يبدو أن حجم الخلافات داخل “هيئة الحشد الشعبي” بدأت تتوسّع، إذ أعلن فكّ ارتباط أربعة ألوية تُحسب على المرجعية الدينية في النجف، إدارياً وعملياتياً من الهيئة.
وأمر رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، بإلحاق تلك الألوية بمكتب القائد العام للقوات المسلحة، وهي كل من “فرقة العباس القتالية” و”فرقة الإمام علي القتالية” و”لواء أنصار المرجعية” و”لواء علي الأكبر”، التي شُكّلت على إثر فتوى “الجهاد الكفائي” للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، بعد تنامي قوة تنظيم “داعش” وسيطرته على أجزاء واسعة في المحافظات الغربية والشمالية.
ولعلّ هذا القرار، يقلّل من طموح بعض الفصائل التي ترغب في أن يكون الحشد الشعبي مؤسسة رديفة تنافس وزارتَيْ الدفاع والداخلية، ولها تأثير كبير في القرار الأمني والسياسي، فيما يسهم خروج ما يُطلق عليه “حشد المرجعية” من الهيئة في إغلاق الطريق أمام بعض الفصائل التي تدّعي تمثيل المرجعية والتحرّك وفق توجيهاتها، فضلاً عن كونه قد يسهم في تسهيل مسألة حصر السلاح بيد الدولة.
تصحيح المسارات
في غضون ذلك، أصدرت الألوية الأربعة بياناً أكدت فيه انفكاكها من الهيئة، فيما أشارت إلى أنها “تدرس انضمام بقية القوات والألوية الراغبة في ذلك وفق المعايير الوطنية والضوابط القانونية والالتزامات الدستورية”.
وأكدت، أنها “ستستمر في دعم وإسناد المتطوعين الملبّين نداء المرجعية والوطن على مستوى التدريب والدورات، أو على مستوى الخدمات الطبية والإنسانية وغيره”، لافتةً إلى أن “هذا الانتقال لن يؤثر في مستوى التنسيق مع ألوية الحشد العزيزة”.
وأوضحت أنها “تسير وفق الرؤى الوطنية وما تقتضيه طبيعة الأوضاع في العراق، ولا تحمل أي توجهات أو مشاعر سلبية تجاه أي طرف أو جهة مهما بلغت تصرفاته، لكنها تسعى إلى تصحيح بعض المسارات والمحافظة على المشروع المبارك الذي حمل حسام الدفاع عن العراقيين (أرضاً وشعباً ومقدسات)، مستجيبين لنداء الحق والحكمة والإنسانية الذي أطلقه المرجع الديني الأعلى السيد على الحسيني السيستاني دام ظله الوارف”، بحسب البيان.
رئاسة أركان الحشد
في سياق متصل، كان منصب رئيس أركان العمليات داخل “هيئة الحشد الشعبي”، قد حُسم لصالح أبو فدك المحمداوي، القيادي الأبرز في “كتائب حزب الله”، ما دفع الفصائل التابعة للسيستاني إلى إبداء اعتراضها، إذ أكدت أن تنصيب خليفة للمهندس يتطلّب “سياقات قانونية غير متوفرة الآن في ظل حكومتين، واحدة تصرّف الأعمال والأخرى لم يكتمل تكليفها”.
ويرى مراقبون أن للقرار أبعاد عدّة، أهمها عزل الأجنحة التابعة للمرجعية عن بقية الفصائل التي لا تأتمر بأمرة الدولة وتحديداً الأجنحة القريبة من إيران، فضلاً عن إنهاء الصراعات داخل الهيئة تحديداً حول رئاستها.
في المقابل، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في حديث مع “اندبندنت عربية” أن “انفكاك ألوية المرجعية يعكس الخلافات العميقة داخل هيئة الحشد الشعبي، فضلاً عن أن تعيين أبو فدك المحمداوي كرئيس لأركان الهيئة، الذي قد يصطدم بتوجهات ألوية المرجعية”، مبيّناً أن “هذه الخلافات ليست جديدة لكنها لم تكن ظاهرة بين جناح المرجعية والأجنحة الأخرى”.
وأضاف أن “اختيار المحمداوي الذي ينتمي إلى كتائب حزب الله، وطبيعة توجهات ومواقف الكتائب دفعت المرجعية إلى الإسراع في هذا القرار”، مشيراً إلى أن “المرجعية لم تشر منذ اليوم الأول للفتوى إلى وجود قوة رديفة في ما يتعلّق بالمتطوعين، وكانت تشدّد على أنهم جزء من عملية الإسناد على أن ينخرطوا في المؤسسة الأمنية”.
وتابع أن “هذا الانفكاك رسالة واضحة من المرجعية لإعادة هيكلة الحشد الشعبي وانخراطه في المؤسسة الأمنية، فضلاً عن أن ألوية المرجعية لا تريد أن تُشمل في أي عقوبات مقبلة على فصائل الحشد”.
وختم أن “إجراء ألوية المرجعية أحرج الفصائل الأخرى في قضية القوة الرديفة للأجهزة الأمنية والسلاح خارج إطار الدولة، إضافةً إلى أن الحديث عن غطاء المرجعية للفصائل المسلحة لن يكون مقبولاً في الطرح”.
أداة سياسية
في سياق متصل، أوضح الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي لـ”اندبندنت عربية” أن “المرجعية الدينية في إطار فتوى الجهاد الكفائي كانت تريد تعزيز المؤسسة الأمنية والعسكرية بقدرات قتالية، وليس إيجاد مؤسسة بعيدة من الدولة”، مردفاً “هناك نقطة تقاطع في تركيبة الحشد الشعبي، ينبغي توضيحها للشعب العراقي”.
وقال إن “ألوية المرجعية الدينية ليست فصائل ولائية، والمرجعية الدينية ترى أن حصر السلاح بيد الدولة ضروري، وهذه الخطوة تأتي في هذا الإطار”، مضيفاً أن “الحشد الشعبي بات يُستخدم كأداة سياسية، وهناك رغبة لدى المرجعية في عدم زجّ الفصائل في الصراع السياسي”.
وأكد أن هذا الأمر لم يحصل بشكل آني، بل كان جدلياً منذ صدور الفتوى، مشيراً إلى أن “المرجعية تريد عزل عناصرها داخل الحشد الشعبي عن بعدهم العقائدي، وإدخالهم في بعد وطني يلتزم معايير الدولة، ولطالما أكدت وجوب إبعاد المؤسسات عن البعد السياسي والتخندق الطائفي والعرقي”.
فصل عن “الولائيين”
من جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني إن “هناك توجهاً داخل مرجعية النجف للفصل بين الألوية الموالية لها عن بقية الفصائل المسلحة، تحديداً تلك التي تؤمن بولاية الفقيه وتنتمي لاتجاه المرشد الأعلى علي خامنئي”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “كانت المرجعية حريصة على أن يكون تدخّلها في فتوى الجهاد الكفائي محصوراً في الإطار الأمني فقط، لكن تطوّر نسق الهيئة وحراكها ودخولها خانة التأثير السياسي، دفع المرجعية إلى إعادة حساباتها”.
وتابع أن “القرار الأخير هو محاولة من المرجعية لحماية ألويتها من أي صدام محتمل، في ظل التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية”، مشيراً إلى أن “المرجعية عبّرت من خلال هذا الأمر عن رفضها استخدام اسمها في كل قضية أمنية أو سياسية من قبل الفصائل المسلحة، فضلاً عن أنه محاولة لإحراج الفصائل المسلحة ودفعها إلى حصر السلاح بيد الدولة”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي