تداولت مواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل منع مواطن فلسطيني مقيم في لبنان من الصعود إلى طائرة الإجلاء المتوجهة من دبي إلى بيروت، وذلك بعد إعادة فتح مطار رفيق الحريري الدولي الذي جرى إغلاقه سابقاً ضمن إطار الإجراءات الخاصة بمكافحة فيروس كورونا. وكان المهندس طارق أبو طه قد قصد مطار دبي واستكمل إجراءات السفر بعد أن ورد اسمه على لائحة المسافرين، إلا أن أحد ضباط الأمن العام اللبناني منعه، وأسمعه كلاماً مهيناً مفاده أن وثيقة السفر التي يحملها وتشير إلى أنه مواطن فلسطيني ولد في لبنان ويقيم فيه، هي وثيقة «زعران».
وتعقيباً على الواقعة أصدرت المديرية العامة للأمن العام اللبناني توضيحاً يفيد بأنها استندت في المنع إلى قرار مجلس الوزراء الذي يحصر الإجلاء بالمواطنين اللبنانيين في هذه المرحلة، على أن تجري في مراحل لاحقة عودة غير اللبنانيين الذين يحق لهم الدخول إلى البلاد. لكن هذا التبرير يتناقض بوضوح مع التعميم الذي وزعته الحكومة اللبنانية على السفارات والبعثات في الخارج، والذي ينص في البند السادس منه على إجلاء «اللبنانيين والأشخاص ذوي إقامة صالحة في لبنان»، وهذا ينطبق على المواطن الفلسطيني الذي مُنع من صعود الطائرة.
تعميم الأمن العام اللبناني الذي تلقته شرطة طيران الشرق الأوسط يؤكد على «عدم السماح بالعودة إلى لبنان على متن طائرات الإجلاء، للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان (أي إن كان وثيقة سفر فلسطينية أو جواز سلطة) والخدم». والسؤال هنا عن كيفية لجوء مديرية ما إلى اتخاذ إجراءات تتناقض مع تعليمات الحكومة اللبنانية الصريحة، بل إنها تخاطب شركة طيران مباشرة من دون المرور عبر الجهات الرسمية المسؤولة في الوزارة أو الدولة. وليس وعد المديرية بالتحقيق مع الضابط الذي أهان المواطن الفلسطيني إلا من قبيل دفع الحرج الشكلي، لأن نبرة الإهانة ماثلة بوضوح في تعميم يساوي بين الفلسطينيين و«الخدم»، مع الاحترام لكل المهن والفئات الإنسانية.
كذلك يتناقض إجراء الأمن العام اللبناني مع سابقة قريبة العهد أشارت إليها «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني»، وهي جهة حكومية، في أن عملية الإجلاء الأولى لم يُطبق عليها هذا الإجراء، الأمر الذي يتعارض مع الجهود الحثيثة التي تُبذل دائماً لوضع مسار العلاقات اللبنانية في إطارها السياسي والاجتماعي والصحي السليم. وإذا صح أن هذا السلوك التمييزي العنصري لا يشمل جميع عناصر وأجهزة هذه المديرية، وأن الواقعة أثارت غضبة العديد من المواطنين اللبنانيين الشرفاء الذين سارعوا إلى إدانتها، فإن منطوق تعميم المديرية ذاته يحتاج إلى وقفة جدية ويتطلب التعديل الفوري.
وليست جديدة حيثيات انتقاص الحريات العامة والمدنية والمهنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والقيود الكثيرة التي تُفرض عليهم من حيث المسكن والانتقال والدراسة والمنع من مزاولة قرابة 72 مهنة، مع العلم أن الفلسطيني اللاجئ ممنوع من العودة إلى بلده، ووجوده في لبنان يغني الحياة الاقتصادية اللبنانية من خلال ميزانية الأونروا وتحويلات المهاجرين إلى ذويهم. وكان المأمول أن تتكفل جائحة كورونا بالتخفيف من التشدد في المعاملة لأسباب صحية وإنسانية على الأقل، ولكن سلوك الأمن العام اللبناني الأخير يبرهن أن الوضع على حاله، بل يزداد سوءاً.
القدس العربي