لم يعد رمضان في الدول الإسلامية شهرا للعبادات فقط، بل تحول إلى مهرجان للتسوق وفضاء ثقافي من مميزاته طوفان البرامج التلفزيونية والمسلسلات الجديدة الخاصة بالموسم، والخيم الرمضانية التي تقدم فيها برامج الترفيه في الأماسي بالإضافة إلى إحياء الطقوس والتقاليد والألعاب الشعبية، كل ذلك تعيشه المدن العربية في مهرجان متواصل يمتد من وقت الإفطار إلى وقت السحور في ليالي الشهر الفضيل. لكن هذا العام سيكون الحال مختلفا، فالبلاد تعيش في ظل الجائحة، والخوف من الوباء والحظر ومنع التجول يسيطر على البلاد، بل حتى الشعائر والطقوس الدينية ستتأثر بأجواء الوباء هذا العام.
أماسي الحظر
مددت السلطات العراقية المختصة العمل بقانون حظر التجوال في شهر رمضان، لكنها أدخلت عليه بعض التعديلات، فقد صرح وزير الصحة العراقي د. جعفر علاوي في لقاء صحافي بقوله، إن “المدارس والجامعات ستبقى مغلقة، وسنرفع قراراً إلى مجلس الوزراء، يقضي بتخفيف حظر التجوال في شهر رمضان، ليكون من الساعة السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً مع إبقاء الجوامع مغلقة” مشيراً إلى “مراقبة الوضع الصحي خلال التخفيف التدريجي، وإذا لاحظنا حدوث زيادة في الإصابات غير مسيطر عليها وأكثر من التوقع، في هذه الحالة سنتخذ إجراءات سريعة للعودة إلى منع التجول الكامل”.
والوضع في العراق بالنسبة لعدد الإصابات والوفيات نتيجة جائحة كوفيد-19 يعتبر مطمئنا حتى بين الدول العربية، وعدد الإصابات مقارنة ببقية الدول العربية أقل، إلا أن عدد الوفيات كان مرتفعا، وهذا الأمر يعزى حسب مختصين إلى قلة عدد الفحوصات التي تجرى للتأكد من العدد الحقيقي للإصابات، ومع ذلك كانت نتائج الموقف الوبائي في العراق حتى يوم الأربعاء 22 أبريل/نيسان كما يلي؛ عدد الإصابات 1631 وعدد الوفيات 83 وعدد حالات الشفاء 1146.
ومن المتوقع أن تتأثر الأجواء الرمضانية التي اعتادت عليها العائلة العراقية بشدة هذا العام نتيجة فرض الحجر الصحي الذي يشمل منع التجول في أماسي رمضان التي تعد الوقت الأمثل لخروج العوائل للترفيه والتسوق وزيارة المولات والمراكز التجارية، وما يصاحب ذلك من تجمع الشباب في المقاهي والمنتزهات التي تشهد ممارسة الألعاب الفولكلورية مثل “المحيبس” كل ذلك سيكون ممنوعا وبأوامر من الجهات الحكومية هذه السنة، إذ تشدد خلية الأزمة في العراق على إن النتائج الجيدة التي يتمتع بها العراق بالنسبة للموقف الوبائي كانت نتيجة الحجر الصحي الذي تم ونجح في منع التجمعات نسبيا بالرغم من بعض الانتهاكات التي حصلت، وبشكل خاص في موسم زيارات المراقد الدينية وتجمع الزوار ومسيرتهم الراجلة إلى مدينة الكاظمية، إلا إن الشرطة وقوى الأمن والجيش بذلت جهدا واضحا لفرض وإنجاح الحجر الصحي.
الوباء فقهيا
كحال مختلف الدول الإسلامية تساءل المواطن العراقي متخوفا من احتمالية خطر الصوم على مناعة الإنسان، واحتمالية إصابته بفيروس كوفيد-19 وقد تضاربت الآراء الفقهية المجيبة على هذا السؤال، وتنوعت الاجتهادات هنا وهناك، فبعض الفقهاء عادوا إلى فتاوى قديمة عالجت أزمات الأوبئة كالطاعون والجدري والكوليرا التي مر بها العالم الإسلامي تاريخيا ليستنبط منها الأحكام التي يمكن أن تنطبق على زمن الجائحة الذي نعيشه، بينما اجتهد البعض الآخر اعتمادا على آراء الأطباء والمختصين ليصدروا فتوى تساعد المسلمين في التعامل مع فريضة الصوم في زمن الوباء.
المميز في الأمر كان فتوى المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، ردا على أسئلة من مقلديه حول جواز الإفطار في زمن الوباء، خصوصاً أن الأطباء يوصون بشرب الماء في فترات متقاربة لتقليل احتمال الإصابة بهذا الفيروس الخطير، إذ أصدر مكتب السيستاني ردا رسميا جاء فيه “وجوب صيام شهر رمضان تكليف فردي. فكل شخص توفرت فيه شروط الوجوب لزمه الصيام بغض النظر عن وجوبه على الآخرين أو عدم وجوبه عليهم”. وواصل “إذا حل شهر رمضان القادم على مسلم، وخاف من أن يصاب بفيروس كورونا إن صام، ولو اتخذ كافة الإجراءات الاحتياطية، سقط عنه وجوبه بالنسبة إلى كل يوم يخشى إن صامه أن يصاب بالمرض”.
من جانب آخر كان موقف المجمع الفقهي العراقي، في جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، متسما بالعقلانية منذ بداية أزمة الوباء وقد أمر مبكرا بتعليق إقامة صلاة الجمعة والجماعة، وذلك تفاديا لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا الجديد. وأصدر المجمع بيانا أكد فيه “سقوط وجوب الجمعة، وترخيص عدم حضور صلاة الجماعة في المسجد، لاسيما لكبار السن والصغار وضعيفي المناعة” وهذا الأمر سينعكس بشكل أكبر في رمضان، إذ ستعلق صلاة التراويح التي كانت تعطي نكهة خاصة لأماسي رمضان.
أما بعض سنة العراق من عرب وكرد وتركمان، فقد توزعوا في اتباعهم فقهاء مختلفين، بينهم من كان أقرب إلى فتوى لجنة البحوث الفقهية في الأزهر ودار الإفتاء المصرية التي أعلنت أنه “لا يتوفر لغاية الآن أي دليل علمي يؤكد وجود علاقة بين الإصابة بفيروس كورنا والصوم خلال شهر رمضان” مضيفة “وعلى ذلك تبقى أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالصوم على ما هي عليه من وجوب الصوم على كافة المسلمين، إلا من رخص لهم في الإفطار شرعًا من أصحاب الأعذار”.
ولا يعرف موقف الشيخ السلفي الدكتور مهدي الصميدعي، الذي يعرّف نفسه بـ “مفتي جمهورية العراق” الذي سبق له وانشق وخالف كل القيادات الدينية السنية في العالم الإسلامي، إذ رفض فتوى سقوط وجوب صلاة الجماعة، وأكد أهمية أن تفتح جميع المساجد لاستقبال المصلين وإقامة صلاة الجمعة. وقال في بيان رسمي إن “المساجد لله تعالى ولا يحق إغلاقها، والأولى عندما يصاب بلد أو إنسان ببلاء فعليه العودة واللجوء إلى الله تعالى ويرجوه ويتوسل إليه من أجل رفع هذا البلاء، فعلينا التذرع والتوسل لله رب العالمين، وإقامة صلاة الجماعة والجمعة والدعاء أن يمن الله تعالى علينا برفع هذا الوباء وأن يسلم بلدنا وشعبنا من الأمراض والأسقام إنه مجيب الدعاء”. فهل سيتحدى الصميدعي أوامر الحكومة العراقية ويقيم صلاة التراويح في جامع أم الطبول الذي يتبوأ مشيخته مخالفا بذلك حتى المسجد المكي والمسجد النبوي في السعودية؟ إذ أجازت العديد من السلطات الدينية بمن فيهم المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ إقامة صلاتي التراويح والعيد في البيوت.
أسواق خاوية وموسم حزين
مع إن فرض حظر التجوال في العراق طبق منذ 17 آذار/مارس الماضي، إلا أن خلية الأزمة في الحكومة العراقية أعلنت عن تخفيف بعض قيود العزل العام المفروضة للحد من انتشار فيروس كوفيد -19 بما يسمح بإعادة فتح بعض المتاجر والشركات مع تخفيف حظر للتجول مفروض منذ نحو شهر على الحركة والتنقلات.
وجاءت هذه الخطوة قبل أيام معدودة من بداية شهر رمضان، لكن التوقعات بأن الموسم سيكون حزينا، وإن الأسواق ستركز بشكل أساسي على المواد الغذائية التي سارع الناس لشرائها وتخزينها لتموين احتياجات شهر استثنائي، ففي ظل الحظر ستتجمع العائلة طوال نهار رمضان بشكل إجباري، فالصوم وحرارة الجو سيمنعان الناس من الخروج نهارا إلا للضرورات، أما الأماسي فستكون مشمولة بقوانين الحظر، وبذلك ستظل الأسواق خاوية من المتبضعين الذين تعودوا على الخروج للتسوق والتنزه والترفيه مساءً.
كما تتجلى في موسم رمضان لهذا العام مشاكل عائلات من قطاعات واسعة في العراق من ذوي الدخل المعتمد على مهن العمل اليومي، يضاف لها الكثير من العاملين في مهن القطاع الخاص التي توقفت نتيجة الحجر، والتي لم تمتد يد الدولة لها بالدعم حتى الآن، وقد تنادت مؤسسات مجتمع مدني، ومؤسسات خيرية مدنية ودينية لدعم العوائل المتعففة في رمضان الحالي لسد احتياجاتها ولو بالحد الأدنى، لأن الضغوط تراكمت وتنوعت على هذه العوائل في زمن تفشي الوباء، وفي النهاية ستبقى أكفهم مرفوعة في شهر الطاعات سائلين الله أن يرحمهم ويزيح هذه الغمة عنهم وعن البشرية جمعاء.
صادق الطائي
القدس العربي