خيارات محدودة أمام أردوغان لإنقاذ الاقتصاد المنهار

خيارات محدودة أمام أردوغان لإنقاذ الاقتصاد المنهار

تصارع الحكومة التركية أزمة اقتصادية حادة ظهرت بوادرها حتى قبل ظهور فايروس كورونا وتفشيه في البلاد. ويجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه أمام خيارات محدودة لمجابهة أزمة مزدوجة قد تكون آثارها مدمرة على الوضع الاقتصادي وعلى مستقبله السياسي خاصة مع ظهور تراجع كبير في شعبيته وتواتر التقارير التي تشير إلى أن توجهات الناخب التركي ما بعد كورونا لن تكون مثلما كانت في السابق.

إسطنبول – وصل الوضع الاقتصادي المأزوم في تركيا إلى مرحلة سيئة جدا تنذر بأن المرحلة القادمة ستكون أكثر قتامة ويصعب احتواؤها من قبل النظام التركي.

وبات الاقتصاد التركي خاصة بعد تفشي فايروس كورونا على وشك الانهيار مجدّدا، وذلك رغم كشف الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطة لإنعاشه بإعلانه رفعا تدريجيا للقيود في مايو ويونيو لتحفيز القوة الاقتصادية العالمية الـ19 من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي تبلغ قيمته 710 مليارات يورو.

لكن خبراء الاقتصاد في تركيا يتوقعون ركودا مؤلما ويتحدث بعضهم حتى عن لجوء تركيا إلى صندوق النقد الدولي، الأمر الذي لطالما رفضه أردوغان.

وتجد الحكومة التركية نفسها أمام خيارات محدودة قد تجبر أردوغان مكرها على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كآخر خطة لتفادي الانهيار، وهو حل يرى فيه خبراء أتراك أنه يربك خيارات الرئيس التركي الذي لا يريد الظهور داخليا ودوليا في موضع الضعيف.

ويحمل خبراء الاقتصاد في تركيا انزلاق الوضع المالي في البلاد خاصة خلال الحرب على جائحة كورونا أو عبر تضخم الديون الخارجية لأردوغان ولسوء إدارته سياسيا واقتصاديا ما جعل تركيا تتراجع في السوق الدولية وتتذيل قائمة الأسواق الناشئة.

ويحذر هؤلاء من أن يؤدي تعنت الرئيس التركي وإصراره على نهج نفس المسار المليء بأخطاء سابقة إلى دمار تام للاقتصاد التركي ستكون له عواقب وخيمة داخليا وخارجيا.

انتشرت البطالة في تركيا على نطاق واسع بعدما انهار القطاع السياحي والعديد من القطاعات الأخرى المرتبطة به بصفة مباشرة أو غير مباشرة ما سيجعل الشارع التركي أكثر احتقانا مما سبق في علاقة بتوجهات الحكومة.

ويلخّص في هذا الصدد أتيلا ياسيلادا، الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث “غلوبل سورس بارتنرز” الحالة في تركيا بالقول إن “الوضع سيء للغاية”.

وإذا كان الأتراك يعتبرون أن اسم رئيسهم لطالما ارتبط بالازدهار، إلا أن الاقتصاد أصبح نقطة ضعف، وفق قول سونر كاغابتاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بسبب نمو ضعيف (0.9 في المئة عام 2019) ومعدّل بطالة مرتفع (13.6 في المئة في فبراير) وتضخّم هائل (10.97 في المئة في أبريل).

وبسبب هذه الأرقام السيئة تكبّد أردوغان نكسة مدوية في الانتخابات البلدية العام الماضي، وخسر إسطنبول وأنقرة.

وقال سايمون تيسدول الكاتب في صحيفة الغارديان البريطانية “استدعى الفايروس في تركيا الكثير من الأخطاء إلى ساعة الحساب. فلم يؤد الاقتصاد الهش هيكليا، وملاحقة المجتمع المدني ووسائل الإعلام، ومناخ الخوف الذي أوجده أردوغان، إلى جهد وطني موحد في مواجهة الوباء، ما دفع المحللين إلى توقع اقتراب عهد الرئيس السلطان من نهايته”.

وتشير راهنا أغلب استطلاعات الرأي في تركيا إلى أن الناخبين الأتراك يعتقدون أنّ الوباء سيغير ولاءهم السياسي، وأن كورونا سيدفعهم إلى اختيار بدائل سياسيّة مختلفة عن تلك التي صوّتوا لها في انتخابات سابقة.

ويستبعد مراقبون أن يلتزم غالبية الناخبين بالأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية الحاكم بالتصويت لفائدته في محطات قادمة، خاصة أنّ الأزمة غيّرت مزاجهم وفرضت عليهم ضرورة البحث عن بدائل جديّة يمكن أن تخرج البلاد من أزماتها.

ولعبت الانتقادات الكثيرة لأداء أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في التعامل مع أزمة انتشار فايروس كورونا التي أثّرت بشكل كبير على الاقتصاد، دورا في إثارة ردود أفعال كثيرة وصلت إلى دعوة بعض الأتراك لإجراء انتخابات مبكرة في البلاد، والإيحاء بأنّ هناك انتخابات قد تلوح في الأفق قبل موعدها المقرر في عام 2023.

وقال كاغابتاي في هذا الصدد “ليس هناك من اقتراع مرتقب في تركيا قبل العام 2023 لكن شعبية أردوغان تتدهور وهو يدرك أنه سيكون من الصعب تجاهل الدعوات لانتخابات مبكرة إذا انهار الاقتصاد”.

بينما كانت أنقرة تعوّل على معدّل نمو يبلغ 5 في المئة لعام 2020، يتوقّع صندوق النقد الدولي حاليا انكماشا للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة وبطالة بنسبة 17.2 في المئة.

ويعكس تدهور قيمة الليرة التركية بنسبة تقارب الـ15 في المئة مقابل الدولار منذ مطلع العام، القلق في الأسواق. وبلغت الليرة التركية في مطلع مايو الجاري أدنى مستوى لها في التاريخ، فقد سجلت 7.24 مقابل الدولار الواحد.

ويزيد هذا الأمر الدين الساحق بالعملات الأجنبية الذي يُثقل كاهل القطاع الخاص، حيث تضرر القطاع السياحي الذي سجّل أرباحا بأكثر من 31 مليار يورو في البلاد العام الماضي، جراء تعليق الرحلات منذ شهرين.

ومن أجل تجنّب توقف النشاط الاقتصادي، اختار أردوغان أثناء تفشي الوباء تدابير محددة الأهداف، مثل فرض عزل فقط في عطلة نهاية كل أسبوع.

وفي مقابل الأرقام الاقتصادية القاتمة التي تسجّلها تركيا، يتوقع خبراء أنه لن يكون لديها خيار سوى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي. ولجأت أنقرة إلى هذا الصندوق 19 مرة في تاريخها، لكن بالنسبة لأردوغان المدافع عن السيادة الوطنية، سيشكل ذلك إذلالا.

ويعتبر مكتب “كابيتل إيكونوميكس” الاستشاري في مذكرة أن “ذلك سيكون حلّه الأخير، سيستنفد كل الخيارات الأخرى قبل أن يطلب خطة إنقاذ”.

وفي الوقت الراهن، تعوّل أنقرة على اتفاقات مقايضة، وهي آلية آمنة تهدف إلى تجنّب حصول نقص في التزوّد بالعملات مع المصارف المركزية الأجنبية، خصوصا البنك المركزي الأميركي.

ووفق قول كاغابتاي، هذا ما يفسّر “تقارب” أنقرة من واشنطن خصوصا مع إرسال معدّات طبية.

لكن رغم قتامة الوضع، فإنه لا يزال في يد أردوغان بعض الأوراق التي يمكن أن يلعبها، حيث يفترض أن يخفف تراجع أسعار النفط من نسبة التضخّم، بحسب البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الذي يتوقع انتعاشا قويا للنمو التركي في عام 2021.

وبحسب الخبراء، يمكن لأنقرة أن تستفيد أيضا من نية الشركات الأوروبية أن تقرّب جغرافيا سلاسلها الإنتاجية لكسب أقسام من السوق واستقطاب استثمارات.

ويشير ياسيلادا إلى أن “ذلك يخلق فرصا لتركيا. لديها رواتب متدنية ويد عاملة مؤهلة، وقد برزت دائما من خلال تقديم سلع عالية الجودة في الوقت المناسب”.

ويرى أن تركيا وبإثباتها صلابة نظامها الصحي، يمكن أن تستفيد أيضا بعد انتهاء أزمة الوباء، من ازدهار قطاع السياحة الطبية لديها.

ووفق الحصيلة الرسمية، برزت تركيا بعدد وفيات جراء كوفيد – 19 منخفض نسبيا: حوالي 4200 وفاة من أصل 150 ألف إصابة.

لكن رغم هذه الخيارات المتاحة، للنظام التركي لإنقاذ الوضع قبل فوات الأوان، ظهرت في المقابل بوادر غضب شعبي أكثر حدة من قبل خاصة مع مواصلة أردوغان وحزب العدالة التركيز على التمددّ خارجيا قبل النظر في الأزمات الحقيقية التي تحاصر الداخل التركي.

ويعتبر المراقبون أن أكثر ما يخشاه الرئيس التركي الآن هو أن يكون مرة أخرى أداة تنفذ إجراءات صندوق النقد الدولي في وقت يحاول فيه الظهور في موضع القوة عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

وينتقد الأتراك سياسات الرئاسة التركية القائمة على ترويج بروباغندا القوة عبر توظيف العشرات من الجمعيات الناشطة في الأعمال والخيرية والإنسانية التي تغدق عليها أموالا ضخمة لتلميع صورة تركيا.

كما بات رجب طيب أردوغان محاصرا بمساءلة شعبية حول الإنفاق العسكري الضخم الذي يوجه لدعم ميليشيات مقاتلة بالسلاح خلال السنوات الأخيرة في سوريا والآن في ليبيا.

العرب