وصف معلق في صحيفة “واشنطن بوست” وزير الخارجية وأكبر شخص في الدبلوماسية الأمريكية مايك بومبيو بالتحول إلى أكبر “متنمر وباء”. وقال إيشان ثارور: “لم يكن كلامه دبلوماسيا، ففي يوم الأحد مُنح مايك بومبيو حياة جديدة لنظرية المؤامرة وأشعل اليمين المتطرف وعكّر العلاقات الأمريكية مع الصين”.
وأشار ثارور إلى المقابلة التي قدمها بومبيو لبرنامج “ذيس ويك” (هذا الأسبوع) على شبكة أنباء “إي بي سي” وقال فيها: “هناك أدلة متعددة” تثبت أن عرق فيروس كورونا المتجدد قد بدأ من مختبر بمدينة ووهان الصينية. وعندما ضغط عليه لتقديم دليل زعم أنه “غير مسموح” له بقول المزيد. ثم كتب لاحقا تغريدة عن “تاريخ العدوى الصينية للعالم”.
ويرى الكاتب أن الخطاب هو جزء من موقف بومبيو المتشدد ضد بكين. ففي نهاية كانون الثاني/ يناير، قال بومبيو في خطاب له بلندن إن “الحزب الشيوعي الصيني هو تهديد مركزي لزمننا”.
وفي الأسابيع التالية وبعدما تحول الوباء الذي بدأ في الصين إلى حالة عالمية تمسك بومبيو بموقفه المتشدد وخرب اجتماعا لوزراء خارجية مجموعة الدول السبع عندما أصر على تضمين عبارة “فيروس ووهان” في البيان الختامي للاجتماع.
كل هذا في وقت قللت فيه أجهزة الاستخبارات الأمريكية على إمكانية تصنيع الإنسان للفيروس أو كونه جاء نتيجة لتعديل وراثي. وفي تقرير للصحيفة الأسبوع الماضي جاء فيه: “في الوقت الذي لا يستبعد فيه المحللون الاستخباريون وعدد من العلماء إمكانية ظهوره في مختبر ومن الناحية الفنية ولكن لا تتوفر أدلة على هروب الفيروس من منشآت في ووهان”.
وقالت الصحيفة إن “معظم العلماء يجادلون أن معظم الأدلة تشير وبقوة إلى أنه انتقل بطريقة طبيعية: تفاعل غير معروف حصل في الخريف الماضي سمح للفيروس القفز من وطواط أو حيوان آخر إلى الإنسان”.
ويعلق الكاتب أن شكوى بومبيو من ازدواجية الصين تساعد على إخفاء الطريقة السيئة التي أدار فيها الرئيس دونالد ترامب انتشار الفيروس في أمريكا. وتعكس شكاوى بومبيو حس الضحية الذي عادة ما يبدو في كلام ترامب والذي سيظل ترامب يردده في حملة إعادة انتخابه.
ويعلق ثارور أن وزير الخارجية بدا وكأنه ضلل الرأي العام من قبل. ففي بداية كانون الثاني/ يناير، قال إن الجنرال قاسم سليماني مثل تهديدا “محتوما” على أمريكا، وهو نفس الكلام الذي استخدمته إدارة ترامب لتبرير الغارة الأمريكية وقتلته بعد خروجه من مطار بغداد، مع أن مذكرة نشرتها لجنة في الكونغرس في شباط/ فبراير لم تشر لا من قريب أو بعيد للتهديد المحتوم.
ويبدو أكبر دبلوماسي أمريكي، ومهما كانت الجهود الدولية المبذولة لمواجهة الفيروس، مركّزٌ على مواجهة إدارة ترامب مع إيران والصين. ففي يوم الإثنين لم يشارك لا الرئيس أو وزير الخارجية في الاجتماع الذي دعت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والذي حضرته عدة دول بهدف جمع مليارات الدولارات لتمويل أبحاث إنتاج لقاح وفحوصات تواجه الفيروس.
وهناك جهود حثيثة للتوصل إلى لقاح فاعل، لكن إدارة ترامب تتعامل مع الصين كمنافسة بدلا من قيادتها وإرشادها. وقال جيرمي كونديك، الذي عمل مع إدارة باراك أوباما لتطوير رد على وباء إيبولا: “هذه أول مرة أشاهد مؤتمرا دوليا عن أزمة دولية وبهذه الأهمية تغيب عنه أمريكا”، وأضاف: “في ظل هذه الأمور غير الواضحة كان علينا وضع أنفسنا لأن ندعم ونستفيد منهم، وبدلا من ذلك يبدو أننا نركز على محاولة الفوز بالسباق على أن نكون الطرف الأنجح”.
وفي تصريحات مسؤولين أمريكيين لم يكشفوا عن هويتهم، لم يوضحوا سبب غياب واشنطن عن اجتماع مهم كهذا، ولكنهم قالوا إن الإدارة تقدم تمويلا مهما للجهود الدولية.
وأثنى عدد من القادة الذين حضروا المناسبة على الجهود التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية وما تقوم به من التنسيق لمواجهة الوباء، إلا أن إدارة ترامب اختارت جر المنظمة في خلافها مع الصين، وقررت في الشهر الماضي قطع التمويل الأمريكي لها.
ورحب بعض المحللين بالموقف المتشدد لبومبيو، ففي يوم الأربعاء كتبت ماري بيت لونغ التي عملت في إدارة جورج دبليو بوش بموقع “ويبينار” أن “تصريحات وزير الخارجية المتشددة ساعدت “بوضع حد لمحاولات الصين القيام بحملة علاقات عامة”.
ولكن البعض لم يكن متأكدا كما في مقال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” جاكسون ديهيل الذي كتب قائلا: “في الوقت الذي كافح القادة من أصحاب المسؤولية لاحتواء الفيروس واصل بومبيو موضوعاته المفضلة، وكأن شيئا لم يحدث” و”كان هذا صحيحا في حملة الضغط الأقصى ضد إيران التي تابعها أكثر من أي مسؤول” وحتى تلك الحملة تواجه عقبات.
فقد رفض بومبيو الدعوات في واشنطن لتخفيف العقوبات ولو مؤقتا عن إيران التي تواجه معركة مع فيروس كورونا. ولكنه الآن يقوم مع نوابه بمحاولة تمديد حظر تصدير السلاح التقليدي إلى إيران الذي سينتهي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
ومن أجل التغلب على الفيتو الصيني والروسي في مجلس الأمن يريد بومبيو ونوابه القول إن أمريكا لا تزال “مشاركا” نشطا في الاتفاقية النووية مع إيران والتي ألغتها أمريكا، في محاولة منهم لفرض عقوبات بما في ذلك حظر الأسلحة.
ويرى النقاد مفارقة في موقف إدارة ترامب التي تتمسك بالخيار الدبلوماسي الذي أنفقت أشهراً لتدميره. وكتب كل من تريتا بارسي وتيلر كاليس في مدونة تابعة لمعهد كوينسي: “بعد عامين من خروج الولايات المتحدة لا يزال الاتفاق قائما في وقت لم يعد لدى الإدارة خيارات لفرض عملية تفاوض جديدة” و”هي في وضع يائس حيث تحاول إقناع مجلس الأمن في الأمم المتحدة أنها لم تترك أبدا الاتفاقية. والدرس واضح للولايات المتحدة: التخريب الدبلوماسي يكلف حتى للقوة العظمى”.