هبط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى إسرائيل أمس بكمّامة تمثّل العلم الأمريكي متوقّعاً أثرا إيجابيا لهذه الحركة الرمزيّة على مستقبليه الإسرائيليين من حكومة «الوحدة الوطنية»، وذلك بعد نجاة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من قرار لـ»المحكمة العليا» كان يمكن أن يمنعه من ترؤس الحكومة، وقبول خصمه الانتخابي، بيني غانتس، رئيس تحالف لوني العلم الإسرائيلي، «أزرق أبيض»، بالتخلّي أيضا عن وعوده السابقة بالامتناع عن الاشتراك في حكومة مع نتنياهو.
أهداف زيارة بومبيو «الخاطفة» لإسرائيل، ستركّز حسب أقواله، على «القضية الإيرانية» وخطة ضم المستوطنات، و«على مواضيع إقليمية أخرى»، وهو لن يكون ملزما، حسب بروتوكولات القادمين من الخارج، بالحجر الصحي، وستكفي الكمامة الطريفة واتباع قواعد وزارة الصحة حول «الابتعاد الاجتماعي» خلال لقاءاته مع نتنياهو وغانتس ورئيس الموساد يوسي كوهن ووزير الخارجية الجديد، رئيس الأركان السابق، غابي أشكنازي.
تزامن ذلك مع تصريحات لجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره المدلّل، ومهندس «صفقة القرن» البائسة، تلمّح إلى أنه لا يستطيع أن يضمن إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في موعدها المحدد بسبب وباء كوفيد 19، والتصريح، كما هو واضح، مرتبط بعلاقة كوشنر الغريبة بتنسيق شؤون الوباء، رغم أن موضوع الانتخابات ليس من صلاحياته بل من صلاحيات الكونغرس، وهو ما دفعه لتعديل قوله والاعتراف إن «هذا ليس قرارا أتخذه أنا»!
وإذا ربطنا هذه الوقائع مع تكرّر استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع مستمر في شعبيّة ترامب، فإن الواضح أن إدارة ترامب بدأت بتفحّص كافة السيناريوهات التي يمكن أن تساعد الرئيس الأمريكي في استعادة شعبيّته، وخصوصاً ضمن قاعدة الناخبين من «الإيفانجيليين»، والذين منحوه نسبة كبيرة من أصواتهم في انتخابات الرئاسة عام 2016 أمام هيلاري كلينتون.
لعبت الطريقة الكارثية في التعاطي مع انتشار فيروس كورونا المستجد دورا كبيرا في تراجع ترامب، وهو ما يجعل أصوات اليمين المسيحانيّ المتطرّف شديدة الأهمية، وهو ما يفسّر تسارع خطوات الإدارة الأمريكية بهذا الاتجاه، وهو ما عبّر عنه السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان في تصريحاته الأخيرة الواضحة في محاولة تعجيل قرارات الحكومة الجديدة بضم الأغوار ومستوطنات الضفة الغربية، وهو ما سيرضي زعماء الكنائس الإيفانجيلية الأمريكية وأتباعها، وقد يعيد ترامب إلى مقدّمة السباق الرئاسي.
تجري هذه الأحداث كلّها في وقت تعاني فيه أمريكا من كونها البلد الأكثر إصابات بكوفيد 19 في العالم حيث بلغ عدد المصابين قرابة المليون ونصف المليون (قرابة 33٪ من مجمل إصابات العالم) وتجاوزت الوفيّات 83 ألف ضحيّة (قرابة 29٪ من مجمل وفيّات العالم)، والواضح أن بيع الفلسطينيين وإيقاع مزيد من الظلم الهائل ضدهم لصالح إسرائيل وحكومتها العنصريّة هو الورقة الأكثر أهمّية، والأقل بالخسائر المتوقعة عالميّا بالنسبة لترامب ورهطه، مقارنة بشنّ حرب ضد إيران، ولوم الصين على نشر فيروس كورونا.
بومبيو جاء ليكمّم الفلسطينيين تنفيذا لرغبات رئيسه في تحسين حظوظه بالانتخابات الرئاسية، فالمهم بالنسبة لترامب هو إنجاز «الصفقات»، ولا يهمّ هنا التضحية بالنظم والقوانين الأممية، ولا بحقوق الشعوب الرازحة تحت ثقل ظلم تاريخيّ فظيع.
القدس العربي