القضايا والمشاكل المتراكمة التي تواجهها الكويت منذ فترة طويلة وأمكن من قبل حجبها لسنوات بفعل الوفرة المالية، لم تعد اليوم تحتمل التأجيل بسبب الوضع الاقتصادي الذي زادته تعقيدا أزمة كورونا وتهاوي أسعار النفط، الأمر الذي قد يضطر البلد إلى الركض لتدارك ما فاته بعد أن رفضت طبقته السياسية السير في طريق الإصلاح خطوة خطوة.
الكويت – تقرّر، الأحد، في الكويت عقد جلسة برلمانية لمناقشة الأوضاع المالية للبلاد، وذلك غداة كلمة للأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حذّر فيها من تداعيات جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط على الاقتصاد الكويتي ودعا خلالها إلى شدّ الأحزمة وترشيد النفقات.
وقال مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمّة الكويتي (البرلمان) إنّ المجلس ينوي عقد جلسة، الأربعاء المقبل، لمناقشة الميزانية العامة للدولة والبدائل التمويلية المتاحة وكذلك التعاقدات المالية الحكومية خلال أزمة فايروس كورونا.
وأوضح في تصريحات صحافية أنّ جدول الأعمال يشمل أيضا عرض وزير المالية للوضع المالي للدولة وتأثيرات الأزمة عليه.
وذكر أنّ رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد طلب تأجيل الجلسة إلى ما بعد العيد نظرا لانشغال كثير من الكوادر الحكومية في أزمة كورونا، لكن مكتب مجلس الأمة قرّر بعد الاستماع لكافة وجهات النظر توجيه الدعوة لعقد الجلسة في الموعد المذكور، معربا عن أمله في تلقي رد إيجابي من رئيس الوزراء بشأن حضور الجلسة.
وبدا خلال الفترة الأخيرة، أن الكويت تسير نحو أزمة حادّة لم تعد تحتمل تأجيل معالجة الملفات المتراكمة على مدار سنوات طويلة ومواجهة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أمكن خلال فترات ماضية حجبها بفعل الوفرة المالية المتاحة بفضل ثراء العائدات المتأتية من النفط.
وبالتوازي مع عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية، باتت الكويت تواجه مشاكل اجتماعية غير معهودة من ضمنها مشكلة البطالة الناجمة عن غرق سوق العمل بأعداد هائلة من العمالة الوافدة والناشطة في مختلف القطاعات والاختصاصات بما في ذلك الأعمال البسيطة التي لا تحتاج إلى كفاءة استثنائية تستوجب جلب عمّال من الخارج.
ولا يخلو البلد من إشكالات سياسية تجلّت على وجه الخصوص في العلاقة المضطربة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والصراعات الدائمة بين أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان، على قضايا تُغلّف عادة بالمصلحة الوطنية وهي في الغالب ذات صلة بمصالح فئوية وبتصفية حسابات شخصية وحزبية.
وكثيرا ما أفضت تلك الصراعات إلى إقالة الحكومات وإبطال البرلمانات قبل أن تستكمل مددها القانونية، الأمر الذي أثّر سلبا على تواصل العمل الحكومي والتشريعي وأضعف عملية أخذ القرارات وعطل عملية الإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في كثير من مفاصل الدولة.
وكان الشيخ صباح الأحمد قد وصف في كلمة أدلى بها السبت بمناسبة اقتراب الأيام العشرة الأواخر من شهر رمضان، جائحة كورونا بأنّها امتحان يستوجب استخلاص العبر والعظات منه، داعيا إلى ترشيد الإنفاق الحكومي والعمل على تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على عوائد النفط.
وسبّب تهاوي أسعار النفط حالة من القلق الاستثنائي في الكويت كون البلد الذي ينتج يوميا قرابة 2.8 مليون برميل من البترول يعتمد على هذه السلعة في توفير حوالي 90 في المئة من إيرادات موازنته.
ويتوقّع أن يتضاعف عجز الموازنة الكويتية لهذا العام، خصوصا وأنّ البلد مجبر على الالتزام بخفض إنتاجه اليومي من النفط بنحو 640 ألف برميل يوميا تنفيذا لاتفاق مجموعة “أوبك +” الهادف إلى الحدّ من تراجع الأسعار.
وقال الشيخ صباح في كلمته “يمر علينا شهر رمضان المبارك في ظل تطورات انتشار وباء كورونا المستجد وتداعياته المتسارعة حيث أصبح العالم يواجه بسببه مشاكل قصوى مما أوجب تظافر جهود المجتمع الدولي بأسره وتكاتف العلماء وذوي الاختصاص ومراكز البحوث الطبية لإيجاد لقاح ناجع لهذا الوباء”.
وأشار إلى أنّ الجائحة هزّت أركان اقتصاد العالم ونحن جزء منه، مشيرا إلى أنّ “كويت الغد تواجه تحديا كبيرا وغير مسبوق يتمثل في الحفاظ على سلامة ومتانة اقتصادنا الوطني من الهزات الخارجية الناجمة عن هذا الوباء ولاسيما التراجع الحاد في أسعار النفط وانخفاض قيم الأصول والاستثمارات مما سيؤثر سلبا على الملاءة المالية للدولة”.
وقضية إصلاح الاقتصاد الكويتي مطروحة بشدّة في الخطاب السياسي للبلد منذ سنوات، دون أن يتمّ بالفعل اتخاذ خطوات عملية في اتجاه تنويع المصادر والحدّ من الهدر ومحاربة الفساد الذي يوصف بأنّ معدّلاته مرتفعة.
وذكّر أمير الكويت في هذا الصدد قائلا “دعوت في العديد من المناسبات إلى تركيز جهودنا على بناء اقتصاد مستقر ومستدام أساسه الإنسان مستغلين ثرواتنا الطبيعية التي حبانا الله بها. كما وجهت إلى مراجعة منهج ونمط حياتنا اليومية وترشيد استغلال مواردنا وتقليل الاعتماد على الغير في أعمالنا”.
ودعا “الحكومة ومجلس الأمة في ظل هذه الظروف إلى التكاتف والعمل على تطوير برنامج يرشد الإنفاق الحكومي ويضع الخطط لتقليل الاعتماد على مورد واحد ناضب”.
وتتحمّل الدولة الكويتية أعباء كبيرة بسبب سخاء التقديمات الاجتماعية، وهي ظاهرة تعود إلى سنوات الوفرة المالية التي عرفتها البلاد بسبب ارتفاع أسعار النفط، وهو وضع يصعب تغييره اليوم بسرعة دون أن يتسبّب في صدمة اجتماعية بعد أن اعتاد الكويتيون على مستوى عال من الرفاه.
وأثار مقترح تعديل على قانون العمل في القطاع الخاص، تقدّمت به الحكومة الكويتية مؤخّرا في إطار إجراءاتها لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على القطاع، عاصفة من الاعتراضات الشديدة، كون التعديل المذكور يتضمّن، بحسب منتقديه والمعترضين عليه، مساسا بحقوق العمّال ويحمّلهم عبء إنقاذ المؤسّسات التي يعملون بها.
وجاءت تحذيرات أمير الكويت من تعقّد الوضع الاقتصادي عشية دخول البلاد في حظر شامل للتجوال أقرّ الجمعة ودخل الأحد حيز التنفيذ وذلك توقّيا من حدوث منزلق في عدد الإصابات بوباء كورونا بعد تسجيل معطيات سلبية بشأن انتشار الفايروس في الكويت.
العرب