في إطار سياستها في استغلال الدين في كسب العواطف وتجنيدها لصالح مشروعها التوسعي، أطلقت ثورة الخميني في إيران ما أسمته بيوم القدس العالمي؛ لتقدم فيه نفسها على أنها المناصر الأول لفلسطين والحامي الأول للإسلام. ويوم القدس العالمي هو اليوم الذي دعا إليه مرشد الثورة الإيرانية الأول الخوميني، وخصص له الجمعة الأخيرة من شهر رمضان. ودأبت إيران على تحويل هذا اليوم لهجوم على العرب، وخاصة دول الخليج، بزعم أن العرب هم من تخاذلوا عن نصرة القدس -رغم كافة الحروب التي شاركوا فيها ضد إسرائيل والأموال التي أنفقوها على الشعب الفلسطيني- فيما تصور نفسها على أنها الناصر “الأكبر” للقدس.
وتشارك المليشيات المسلحة العراقية المناصرة لإيران في إحياء يوم القدس العالمي تحت لافتة مناصرة القضية الفلسطينية، فيما تحرص على إعلان مناصرتها لإيران عبر الإشادة بدورها المزعوم في دعم القضية الفلسطينية، وتصويرها على أنها النصير الأبرز وربما الأوحد لها. حيث اختار صقور معسكر الموالاة لإيران في العراق مناسبة الاحتفال بما يُعرف بيوم القدس للتعبير، ولو شكليا، عن تواصل الحضور الإيراني على الساحة العراقية، في وقت تعيش فيه طهران إحدى أصعب فتراتها منذ قيام ثورة الخميني، في ظلّ توقّعات بأن تؤثّر أزمتها الحادّة على نفوذها في بلدان الإقليم، لاسيما في العراق الذي شهد مؤخّرا مجيء حكومة جديدة يُتوقّع أن يكون الحدّ من نفوذ إيران في البلد وبناء علاقات خارجية متوازنة مع مختلف الدول ضمن أهدافها الرئيسية.
وأغرقت ميليشيات عراقية مسلحة شوارع بعض المدن العراقية بصور شخصيات عسكرية إيرانية وأخرى دينية تلعب أدوارا سياسية بالتزامن مع يوم القدس الذي أقّرته إيران قبل أكثر من أربعة عقود، ما تسبب في موجة سخرية واسعة في أوساط السكان.
وأصرت الميليشيات الموالية لإيران على إنفاق أموال طائلة لتصنيع لوحات كبيرة جدا لزعيم الثورة الإيرانية في إيران آية الله الخميني وخليفته المرشد علي خامنئي وقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني وخليفته الجنرال إسماعيل قاآني، ونشرها في مواقع بمدينتي بغداد وديالى وسط استغراب السكان.
ويتمثّل جديد هذا العام في ظهور صورة زعيم الحوثيين في اليمن عبدالملك الحوثي وهو ما أثار سخرية واسعة في أوساط المتابعين. وتملأ أخبار الحوثيين العشرات من المحطات الفضائية والوكالات والمواقع الإخبارية العراقية التي تديرها إيران عبر ما يعرف باتحاد الإذاعات الإسلامية التابع للحرس الثوري. وسخر مدونون عراقيون من نشر صور كبيرة للحوثي في شوارع ديالى حتى اختلط الأمر لدى البعض بشأن كونه زعيما قبليا عراقيا.
ويقول السياسي الكردي ماجد شنكالي إن “41 سنة مرت على إطلاق إيران يوم القدس العالمي.. والنتيجة أنّ إسرائيل تعيش أمانا واستقرارا وتم تدمير اليمن وسوريا وقد يلحق بهما لبنان”.
ويرى الصحافي والكاتب العراقي مصطفى سعدون أنه “من حقك أن تحب شخصية ما وتعتز بها وتعلّق صورها، لكن أين؟ في بيتك، على ملابسك، في مكتبك، وليس في الشارع، لأن الشارع مساحة عامة، وفي حال نشرت الناس صور من تُحب، فمعناها سيتحول إلى ألبوم صور يولّد صراعات لا نهاية لها”. ويقول مراقبون إن الظهور الإيراني الفج في العراق مؤخرا عبر صور الخميني وخامنئي وسليماني وقاآني يكشف عن المأزق الذي تورطت فيه طهران وحوّلها إلى عدو لمعظم دول العالم.
والذي أثار غضب الشارع العراقي أن هذه المليشيات تمارس جرائمها بحق الشعب العراقي فتقتل وتعتقل دون قانون يردع ممارستها وجرائمها، في حين تدعي أنها ستحرر القدس معتقدين أن طريق القدس يمر على جثث الابرياء من العراقيين ونهب ثروات البلاد وتغييب وتهجر الآلاف من المواطنين.
إن الميليشيات الحليفة لإيران في البيئة العربية تؤدي دورها في استكمال مشروع اللادولة ليس فقط بالعراق وإنما في بعض الدول في المشرق العربي” لبنان حزب الله، وسوريا المليشيات الأفغانية والإيرانية والباكستانية، واليمن جماعة الحوثي، وتعطي إيران لمليشياتها في العراق أهمية كبيرة لمواصلة نفوذها، فالمليشيات هي دمى إيران في العراق التي تشكل تهديدًا أمنيًا له، تارة يأخذ تهديدها الاعتداء على المصالح الأمريكية وتارة أخرى رفع صور لشخصيات لا تمت للعراق بصلة، فتعمل على تقسيم المجتمع العراقي الذي هو بأشد الجاجة إلى التعاضد. فالمليشيات على هذا النحو ، لا تقل خطرها على حاضر ومستقبل العراق عن خطر تنظيم داعش الإرهابي.
فالإثنان وجهان لعملة واحدة، ويجب أن يكونا في ذاكرة”الماضي” العراق التاريخية، لأخذ الدروس والعبر منهما، ولا مكان لهما في حاضره ومستقبله ، ومن أجل تحقيق ذلك على القوى السياسية الوطنية الوقوف بقوة إلى جانب مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق من أجل تحقيق هذا الانجاز الوطني، وما اختياره عثمان الغانمي لوزارة الداخلية وجمعة عناد لوزارة الدفاع، وإعادة الكاظمي الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إلى دائرة مكافحة الإرهاب وتعيينه رئيسا للجهاز، إلا دليل على أهمية الشأن الأمني لمصطفى الكاظمي، لأن الكاظمي يدرك بشكل عميق أن الاستقرار الأمني هو الأساس الذي يبنى عليه كل الانجازات الأخرى.