كورونا يضع مجلس الأمن أمام تحدي أسوأ أزمة في العالم

كورونا يضع مجلس الأمن أمام تحدي أسوأ أزمة في العالم

نيويورك – يتّجه مجلس الأمن الدولي الأسبوع المقبل إلى تبنّي أوّل مشروع قرار بشأن أزمة كوفيد-19 بعد أكثر من شهر من الانقسامات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وذلك وسط دعوات إلى تكثيف التعاون الدولي.

ولكن بعض الدبلوماسيين والخبراء سجلوا تحفظهم حيال تأخر اجتماع مجلس الأمن، في وقت يمر فيه العالم بأزمة ذات حجم لم يسبق له مثيل الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة وفاعلية المنظمة الدولية في التعامل مع الأزمات الكبيرة التي تمر بها البشرية.

فهل يكون هذا القرار مجرد نص يبقى حبرا على ورق؟ أم انتعاشة للنهج التعددي الذي طغت عليه النزعات الوطنية؟ أو ربما محطة أولى باتجاه إعادة ترتيب جيوسياسية للعالم وإعادة تأسيس لمنظمة دولية أنشئت عام 1945 لتدارك الأزمات الدولية واحتوائها؟

وتعبيرا عن نفاد صبره حيال أعلى هيئة في الأمم المتحدة بسبب صمتها المحرج استشهد أحد السفراء بقول لغاندي “إن التأخر هو بحد ذاته عمل عنف”، معتبرا أن لا ذريعة تبرر صمت الهيئة العليا في الأمم المتحدة في وجه أسوأ أزمة حلّت على العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ولم ينعقد مجلس الأمن منذ بدء انتشار فايروس كورونا المستجد سوى مرة واحدة لبحث الأزمة الصحية العالمية، خلال جلسة عقدها عبر الفيديو في 9 أبريل بمبادرة من ألمانيا وإستونيا.

ويدعو مشروع القرار الذي قدمته فرنسا وتونس في مبادرة مشتركة إلى “تعزيز التنسيق بين الدول كافّة” و”وقف الأعمال العدائيّة” وإلى هدنة “إنسانيّة” في العديد من الدول التي تشهد نزاعات.

ويهدف مشروع القرار إلى دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بهذا الصدد، ومساندة عمل مختلف الوكالات التابعة للمنظمة الدولية الساعية إلى مكافحة التبعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكارثية للفايروس.

ورأى ريتشارد غوان من “مجموعة الأزمات الدولية” في نيويورك أن النص الذي يتسم بـ”مزايا جوهرية” هو “وسيلة تسمح لمجلس الأمن بإنقاذ ماء الوجه بالتأكيد على أنه ليس متقاعسا بالكامل”.

فهل يكون للقرار الملزم للدول الأعضاء الـ192، مفاعيل إيجابية في سوريا واليمن والشرق الأوسط وأفغانستان وكولومبيا وإفريقيا؟ قال سفير آخر بهذا الشأن إن “وقف إطلاق نار عاما أمر حميد للغاية، لكن التحدي يكمن في ترجمته على أرض الواقع في دول لكل منها وضعها الخاص”.

ويدمج النص التونسي الفرنسي بين مشروعين تم التفاوض عليهما بشكل متواز على مدى أسابيع، أحدهما برعاية تونس جرت مناقشته فقط بين الأعضاء العشرة المنتخبين وغير الدائمين في مجلس الأمن، والثاني بإشراف فرنسا بين الأعضاء الدائمين الخمسة وحدهم.

وأوضح بعض المفاوضين أن هذه الازدواجية التي أثارت تشكيك العديد من الدبلوماسيين، لم تأتِ من “منطق المنافسة” بل جاءت في سياق “تقاسم للأدوار”.

غير أن أيا من النصين اللذين يتقاسمان الهدف ذاته وهو التوصل إلى تعاون أفضل وإلى دعم وقف لإطلاق النار، لم يجمع موافقة كل بلدان الكتلتين، وفق ما أوضح دبلوماسيون.

وما زال يتعين إدخال بعض التعديلات على النص الحالي المشترك بين الدول الأعضاء الـ15، قبل طرحه للتصويت في تاريخ لم يحدد بعد، فيما أفاد عدة دبلوماسيين أن التصويت سيجري الأسبوع المقبل وسيكون “حاسما”.

ونقطة الخلاف الرئيسية تبقى فقرة تُركت فارغة في النص تتعلق بمنظمة الصحة العالمية التي قطعت عنها الولايات المتحدة مؤخرا التمويل موجهة إليه انتقادات شديدة على خلفية وباء كوفيد-19.

وقال دبلوماسي طلب عدم ذكر اسمه أن المطلوب ليس “امتداحها” ولا “التنديد بها”، ولا يمكن تسوية المشكلة إلا من خلال “تحكيم على أعلى مستوى”، مشيرا إلى أن قادة الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) سيعقدون مؤتمرا عبر الفيديو بهذا الصدد.

فهل يغتنم القادة هذا اللقاء غير المسبوق لرسم معالم نظام دولي جديد لما بعد الوباء، ممهدين بذلك لصيغة جديدة للأمم المتحدة؟

ورأى أحد السفراء أنه يعود للأمين العام للمنظمة الدولية الذي يبقى فوق التجاذبات أن “يقود النقاش” مضيفا “عليه أن يضع خطة حربية للانتصار في هذه الحرب”.

وقال الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس برتران بادي “لم يسبق لكل من البشر السبعة مليارات ونصف أن أحس في صميمه بمثل هذه الحاجة الملحة إلى سياسة شاملة”.

ورأى أن “هناك بالتالي وضع جديد يدفع إلى تلبية هذه الحاجة الملحة. وفي الوقت نفسه، لم يكن التوجه القوميّ يوما نشطا كما هو الآن في العالم. العامل المجهول هو إذا كيفية التوفيق بين هاتين النزعتين المتعارضتين”.

العرب