بالكاد تعافت تركيا من أول ركود اقتصادي لها خلال عشر سنوات، ليضربها فيروس كورونا بقوة، مما جعل الاقتصاد على وشك الانهيار مجدداً، كما جعل خيارات الرئيس رجب طيب اردوغان محدودة.
«بطالة على نطاق واسع، انهيار القطاع السياحي وعملة غير مستقرة». هكذا يلخّص أتيلا ياسيلادا، الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث «غلوبل سورس بارتنرز»، الحالة في تركيا بالقول إن «الوضع سيء للغاية».
ففي مارس/آذار، كشف الرئيس التركي النقاب عن خطة لإنعاش الاقتصاد وأعلن رفعاً تدريجياً للقيود في الشهرين الحالي والمقبل لتحفيز القوة الاقتصادية العالمية الـ19 من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي تبلغ قيمته 710 مليارات يورو.
لكن الخبراء الاقتصاديين يتوقعون ركوداً مؤلماً، ويتحدث بعضهم حتى عن لجوء تركيا إلى «صندوق النقد الدولي»، الأمر الذي لطالما رفضه اردوغان.
وإذا كان الأتراك يعتبرون أن اسم رئيسهم لطالما ارتبط بالازدهار، إلا أن الاقتصاد أصبح «نقطة ضعفه»، وفق قول سونر كاغابتاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بسبب نمو ضعيف (0.9% عام 2019) ومعدّل بطالة مرتفع (13.6% في فبراير/شباط) وتضخّم هائل (10.97% في أبريل/نيسان).
وبسبب هذه الأرقام السيئة تكبّد اردوغان نكسة مدوية في الانتخابات البلدية العام الماضي، وخسر إسطنبول وأنقرة.
وقال كاغابتاي «ليس هناك من اقتراع مرتقب في تركيا قبل العام 2023، لكن شعبيته تتدهور، وهو يدرك أنه سيكون من الصعب (…) تجاهل الدعوات لانتخابات مبكرة إذا انهار الاقتصاد».
وفيما كانت أنقرة تعوّل على معدّل نمو يبلغ 5% لعام 2020، يتوقّع «صندوق النقد الدولي» حالياً انكماشاً للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% وبطالة بنسبة 17.2%.
ويعكس تدهور قيمة الليرة التركية، بنسبة تقارب الـ15% مقابل الدولار منذ مطلع العام، القلق في الأسواق. ففي مطلع الشهر الحالي، بلغت الليرة التركية أدنى مستوى لها في التاريخ، عندما سجلت 7.24 مقابل الدولار الواحد.
وهذا الأمر يزيد م قيمة الدَين الساحق بالعملات الأجنبية الذي يُثقل كاهل القطاع الخاص.
وتضرر القطاع السياحي، الذي سجّل أرباحاً بأكثر من 31 مليار يورو في البلاد العام الماضي، جراء تعليق الرحلات منذ شهرين.
ومن أجل تجنّب توقف النشاط الاقتصادي، اختار اردوغان أثناء تفشي الوباء تدابير محددة الأهداف، مثل فرض عزل فقط في عطلة نهاية كل أسبوع.
ومقابل الأرقام الاقتصادية القاتمة التي تسجّلها تركيا، يتوقع خبراء أنه لن يكون لديها خيار سوى طلب مساعدة «صندوق النقد الدولي».
ولجأت أنقرة إلى هذا الصندوق 19 مرة في تاريخها. لكن بالنسبة لاردوغان المدافع عن السيادة الوطنية، سيشكل ذلك اذلالاً مهيناً.
ويعتبر مكتب «كابيتل إيكونوميكس» الاستشاري في مذكرة أن «ذلك سيكون حلّه الأخير (…) سيستنفد كل الخيارات الأخرى قبل أن يطلب خطة إنقاذ».
وفي الوقت الراهن، تعوّل أنقرة على اتفاقات «مقايضة»، وهي آلية آمنة تهدف إلى تجنّب حصول نقص في التزوّد بالعملات الصعبة، مع المصارف المركزية الأجنبية، خصوصاً البنك المركزي الأمريكي.
وهذا ما يفسّر «تقارب» أنقرة من واشنطن خصوصاً مع إرسال معدّات طبية، وفق قول كاغابتاي. ولا يزال في يد اردوغان بعص الأوراق التي يمكن أن يلعبها.
ويُفترض أن يخفف تراجع أسعار النفط من نسبة التضخّم، حسب «البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية» الذي يتوقع «انتعاشاً قوياً» للنمو التركي في العام 2021.
ويمكن لأنقرة أن تستفيد أيضاً من نية الشركات الأوروبية أن تقرّب جغرافياً سلاسلها الإنتاجية لكسب أقسام من السوق واستقطاب استثمارات. ويشير ياسيلادا إلى أن «ذلك يخلق فرصاً لتركيا. فلديها رواتب متدنية ويد عاملة مؤهلة، وقد برزت دائما من خلال تقديم سلع عالية الجودة في الوقت المناسب».
ويرى أيضاً أن تركيا وبإثباتها صلابة نظامها الصحي، يمكن أن تستفيد أيضاً بعد انتهاء أزمة الوباء، من ازدهار قطاع السياحة الطبية لديها. وبرزت تركيا بعدد وفيات 19 منخفض نسبياً بسبب جائدحة كورونا: حوالي 4200 وفاة من أصل 150 ألف إصابة، وفق الحصيلة الرسمية.
القدس العربي