طالما أصر الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تسمية كورونا بـ”الفيروس الصيني” رغم الانتقادات الكبيرة التي وُجهت إليه، وأخيراً كشف أنه قد يسعى للحصول على تعويضات من بكين بعد أن تسبب الوباء الذي انطلق من مدينة ووهان في إصابة مليون شخص، وقتل أكثر من 61 ألفاً في المدن الأميركية، وقال إنه “يبحث فرض رسوم جمركية عقابية على الصين”.
تصريحات ترمب أثارت رداً غاضباً في بكين ليرتفع منسوب التوتر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم بشكل منقطع النظير، ولذ أصبح السؤال هو كيف سترد الصين على الاتهامات الأميركية التي قد تفتح الباب لتعويضات تحصل عليها الولايات المتحدة من هذه الدولة الآسيوية قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، كما أن دولاً أخرى مثل المملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا قد تطالب بتعويضات مماثلة عن الأرواح التي أزهقها وباء كورونا والتي تجاوزت في إجمالها حتى الآن 248 ألف وفاة بالإضافة إلى 3.5 مليون إصابة مؤكدة في العالم.
توجه الصين نحو طلاق الدولار الأميركي من بوابة منظمة شنغهاي للتعاون، قد يكون السلاح الذي ستستخدمه في الرد على تهديدات واشنطن، خصوصاً أن بكين تدفع الدول الثماني الأعضاء في المنظمة للتخلي عن الدولار، حيث كانت المنظمة اتخذت قراراً بما في ذلك روسيا والصين والهند بإجراء تجارة واستثمارات ثنائية وإصدار سندات بالعملات المحلية والوطنية عوضاً عن الدولار الأميركي، وهو الخبر الذي نشرته” اندبندنت عربية”، في مارس (آذار) الماضي، ولاقى متابعة كبيرة من قراء الصحيفة.
روسيا تستضيف قمة المنظمة في 2020
يُشار إلى أنه من المقرر أن تستضيف روسيا التي ستتولى الرئاسة الدورية لمنظمة شنغهاي للتعاون، أعمال القمة الـ20 في مدينة تشيليابينسك الروسية، يومي 22 و23 يوليو (تموز) المقبل، لكن مع تفشي فيروس كورونا في العالم أصبح من غير المؤكد انعقاد القمة في الموعد المقرر لها. وكانت بيشكيك عاصمة قيرغيزستان، استضافت الدورة الـ19، وكان أبرز ما خرجت به القمة تعهُد الدول الأعضاء بتعزيز رفع “حصة العملات الوطنية في المعاملات المالية المتبادلة والتسويات، عوضاً عن الدولار”.
وفي البيان الذي خرجت به قمة بيشكيك، أكد ستة من أعضاء المجموعة، بما في ذلك روسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجكستان، وأوزبكستان دعم مبادرة الحزام والطريق الصينية، بينما لم تذكر الهند في هذه القائمة، خصوصاً أنها ترى في الصين منافساً شرساً وتخشى من طموحها في آسيا.
منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة حكومية دولية تأسست في شنغهاي في 15 يونيو (حزيران) عام 2001، وتتألف حالياً من ثماني دول أعضاء هي أوزبكستان، وباكستان، وروسيا، والصين، و طاجكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، والهند، وأربعة دول مراقبة أبدت الرغبة في الحصول على العضوية الكاملة هي أفغانستان، وإيران، وبيلاروسيا، ومنغوليا، وستة شركاء حوار (أرمينيا، وأذربيجان، وتركيا، وسريلانكا، وكمبوديا، ونيبال).
وبدأت المنظمة العام الماضي في توسيع التعاون ليشمل الهند وباكستان، ما يجعلها الآن مجموعة إقليمية قوية واستراتيجية، تمثل 40 في المئة من سكان العالم، ونحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و22 في المئة من الكتلة الأرضية في العالم.
من جانبها، قالت مستشارة المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، إلينا سوبونينا، في اتصال لـ”اندبندنت عربية”، “هناك جهود لتعزيز التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء لمنظمة شنعهاي باستخدام العملات المحلية لتلك الدول، وهناك اتفاقيات ثنائية بين دول المنظمة في هذا الشأن، لكن هذا التوجه بنظري لن يوجه صفعة قوية للدولار، ومن المبكر جداً التخلي عن العملة الأميركية في التعاملات التجارية والاستثمارية”.
وتوضح أن “التخلي عن الدولار له شق سياسي أيضاً، كون أن هناك العديد من الدول تريد الطلاق من الدولار، وأن تخرج من تحت عباءة الهيمنة الأميركية والتي تهيمن على كافة مجالات الحياة، وتوجه دول شنغهاي نحو استخدام عملاتها الوطنية هو محاولة من هذه الدول لتشكيل نظام متعدد الأقطاب وليس أحادي القطبية، وهو ما يحصل اليوم وما كانت روسيا تسعى إليه دائماً”.
وأشارت سوبونينا إلى قلق الولايات المتحدة من توجهات التعددية القطبية، وقالت إن أميركا تفهم أن جوانب عديدة من التجارة والاقتصاد لا تزال مرتبطة بالدولار، ولا تحب رؤية أية توجهات استقلالية أو الخروج عن هيمنتها”.
وبالنسبة إلى استضافة روسيا للقمة فالأمر ليس مؤكداً، بعد إن كانت ستنعقد في الموعد المقرر لها في يوليو المقبل، والسبب هو أزمة كورونا التي تجتاح العالم.
محاولات لضم إيران
ومع اتهامات المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لإيران بدعمها الإرهاب ودعم حروب وكلائها في سوريا واليمن والعراق ولبنان ودول أخرى عديدة مزقتها الحروب الداخلية ببصمة إيرانية، أصبح من غير الواضح كيف ستقبل المنظمة بعضوية إيران والتي تطوِّر برنامجاً نووياً وأقماراً صناعية عسكرية، وإن كان قبول من هذا النوع يمهد لولادة تحالفات عسكرية جديدة في العالم بقيادة روسيا والصين وربما الهند، خصوصاً بعد اشتعال حرب الرسوم التجارية الأميركية الهندية.
وتوضح المستشارة “لا توجد تفاهمات أميركية إيرانية، بالنسبة إلى أوروبا فهي ترى أنه لا بد من التعامل مع إيران باعتبار أنها دولة إقليمية مهمة، حتى أن بعض الدول الخليجية تتعامل معها ولديها علاقات تجارية، لكن بالنسبة إلى أوروبا فهناك تفهم لما تفعله منظمة شنغهاي في هذا الشأن، أما الولايات المتحدة فموقفها خاص بها، ويختلف كثيراً تجاه التعامل مع طهران، إلا أن ذلك لن يضع عراقيل كثيرة أمام منظمة شنغهاي وتعاملها مع إيران. المشكلة الحقيقية تتمثل في العقوبات الدولية والأحادية الجانب ضد طهران، والمنظمة ستطلب تخفيف العقوبات المفروضة على هذه الدولة خصوصاً في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا”.
الدولار الآمر الناهي
وعن مستقبل هيمنة الدولار قال رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الكويتي، علي عباس النقي، إن “العملة الأميركية تُهيمن على أغلب اقتصادات دول العالم وموازناتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى أصبح الدولار (الآمر الناهي) لقوّة الطلب عليه، فهو مُرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبيعات النفط والذهب والعديد من السلع العالمية”.
وأضاف أن العديد من الدول ربطت عُملتها المحلية بالعملة الأميركية، فلا تطبعها إلا ويكون الدولار بمقابلها، وكذلك احتياطاتها النقدية، وترسّخت البُنية التحتية المالية عليه ونظام “سويفت” للتحويلات والمعاملات البنكية، كما أنه من أسرار الولايات المتحدة أنها خرجت عن القاعدة القديمة (طباعة الأموال مقابل قيمتها بالذهب)، فنجحت في تصدير التضخم للخارج وطباعة عملتها بناء على إخراج سندات الخزينة أو خلق دين مستقبلي، الأمر الذي لو أقدمت عليه دول أخرى ستنهار عملتها، ممّا مَنَحها نفوذاً وسطوة و”سوطاً” على الأنظمة الاقتصادية المناوئة لها.
محاولات فك الارتباط بالدولار
يتابع النقي “إن محاولات وتحركات متعددة جرت لفك الارتباط بالدولار، فتبنّت روسيا استراتيجية طويلة الأمد في تجارتها الدولية وعقود التصدير، على الرغم من أنها لم تقطع الوصل بعد بالعملة الأميركية القابضة على زمام الاقتصاد العالمي، فأقدم البنك المركزي الروسي على خفض حصة الدولار من احتياطي النقد الأجنبي، وزاد حصص العملات الأجنبية لحماية الاحتياطي من المخاطر الخارجية والعقوبات الأميركية كالتي أُقرّت ضدها في قضية شبه جزيرة القرم، وتخلّت شركات النفط والغاز وبشكل مُمنهج عن تنفيذ صفقاتها بالدولار وحوّلت تعاملاتها إلى اليورو والروبل الروسي، واتجهت إلى عقد تحالف ثنائي مع الصين للاستغناء عنه بينهما واعتماد اليوان والروبل، وتم طرح فكرة خلق عملة رقمية مرتبطة بالذهب أو العملات المحلية، كما اعتمدت مع تركيا عملتيها في المدفوعات والتسويات، وتقرر ربط البنوك والشركات التركية بالنسخة الروسية من نظام سويفت واستخدام بطاقات مير كبديل لماستر وفيزا، واتفقت مع الهند لاعتماد عُملتيهما في صفقاتهم لا سيّما بيع وشراء الأسلحة، إضافة إلى إتفاق دول منظمة شنغهاي بإخضاع التجارة والاستثمارات بينها بالعملات المحلية، كما أن محاولات التخلص من الدولار وَجّهت الاهتمام بالذهب وكان المشترون الرئيسون بالأسواق هم روسيا والصين وُصولاً لتكوين احتياطي كافٍ منه، وباعتباره أحد الأصول الأكثر ثقة عند اضطراب الأوضاع الاقتصادية”.
يضيف “على خط مُواز، تحتفظ الصين بأوراق هامّة أيضاً حال أقدمت على بيع ما تملكه من سندات الخزينة الأميركية، ما قد يؤدي إلى هبوط قيمة الدولار، وهي التي ربطت عملتها (اليوان) به للمحافظة على قيمة منخفضة أمامه، بالتالي التحكم بتقديم أسعار مُتدنية لصادراتها إلى الولايات المتحدة، وإن كان هذا الخيار أراه مُستبعداً كون الضرر سيطال الصين ذاتها باعتبارها أكبر عملائها التجاريين، فليس من مصلحتها الإقدام على ذلك، وأي تأزيم وتوتّر بينهما لن يؤثر فقط في المصالح الجوهرية للبلدين، وإنما على استقرار ونماء الاقتصاد العالمي”.
وقال ” ان التجارة والاستثمار البيني بعملات الدول الأعضاء عوضاً عن الدولار، ليس القرار الوحيد الذي اتخذته الدول الثماني الأعضاء في منظمة شنغهاي، حيث وقعت هذه الدول على وثيقة تتعلق بالتعاون بين الأعضاء في مجال الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
كفاية أولير
اندبندت عربي