تشير الدلائل إلى أنّ السنة الأخيرة المتبقية من عمر ولاية الرئيس الإيراني حسن روحاني هي الأصعب، ليس فقط لتوالي التحديات والأزمات التي تواجهها البلاد، لا سيما منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي يُعرف رسمياً بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة”، إنما لأنّ مسار هذه الأزمات يتوازى مع ميل التوازنات السياسية الداخلية ونزعة المتشددين إلى السيطرة على مؤسسات الدولة.
وكانت مراقبة مسار الانتخابات البرلمانية التي عُقِدت في فبراير (شباط) الماضي، كافية لمعرفة ذلك، إذ أفسحت المجال لفوز وسيطرة المتشددين، بدءاً من معايير اختيار واستبعاد المرشحين، وتكتمل سيطرة المتشددين على البرلمان بانتخاب محمد باقر قاليباف رئيساً للبرلمان الإيراني، وهنا يثور التساؤل: لماذا يمثل انتخاب قاليباف تحدياً للرئيس حسن روحاني؟
في بدء الدورة البرلمانية، تحدّث روحاني عن أهمية التعاون بين البرلمان الذي يسيطر عليه خصومُه من المتشددين والحكومة، داعياً إلى إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية على الحزبية، وحثَّ على التعاون على الحرب ضد العقوبات الأميركية. تخوّف روحاني نابعٌ من احتمال عرقلة البرلمان عدداً من القوانين والمشروعات الاقتصادية والاجتماعية التي تنفّذها حكومة روحاني، بالتالي وجود برلمان يسيطر عليه المنافسون يعني توقف مشروعات القوانين التي كانت تُمرَّر في السابق من دون أي مقاومة، وذلك لسيطرة ما يُعرف بالتيار الإصلاحي على البرلمان، فضلاً عن مناقشة مجلس الشورى ميزانية الحكومة وسحب الثقة من وزرائها.
من المتوقع أن يصبح الطريق الصعب أمام الرئيس حسن روحاني في السنة المقبلة من ولايته أكثر صعوبة من قِبل الهيئة التشريعية الجديدة المحافظة، فقد جرى اختيار محمد باقر قاليباف رئيساً لمجلس الشورى الإيراني في الدورة الـ 11 للبرلمان بواقع 230 صوتاً من 264 صوتاً، ما أضاف دعامة أخرى إلى قوى التحالف المتشدد في إيران قبل إجراء انتخابات 2021 الرئاسية.
ومن المعروف أن عمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف، الذي حصل على المرتبة الأولى في التصويت على مقاعد البرلمان بطهران، كان خصماً لروحاني، فقد ترشّح للانتخابات الرئاسية مرات ثلاث آخرها في 2017، كما أنه قائد سابق لقوات الحرس الثوري، وكان مقرّباً من قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، لذا كان لديه دعم من المتشددين، وتعهّد خلال برنامجه الانتخابي الرئاسي خلق خمسة ملايين وظيفة، لكنه انسحب من الانتخابات الرئاسية عام 2017 لصالح دعم انتخاب إبراهيم رئيسي أحد رموز التيار المتشدد، ورئيس القضاء الحاليّ الذي كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية في مواجهة روحاني. كما كان لقاليباف دور في قمع المتظاهرين بطهران عامي 1999 و2003، وضد احتجاجات الحركة الخضراء التي أعقبت الانتخابات في 2009.
ولتكتمل حلقة تحديات التنافس الداخلي أمام روحاني، فإن قاليباف لن يكون فقط رئيس مجلس الشورى بأغلبيته المتشددة، إذ لا يقتصر عمل رئيس البرلمان على إدارة شؤونه فقط، بل له مقعدٌ في المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي إلى جانب الرئيس ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
وتأسس المجلس في 2018 بموجب مرسوم من المرشد الأعلى، وهو أعلى سلطة في الشؤون الاقتصادية، ويهدُف إلى مكافحة تأثير عقوبات الولايات المتحدة المفروضة على إيران، وكان معروفاً دوره الذي تخطّى صلاحيات البرلمان في اتخاذ قرار زيادة سعر البنزين 50 في المئة، الذي أيّده المرشد حينذاك. ويتخذ المجلس قراراته بالأغلبية، وهو ما يعني أنّ صوتين من أصل ثلاثة يكفيان لإصدار مرسوم، وهو يتشكّل حاليّاً من الرئيس حسن روحاني وإبراهيم رئيسي ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، ما يعني مزيداً من الضغوط على روحاني في البرلمان والمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي.
ومن ثمّ، فتلك المعطيات تشير إلى أنّ نمط التصويت داخل البرلمان الإيراني لن يسير في اتجاه تيسير عمل حكومة روحاني، بل في اتجاه تغيير التوازن السياسي لصالح المتشددين، كما أنّ السنة الأخيرة المتبقية في ولاية حسن روحاني ستكون الأصعب في ظل تحوّل كل المؤسسات لصالح التيار المتشدد، في الوقت الذي تخوض فيه إيران مواجهة مريرة مع الولايات المتحدة التي أعادت فرض عقوبات اقتصادية مؤلمة.
هدى رؤوف
اندبندت عربي