من ناحية الجبهة السورية انتهت أزمة كورونا، فسلسلة الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل في سوريا، في نيسان، تبدأ في الظهور كسياسة مرتبة ومخططة. والأمر ليس مجرد ردود فعل على خطوة إيرانية، بل هو أعمال مبادر إليها، وغايتها، أغلب الظن، اقتلاع مزروعات إيرانية نبتت في الحقل السوري: نشر ميليشيات مؤيدة لإيران في الجولان، واستئناف نشاط حزب الله في لبنان، وقيادات، ومخازن عتاد عسكري، وغيرها. منذ توقف الحرث في شباط هناك توقفت التقارير في المصادر الأجنبية عن نشاط عسكري إسرائيلي، وعزي الأمر إلى أزمة كورونا التي بلغت ذروتها في إسرائيل في محيط الفصح. ولأن “الحرب ما بين الحروب” التي تديرها إسرائيل في الشرق الأوسط لا تتشكل فقط من أعمال جوية، فإن تكاثف النشاطات التي تتضمن تقارير عن تفجيرات غامضة ستكون أكثر كثافة بكثير مما ينشر في المصادر الأجنبية. وسيحاول الإيرانيون أيضاً العودة إلى الحياة الطبيعية ما قبل أيام كورونا في سوريا. فإذا كانوا حتى نهاية آذار ينقلون بطائرات الحرس الثوري عتاداً طبياً من الصين إلى طهران، فقد عادت هذه الطائرات منذ نيسان لتهبط بدمشق وفي بطنها عتاد عسكري. بالصدفة أم بغير الصدفة، فإن التقرير الأجنبي الأول عن غارة جوية إسرائيلية في دمشق ظهر أيضاً في بداية نيسان. ومنذئذ فُتح الميناءان في اللاذقية وبانياس من جديد لاستيعاب الوقود والمعدات من أنواع مختلفة وصلت من إيران. طائرات النقل السورية عادت للطيران إلى إيران، فالآلة الإيرانية عادت إلى تحريك دواليبها في سوريا ولكن بتعثر، بعد أن تلقت ثلاث ضربات قاضية: أزمة كورونا فتاكة مع آثار اقتصادية واجتماعية، وتواصل العقوبات الأمريكية الشديدة، وفوق كل ذلك أزمة أسعار النفط.
النظام السوري هو الآخر عاد إلى اللعبة بجراحات أكثر بكثير، فالأزمة الاقتصادية في سوريا تحتدم بلا بقعة ضوء وبلا خطة خروج، بل وتعاني ما لا يقل عن دول أخرى في المنطقة من كورونا، ولا يوجد هناك من يجمع المعطيات ومن يعالج. السوريون يقفون في الطابور للخبز وليس لفحوصات كورونا.
ما كان يمكن لإسرائيل أن تستأنف الأعمال المنسوبة إليها في سوريا دون موافقة روسية صامتة، ففي السنة الخامسة لوجودهم في سوريا، في عصر أفول كورونا، يجد الروس أنفسهم في إحباط عميق: كل التوقعات للبدء ولاستخلاص المنافع –ولا سيما الاقتصادية– من استثمارهم في سوريا لا تتحقق، بل ومن أجل الحفاظ على حكم الأسد فإنهم مطالبون الآن باستثمار مال طائل في الجيش، بل وفي أزمة إنسانية – اقتصادية – طبية لا يرون لها نهاية. والإيرانيون، حلفاء الروس لغرض القتال على الأراضي السورية، هم أيضاً عائق ومنافس في كل ما يتعلق بتنفيذ السياسة الروسية العامة للسيطرة على الدولة ومقدراتها. وعليه، يبدو أنه سهّل على الروس أن يتجاهلوا الضربات المنسوبة إلى إسرائيل للمنافس الإيراني. كما أن الأمريكيين ارتفعوا درجة بالنسبة للمواجهة العسكرية المحتملة مع إيران. فإزعاجات الأسطول الأمريكي في الخليج الفارسي أدت إلى تعليمات واضحة من الرئيس ترامب لمهاجمة السفن الإيرانية. أما الإيرانيون فيتهمون الولايات المتحدة بالأزمة الاقتصادية وبصد القدرة الإيرانية على الوصول إلى وسائل طبية لمواجهة كورونا. هكذا فإن التوتر في الخليج يرتفع، وسيواصل التصاعد كلما اقتربنا من حزيران- حين سينشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الخروقات الإيرانية في مجال تخزين اليورانيوم المخصب. وينبغي الافتراض بأن بين إسرائيل والولايات المتحدة تنسيقاً أو تفاهماً بشأن الضغوط على إيران. تجربة الماضي تبين أنه كلما تصاعد التوتر في الخليج، تصاعد أيضاً التوتر بين إسرائيل وإيران في الجبهة السورية.
كل هذه الملابسات تسمح لإسرائيل بأن تمسك بإيران وهي ضعيفة في سوريا. هذه فرصة إستراتيجية، وذلك لأن إيران لو أرادت أن ترد، سوف توجد لإسرائيل ذريعة لعمل عسكري جذري أكثر ضدها.
القدس العربي