أثارت تصريحات كتلة “بدر” في البرلمان العراقي، التي طالبت الولايات المتحدة الأميركية بإعطاء العراق “الأولوية في الدعم والمساندة”، تساؤلات عدة عن احتمالية تراجع الخطاب التصعيدي الذي مارسته القوى القريبة من إيران بخصوص العلاقة مع واشنطن، بعد مرور حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في البرلمان العراقي، وأشارت إلى إمكانية أن تحاول تلك القوى صناعة التسويات مرة أخرى بعد أن كان التصعيد يتسيد الموقف في الأشهر الماضية.
وقال رئيس الكتلة محمد الغبان في بيان، “بعد أن جرى تمرير حكومة الكاظمي في مجلس النواب، وحصولها على دعم دولي وإقليمي وداخلي كبير، ندعو الولايات المتحدة ألا تعتبر تمرير الحكومة انتصاراً لها وخسارة لخصومها في العراق والمنطقة”.
وأضاف “القوى السياسية العراقية غلبت مصلحة العراق على الحسابات الأخرى كافة، بالتالي فإن على واشنطن أن تبرهن على اهتمامها بالعراق بإعطائه أولوية في المساندة والدعم في هذا الظرف الحرج، وأن تؤكد للشعب العراقي جديتها في تقديم المساعدة له، وليس انحيازها لطرف سياسي عراقي ضد آخر”.
وتابع “الموقف الأميركي على المحك اليوم، والعراقيون يراقبون من يقف معهم عملياً ممن يكتفي بإطلاق المواقف والتصريحات”.
طهران ومحاولات التسوية
ولعل ما جرى لا يخرج من سياق محاولة طهران التهدئة في الوقت الحالي، نظراً للظروف الاقتصادية والضغوط السياسية التي تواجهها، فضلاً عن فقدان التيارات السياسية والفصائل المرتبطة بها التأييد الشعبي في الداخل وتنامي حالة الرفض لها بعد احتجاجات أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.
ويرى مراقبون أن جملة عوامل لعبت دوراً في تراجع خطابات التصعيد ضد واشنطن في العراق، أبرزها الظروف المالية السيئة التي تمر بها البلاد، والمخاوف من استمرار استهداف أميركا لتلك القوى، فضلاً عن إمكانية أن تُفتح ملفات تتعلق باتهامات طاولت تلك الجهات في قضية قمع الاحتجاجات.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الشعبية كانت عاملاً رئيساً في تغيير معادلة القوى داخل العراق وتفكيك قوة التيارات القريبة من إيران، إلا أن قضية دمج ألوية المرجعية بالقائد العام للقوات المسلحة وخروجها من عباءة “الحشد الشعبي” أخيراً، كان لها أثر آخر في محاولة تلك القوى العودة إلى حالة التسوية مرة أخرى.
تغير شعارات المحور الإيراني
ويبدو أن كل تلك العوامل دفعت طهران إلى محاولة التقليل من التصعيد، والذهاب صوب تسوية تضمن بقاء فاعلية نسبية للقوى المرتبطة بها في العراق، ما فرض على تلك القوى اتخاذ مواقف أكثر هدوءاً بالتعاطي مع واشنطن، إضافة إلى المخاوف من الملاحقات القانونية واستمرار الاستهدافات.
وفي السياق ذاته، قال السياسي البارز أثيل النجيفي في تغريدة على “تويتر”، إنه “بعد أن تغيّرت شعارات المحور الإيراني من المطالبة بخروج القوات الأجنبية إلى التعاون مع الولايات المتحدة، نجدهم يطالبونها بالحفاظ على وضعهم السياسي، وهذا ما سيحاول النواب ترسيخه إذا لم يسبقهم الشعب بمطالبة واسعة بانتخابات سريعة، يثق الشعب بنزاهتها”.
وتناول ناشطون تصريحات الغبّان بنوع من السخرية، بعد تبدل موقف تلك القوى من الولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن وجهت أطراف عدة مقربة من إيران، اتهامات للمحتجين في وقت سابق بأنهم يتلقون دعماً من واشنطن، ما جعلهم يعيدون ترويج التهم ذاتها التي وجهت لهم بسياق ساخر لتلك القوى.
ليس إعلان هدنة
ومن المؤمل أن تُعقد مفاوضات رسمية في يوليو (تموز) المقبل، بين بغداد وواشنطن، لبحث الوجود العسكري الأميركي ومستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين، بعد التصعيد الكبير الذي شهدته البلاد وقرار البرلمان العراقي القاضي بإخراج القوات الأجنبية.
وفي سياق متصل، قالت النائب في البرلمان العراقي عن كتلة “بدر”، ميثاق الحامدي، إن “موقف رئيس الكتلة لا يمثل إعلان هدنة مع الولايات المتحدة الأميركية، بسبب قرب موعد التفاوض بين بغداد وواشنطن المقرر الشهر المقبل، كما فسره البعض”، مضيفة في تصريحات صحافية، “بيان الغبان جاء ليكشف للعراقيين أنّ أميركا صديقة للعراقيين أم عدوة لهم”.
وأشارت إلى أن “البيان ليس إعلان هدنة، إنما هو تحدٍ من أجل كشف حقيقة الولايات المتحدة الأميركية للعراقيين”.
ألوية المرجعية وتغيّر المواقف
من جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، إن “تراجع الدور الإيراني في العراق كان نتيجة الظروف التي تمر بها، لأنها أمام خيارين إما الحرب أو التفاوض ووضعها لا يسمح بالحرب أو التصعيد”.
وتابع أن “إيران شعرت أنها خسرت العراق عبر فشل حلفائها الذين باتوا غير قابلين لإعادة تدويرهم سياسياً مرة أخرى، ما دفعها مضطرة لتبني هذا الخيار”.
تمهيد الطريق لحصر السلاح بيد الدولة
بدوره، قال الكاتب والإعلامي فلاح الذهبي إن “إمساك الإصلاحيين بملف إدارة العلاقات الخارجية في إيران، أدى إلى هذا التراجع بالمواقف إزاء الولايات المتحدة، فضلاً عن أن الإعفاء الأميركي بخصوص استيراد العراق للطاقة من إيران أسهم في صناعة التسوية”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “ترشيح عبد الوهاب الساعدي لرئاسة جهاز مكافحة الإرهاب فيه رسالة للأطراف المسلحة، لأن سوء العلاقة بينه وتلك الأطراف كانت سبباً لإخراجه من الجهاز”.
وتابع أن “الكاظمي بدأ قراراته بشكل حازم مع القوى القريبة من طهران، والأشهر الأربعة المقبلة ستكون امتحاناً له لمعرفة مدى جديته في قضية نزع سلاح الميليشيات”، مبيناً أن “إيران تبدو متماهية مع تلك الخيارات نظراً لظروفها الاقتصادية الصعبة والمناخ الدولي غير المتوافق مع سياساتها الخارجية”.
وأشار إلى أن “خيارات الكاظمي في الوزراء الأمنيين وتحديداً وزارة الداخلية، ستمهد الطريق لمسألة حصر السلاح بيد الدولة وإعادة هيكلة الوزارة بعيداً من نفوذ القوى القريبة من إيران”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي