توقف بنك الشعب (المركزي) الصيني عن فتح مراكز جديدة لعقود النفط الآجلة منذ أمس الأربعاء حتى إشعار آخر، في ضوء استمرار انخفاض أسعار النفط. وأدى ذلك إلى ذعر بين المستثمرين والشركات، الذين يستفيدون من تلك المراكز في تجارة عقود النفط الآجلة واستيراد الخام للسوق المحلية في ثاني أضخم اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للنفط.
ويعني إجراء البنك المركزي الصيني أنه لن يحافظ على “أرضية الحد الأدنى” التي يضعها لسعر النفط في العقود الآجلة والمقدرة عند نحو 40 دولاراً للبرميل قياساً على خام برنت بالأساس. وسبب الذعر بين المؤسسات والمتعاملين الذين يبيع لهم البنك المركزي تلك “المراكز” أنهم سيخسرون فارقاً يزيد على نصف سعر البرميل.
صحيح أن الصين زادت من مشترياتها من الخام لملء مخزوناتها الاستراتيجية والتجارية، لكن ليست هناك سعة فائضة كبيرة على أي حال. وما لم تنتعش سوق التصنيع والطلب المحلي لن يحتاج الاقتصاد الصيني إلى مزيد من النفط الخام لفترة.
ثم هناك الخسائر التي تُمنى بها شركات النفط الصينية، وفي مقدمتها شركة بتروتشاينا، التي ستضطر إلى خفض استثماراتها، وربما تسريح عمالة ووقف مشروعات توسع.
هبوط أسعار المصانع
هناك تصور خاطئ يتردد في بعض التعليقات على الهبوط التاريخي في أسعار النفط، بخاصة الخام الأميركي الخفيف، وأنه لصالح المستهلكين الذين سيشترون المصدر الرئيس للطاقة التي تحرّك اقتصادهم بسعر زهيد، مما يقلل التكلفة. لكن الواقع أن هذا الانهيار غير المسبوق يضرّ بالاقتصاد العالمي كله، وبكل أطراف أسواق الطاقة، منتجين ومستهلكين.
المؤشر الأهم هو انخفاض أسعار إنتاج المصانع، الذي شهد الشهر الماضي هبوطاً بنسبة 1.5 في المئة، ويتوقع أن يصل إلى 5 في المئة. ورغم أن أسعار النفط لا تدخل في حساب معدل التضخم في الصين، فإن تأثيرها على قطاعات عديدة يعني أن هبوط الأسعار سيكون له صداه، في التصنيع وأسعار الوقود والبتروكيماويات والتغليف والنقل وغيرها.
وسيشكل ذلك ضغطاً إضافياً على البنك المركزي الصيني ليخفّض سعر الفائدة مجدداً، بعدما خفّضها قليلاً على ودائع المدى القصير والمتوسط. ويرجّح كثير من الاقتصاديين أن يضطر بنك الشعب الصيني إلى خفض الفائدة بما يصل إلى نصف نقطة مئوية مع هبوط الأسعار.
ويأتي هذا المنحى النزولي لأسعار إنتاج المصانع، وأسعار كثير من السلع، في وقت طرحت الحكومة الصينية تيسيراً نقدياً في الاقتصاد كان يُفترض أن يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، أو في الأقل ثباته.
ويتوقع عدد من الاقتصاديين أن يزيد هبوط أسعار المنتجات في النصف الثاني، ما يعني ضياع أثر التيسير النقدي الذي طرحته الحكومة لمساعدة الشركات والأعمال. وتلك مقدمات كساد في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا يقتصر أثره على السوق المحلية، وإنما سيكون له صداه في اقتصادات العالم، بخاصة الاقتصادات الأوروبية الآخذة في الانكماش بالفعل.
ويتوقع المحللون أن ينخفض مؤشر مديري المشتريات في الصين بما بين 4 و6 في المئة، وذلك في حال كان سعر النفط في المتوسط في نطاق 20 إلى 40 دولاراً للبرميل. هذا بالإضافة إلى توقعات بزيادة العجز في الصين إلى 8 أو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
كل تلك المؤشرات تجعل استفادة الصين من انخفاض أسعار النفط معدومة تماماً، بل على العكس تزيد من انخفاض أسعار المنتجات، وبالتالي تشكّل عبئاً على القطاع الصناعي الذي يعمل أساساً للتصدير. ومع تراجع الطلب في العالم على المنتجات الصينية نتيجة انكماش الاقتصاد في أغلب أرجاء المعمورة، يؤدي انخفاض كلفة الإنتاج (أسعار النفط: الطاقة للتصنيع، التغليف، النقل.. إلخ) إلى إغراق السوق في وقت لا يوجد فيه طلب قوي.
والسيناريو الأسوأ في حال استمر هبوط أسعار النفط هكذا لأشهر عدة، أن الكساد لن يكون قاصراً على الصين، بل سيقود الاقتصاد العالمي كله إلى كساد، أو في الأقل وضع ركود طويل الأمد.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي