في تسارع مع الزمن تواصل إدارة ترامب خطواتها لتهويد مدينة القدس التي اعترفت بها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الصهيوني، عبر نقل السفارة الأمريكية إليها، وصولاً إلى خطة جديدة لتهجير المقدسيين، من خلال إسقاط صفة المواطنة عن سكانها الفلسطينيين.
وقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً في الحادي عشر من آذر /مارس الماضي، أسقط خلاله صفة الفلسطيني عن سكان الجزء الشرقي المحتل من القدس عام 67، واعتبر أن الفلسطينيين الذين يقيمون في تلك المنطقة هم «سكان غير إسرائيليين يعيشون في القدس»، أي مقيمون عرب ليس إلا.
صفقة القرن
تندرج خطوة إدارة ترامب الجديدة في إطار ترسيخ الخطة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـصفقة القرن، التي أشارت في احد بنودها المتعلقة بالقدس بمنح المقدسيين حرية الاختيار لأي جنسية يريدونها دون أن تعرف بهم كمواطنين أصليين وأصحاب الحق الشرعي في مدينتهم التاريخية القدس.
وبذلك ضربت إدارة ترامب بعرض الحائط كافة القرارات الدولية حول قضية القدس التي أكدت جميعها أن «القدس الشرقية» جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وخاصة القرار رقم 2334 الذي يعتبر الجزء الشرقي من القدس منطقة محتلة وكافة الإجراءات الإسرائيلية لتغيير الجغرافية والديموغرافية لاغية، وكذلك قرار ضمها لدولة الاحتلال في الثلاثين من تموز /يوليو من عام 1980.
تعتبر خطة ترامب الجديدة خطوة أمريكية تستهدف تزييف تاريخ مدينة القدس وإعطاءها الطابع اليهودي، والتمهيد بعد ذلك لخطوات لاحقة تؤسس لتهجير سكانها العرب على أنهم مقيمون فيها وليسوا من سكانها الأصليين، والأخطر من ذلك أن تقوم إدارة ترامب بتدويل واعتماد المصطلحات التي أتى عليها تقرير الخارجية الأمريكية حول القدس، بغرض إلغاء الطابع العربي في القدس وتزييفه بطابع عنصري تهويدي في نهاية المطاف تساوقاً مع رؤى دولة الاحتلال.
ومن الأهمية بمكان الإشارة أن تقرير الخارجية الأمريكية الخطير حول القدس، سيعرض (340) ألف مقدسي للطرد إلى خارج مدينتهم خلال السنوات اللاحقة.
ولهذا ستصدر دولة الاحتلال قرارات متلاحقة وإحياء أخرى لجهة فرض الأمر الواقع الصهيوني التهويدي على المدينة، وسيترافق ذلك بمزيد من الاقتحامات من قبل مجموعات استيطانية لباحات المسجد الأقصى، وكذلك الإخطارات بغية هدم عشرات المنازل العربية في أحياء القدس، للإطباق على المدينة وتهويد مناحي الحياة كافة، وصولاً إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح اليهود في المدينة.
وقد شرعت دولة الاحتلال منذ عدة سنوات في تطبيق قانون أملاك الغائبين ليشمل الممتلكات المحجوزة في القدس الشرقية المحتلة، وتمً إصدار قرار لتهويد قطاع التعليم، وإسقاط الجنسية عن المقدسي الذي غادر القدس للدراسة أو العمل في الخارج لعدة سنوات.
ويذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية قد أصدرت تقريراً في عام 2019، أسقطت منه مصطلح «الأراضي المحتلة» عن هضبة الجولان السوري المحتلة. وتبعاً لتقاريرها الأخيرة باتت إدارة ترامب تعتبر كلا من هضبة الجولان السوري والضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر، مناطق تقع تحت السيطرة الإسرائيلية بحكم الأمر الواقع، لتكشف بشكل جلي انحيازها المطلق لدعم دولة الاحتلال وعنصريتها المتفاقمة والمتوحشة.
الإجراءات الإسرائيلية
يؤكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول القدس أنه حلقة في إطار سلسلة حلقات ممنهجة من قبل إدارة ترامب لتغييب وشطب الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني التي أقرتها القرارات الدولية وإنكاراً لحقه في مدينة القدس.
ويمكن الجزم أن المحاولات الأمريكية ستستمر لترسيخ صفقة ترامب على الأرض بعد أن رفضها الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وقواه الوطنية.
وفي مواجهة الخطط الأمريكية والصهيونية التي تواجه المقدسيين، قد يكون من الأولوية بمكان ضرورة إحياء صندوق دعم القدس وأهلها في مواجهة السياسات الصهيونية الرامية لطرد المقدسيين إلى خارج المدينة، بغية تهويدها في نهاية المطاف.
كما تحتم الضرورة فضح السياسات والمطبقة في مدينة القدس، من خلال نشر ملفات وثائقية في وسائل الإعلام العربية وغير العربية، بحيث تظهر من خلالها بشكل دوري الإجراءات الإسرائيلية المدعومة من إدارة ترامب إجراءات دولة الاحتلال الهادفة بمجملها إلى طرد المقدسيين. ناهيك عن ضرورة العمل العربي والإسلامي المشترك في الحقل الدبلوماسي والسياسي، ومطالبة الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها تطبيق القرارات الدولية الخاصة بقضية القدس، وفي المقدمة منها تلك التي أكدت على أن المستوطنات والتغيرات الديموغرافية القسرية باطلة وغير شرعية، والعمل على عودة المقدسيين الذين نزحوا عن المدينة خلال الفترة الماضية من سنوات الاحتلال (1967-2020، والذين يقدر عددهم بنحو مائة ألف مقدسي.
والأهم من ذلك كله ضرورة مطالبة فلسطين الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة، وجميع الدول الأعضاء برفض المواقف الأمريكية الداعمة لدولة الاحتلال، ومن ضمنها قرار وزارة الخارجية الأمريكي الصادر في 11/3/2020، الذي أسقط صفة الفلسطيني عن سكان الجزء الشرقي المحتل من القدس عام 67، واعتبر أن الفلسطينيين الذين يقيمون في تلك المنطقة هم «سكان غير إسرائيليين يعيشون في القدس»، أي مقيمون عرب، رغم أنهم وأجدادهم أصحابها الأصليون.
نبيل السهلي
العربي القدس العربي