستخدم هذه العقود في تنويع الأصول في المحافظ الاستثمارية عبر الانكشاف على أسعار الذهب، والاستفادة من الحركة السعرية دون التقيد بضرورة تسلم الذهب عيناً، لذلك هذا النوع من العقود يطلق عليه الذهب الورقي.
ومع انتشار كورونا والتباعد الاجتماعي ارتفعت علاوة العقود المستقبلية للذهب في بورصة نيويورك أعلى من الأسعار الفورية للذهب في بورصة لندن، وخلقت حالة في الأسواق تسمي الـContango، وعندها تكون أسعار العقود الآجلة أعلى من أسعار التسليم الفوري. واحتسبت الأسواق صعوبة شحن سبائك الذهب من لندن إلى نيويورك مع توقف حركة الطيران، وأيضاً يطلق عليها Forwarding، وهي حالة فنية يعكسها الرسم البياني لمنحنى السعر الفوري والآجل، وعندها تتداول العقود المستقبلية للذهب بعلاوة سعرية فوق السعر الفوري للذهب. وتحدث هذه الحالة بسبب تغيرات أساسية؛ ربما تكون بسبب تكلفة التخزين أو التأمين، وتعتبر من الحالات الطبيعية التي تلازم حركة أسواق العقود الآجلة للسلع.
تتغير هذه الحالة إلى ما يطلق عليه الـbackwarding، وعندها السعر الفوري يكون أعلى من السعر الآجل، وتكون العلاوة على السعر الفوري. حدث هذا الأمر في منتصف مارس 2020، وكان السعر الفوري أعلى من السعر الآجل، وهي المرة الأولى التي تحدث خلال خمس سنوات حدثت سابقاً في 2015، وعادة ما تشير إلى الطلب المرتفع وتفضّل الاحتفاظ بالذهب عيناً وفورياً. في الوقت الحالي الفرق بين السعرين في حدود الـ50 دولاراً لصالح السعر الآجل للذهب.
المتابع لسوق الذهب منذ منتصف مارس 2020 يلحظ بعض التغيرات؛ أولاً توقفت عمليات شحن سبائك الذهب من لندن إلى نيويورك، ثانياً أعلنت بورصة CME عن طرح عقد جديد يعادل 400 أوقية في نهاية مارس، بينما تخلو أغلب مخازن البورصة من هذه السبيكة.
في ظل غياب المعلومات وارتفاع مخاوف قدرة البورصة على التسليم زاد رهان المتداولين والانكشاف على العقود الآجلة وتفضيلها على التداول الفوري، وبالنسبة لأحجام التداول، فقد تراجع حجمه في بورصة لندن بانخفاض التداول البيني بين صناع السوق من البنوك الكبرى التي تصنع السوق الفورية لعقود الذهب، حسب الرسم البياني المرفق من موقع LBMA، الذي يوضح تراجع حجم تداول عقود الذهب خلال الفترة بين (25 مارس – 5 أبريل). إضافة إلى ذلك أظهرت بيانات CME تراجع حجم تداول العقود الآجلة للذهب في نيويورك بـ72 في المائة إلى 80.6 مليون أوقية. وعليه لدينا مخاوف من انعدام السيولة في لندن مع تراجع أحجام التداول في كل من لندن ونيويورك.
هذه الأسباب ربما تشير إلى ضعف الطلب الاستثماري على الذهب خلال هذه الفترة وهذا سيكون له تأثير سلبي في أسعاره بالوقت الحالي، وهو ما يفسر أيضاً التداول العرضي لأسعار المعدن الأصفر.
عبدالعظيم الأموي
اندبندت عربي