يفسر بعض السياسيين المخضرمين في لبنان كلام المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان في خطبة عيد الفطر، ودعوته بكل صراحة إلى إسقاط الصيغة التي وضعها الرئيس الماروني بشارة الخوري ورئيس الحكومة السني رياض الصلح، بمثابة إعلان طلاق مع صيغة “الميثاق الوطني” والعيش المشترك، وانقلاب على اتفاق الطائف الذي نص على المناصفة بين المسلمين، السنة والشيعة من جهة، والمسيحيين من جهة أخرى.
كلام في السياسة قاله رجل دين، ما كان ليكون في موقعه الروحي، لولا ارتباطه الوثيق بالقيادات الحزبية الشيعية، أي حركة أمل و”حزب الله”، وفق ما يقول المرجع الشيعي العلامة السيد علي الأمين لـ “اندبندنت عربية”، المعروف بمواقفه المنتقدة لسياسة “حزب الله”. فهل نسق مع الحزبين قبل الإدلاء بكلام سيكون له ارتداداته على الداخل اللبناني؟ وهل قصد “حزب الله” جس النبض قبل طرح تغيير النظام، أو إسقاط الصيغة، كما قال قبلان، بالتزامن مع التطورات الإقليمية التي يتخوف من أن تكون على حساب سلاحه، فيكرس بالدستور ما يكسبه بقوة الأمر الواقع؟
لا موقف
في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لا تعليق على كلام قبلان وهم ينتظرون وفق ما أكدوا في اتصال مع “اندبندنت عربية” أن تنتهي الردود ليصار إلى تحديد الموقف. أما “حزب الله” فالتزم الصمت ولم تعلق قياداته إيجاباً أو سلباً على كلام المفتي الجعفري، ولم تستنكره.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فعبّر عن امتعاضه، ولكن ليس بشكل مباشر، بحيث وزعت مصادر مقربة منه استياءه من مضمون خطبة قبلان، علماً أنه كان قد سبقه بأيام إلى الرد على بعض قياديي التيار الوطني الحر الذين طالبوا بالفيدرالية، واصفاً مواقفهم بـ”أصوات النشاز”.
هل حان وقت المثالثة؟
يعود الحديث عن المثالثة، أي إعادة تقسيم السلطة السياسية في البلاد بين ثلث للمسيحيين وثلث للسنة وثلث للشيعة، في كل مرة تطرح فيها مسألة سلاح “حزب الله”.
أول من تحدث عن المثالثة كان إيران، خلال زيارة موفد وزير الخارجية الفرنسية جان كلود كوسران عام 2007 إلى طهران. إذ اقترح الإيرانيون المثالثة كتعويض سياسي لـ”حزب الله” مقابل تسليم سلاحه. سارع كوسران حينها إلى إبلاغ صديقه النائب مروان حمادة، الذي كان يستعد لإلقاء كلمة الافتتاح في حوار “Saint-Cloud”، الذي كانت باريس قد دعت إليه لتقريب وجهات النظر بين فريقي النزاع حينها 8 و14 مارس (آذار). ونصحه بالإشارة في كلمته إلى اتفاق الطائف كمدخل أساس لأي حوار والتمسك بنصه الداعي إلى المناصفة بين اللبنانيين، وذلك تمهيداً لتسجيل الموقف في محضر الاجتماع، لا سيما أن أحداً من ممثلي قوى 8 مارس، من المشاركين في الحوار وخصوصاً “حزب الله”، لم يعترض على الكلام. لكن المفارقة أن ممثل الحزب المسؤول السابق للعلاقات الخارجية نواف الموسوي تطور موقفه في اليوم التالي إلى رفض محضر الاجتماع.
عام 2012، عاد الحديث مجدداً عن المثالثة، مقنّعة باقتراح قدمه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب ألقاه في ذكرى رحيل المرشد السابق للجمهورية الإيرانية الخميني، نص على فكرة المؤتمر الوطني التأسيسي. وهي فكرة يقول عنها “حزب الله” إنها تهدف إلى بناء الدولة، فيما ينظر إليها خصومه على أنها تهديد للطائف والمناصفة.
مرجعيات شيعية تعترض
كثيرون داخل الطائفة الشيعية، ممن لا يدورون في فلك “حزب الله”، يعتبرون أن الكلام عن تغيير الصيغة اللبنانية الحالية أو الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي للوصول إلى المثالثة، لا يهدف إلى تحقيق مكاسب للطائفة الشيعية بقدر تعزيزه مصالح سياسة “حزب الله” وأجندته.
العلامة علي الأمين يرفض طرح المثالثة، ويعتبر أن الكلام عن إسقاط الصيغة هو مخالف لما اتفق عليه اللبنانيون جميعاً. ويضيف “اليوم كما في الأمس كنا ولا نزال متمسّكين بلبنان الواحد ومشروع الدّولة الواحدة، التّي تشكّل مرجعيّة لكلّ اللبنانيين في مختلف الحقول والميادين من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد والمذاهب والأديان من دون أن تكون هناك امتيازات في الحقوق لطائفة على أخرى”.
يتمسك الأمين باتفاق الطائف، قائلاً “لقد استجاب اتفاق الطائف لمعظم طموحات الشعب اللبناني في إرساء دعائم دولة المؤسسات والقانون، ونتمنى أن يأتي اليوم الّذي تصبح فيه الدّولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن الأمن والدّفاع والسياسة والاقتصاد”.
ويدعو إلى “إخراج الخدمات من أيدي الأحزاب والزعامات وجعلها محصورة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، فيصبح بذلك ارتباط المواطن بدولته التي تضمن له حقوقه وليس بالحزب وزعيم الطائفة الذي يجعل منها سلاحاً ضدّ الدّولة ومؤسساتهاعندما يشاء خدمة لأغراضه الشخصية أو وفاءً لارتباطاته الخارجية”.
دنيز رحمة فخري
اندبندت عربي