العراقيون يُعوّلون على الانتخابات لإطاحة أحزاب السلطة من البرلمان

العراقيون يُعوّلون على الانتخابات لإطاحة أحزاب السلطة من البرلمان

ينتظر العراقيون انتخابات تشريعية مُبكرة، بقانونٍ انتخابي جديد يختلف إلى حدّ كبير عن ذلك الذي ظلّ يرافق عمليات الاقتراع التي شهدتها البلاد كل أربع سنوات، منذ الغزو الأميركي عام 2003. ويأمل العراقيون خيراً من إشراف هيئة قضائية جديدة على هذه العملية، غير مفوضية الانتخابات التي حُلَّت، وكانت تتألف من أعضاءٍ تسميهم أحزاباً وكتلاً سياسية من مختلف الطوائف والقوميات، على غرار نمط تقاسم الأحزاب ذاتها المناصب في الحكومات المتعاقبة على البلاد. ويعتبر العراقيون أن قانون الانتخابات الجديد، وكذلك الاستحقاق المُبكر، مع الهيئة القضائية، هما الإنجاز الأهم حتى الآن الذي حققته التظاهرات الشعبية التي اندلعت في البلاد مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على الرغم من مخاوفهم مما يسمونه خبث أحزاب السلطة في التنصل من وعود إجراء الانتخابات المبكرة، التي تؤيدها مرجعية النجف العليا أيضاً، ممثلةً بالمرجع علي السيستاني، وكذلك فعاليات مدنية وشعبية مختلفة.

ويُنتظر أن يعقد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في الأيام القليلة المقبلة، اجتماعاً سيكون الثاني من نوعه مع أعضاء مفوضية الانتخابات الجديدة برئاسة القاضي جليل عدنان، وذلك بعد لقاء يتيم جمع الطرفين، قبل أن يحصل الكاظمي على ثقة البرلمان في التاسع من الشهر الحالي، ضم أعضاء المفوضية وجرى خلاله تأكيد أهمية الاستعداد لإجراء الانتخابات و”العمل على تعزيز الثقة بالعملية الانتخابية، وإجراء انتخابات نزيهة وعادلة”. وتعهد الكاظمي بأن تعمل حكومته على إجراء الانتخابات “استجابة لمقتضيات المرحلة، وإعادة إنتاج الثقة في العملية الانتخابية ومجمل النظام الانتخابي”.

وإثر اشتداد الاحتجاجات في العراق، وافق البرلمان نهاية العام الماضي على قانونٍ جديد للانتخابات ظلّ يمثل مطلباً أساسياً للمحتجين، لجعل الاستحقاق الانتخابي أكثر نزاهة. ويتيح القانون الجديد للناخبين اختيار أعضاء البرلمان على أساسٍ فردي، بدلاً من الاختيار من قوائم حزبية، وأن يكون كلُّ عضوٍ في البرلمان ممثلاً لدائرة انتخابية محددة، بدلاً من مجموعات المشرعين التي تمثل محافظات بأكملها. وكان المتظاهرون قد طالبوا ليس فقط بقانون جديد للانتخابات، بل أيضاً باستبعاد “الطبقة السياسية” بأكملها، واختيار رئيس وزراء مستقل لا ينتمي إلى أي حزب.
وأجريت عملية التصويت على القانون، الذي يعتبره مراقبون “المعضلة الأكبر” أمام الأحزاب السياسية، وسط غياب بعض الكتل التي لم تحضر جلسة التصويت احتجاجاً على رفضها القانون الجديد، ما يؤكد ضرره بالنسبة إليها. إلا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كان من الداعين له، واعتبر أن إقراره سيُقصي كل الأحزاب الفاسدة.


يخشى العراقيون مما يسمونه خبث أحزاب السلطة، في التنصل من وعود إجراء الانتخابات المبكرة العام المقبل


تكتل سياسي جديد
ويُعوّل العراقيون على هذه الانتخابات المرجح إجراؤها في النصف الثاني من العام المقبل (بحسب ما جرى التوافق عليه سياسياً)، لعلها تمنع فوز الوجوه والجهات التي اعتادوا رؤيتها في البرلمان والحكومة، على الرغم من الرفض الشعبي الواسع لها، معتبرين أن وجود هؤلاء وعودتهم كل أربع سنوات، كفيلان باعتبار أي انتخابات غير نزيهة ويشوبها الفساد والتزوير.

وفي مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي، وتزامناً مع ذروة الاحتجاجات العراقية، طرح ناشطون بارزون في التظاهرات، من محافظات كربلاء وذي قار وميسان، فضلاً عن العاصمة بغداد، مشروعاً لتشكيل تكتل سياسي جديد، هدفه الدخول إلى الانتخابات المقبلة ومنافسة الأحزاب الحالية. وجاء ذلك بعد سلسلةٍ من الاجتماعات واللقاءات التي عقدت بين لجان تنسيقية عن تلك المحافظات، اعتبرت أن إقرار قانون جديد للانتخابات وتنظيم انتخابات مبكرة غير كافٍ، إذا لم تدخل تكتلات سياسية لمنافسة تلك الموجودة حالياً، ومشاركتها في القرار، في ضوء رؤية الإصلاح التي تبنتها التظاهرات. ومن أبرز قيادات الحراك السياسي الجديد، علاء الركابي وكاظم السهلاني وعلي هاشم ومهند نعيم، وشخصيات أكاديمية وحقوقية مختلفة ذات توجهات مدنية.

وأنجز الحراك شوطاً مناسباً في هذا الإطار، إلا أن جائحة كورونا، وفرض حظر التجول، وتعليق فعاليات التظاهر المختلفة، أسهمت جميعها في تراجع اللقاءات، غير أنها لا تزال متواصلة على مستوى ناشطين قرروا أخيراً إشراك ممثلين عن المحافظات التي لم تنتفض، وهي محافظات الشمال والغرب المنكوبة بعد احتلال تنظيم “داعش”، ضمن توجّه ليكون الحراك السياسي غير طائفي وشاملاً لكل مدن البلاد.

وبحسب ناشط بارز في بغداد تحدث عبر الهاتف مع “العربي الجديد”، فإن الغاية من التكتل السياسي الجديد، هي “أن يدخل صوت المتظاهرين في الانتخابات المقبلة بهوية عراقية واحدة”، معتبراً أنّ من المبكر الحديث عن هذا الحراك بتفاصيله الكاملة، لأنها غير منجزة بعد، إلا أن هدفه في النهاية مزاحمة الأحزاب الحالية ومنع تفردها بالقرار في البلاد. ويلفت إلى أنه سيكون هناك ممثلون “من كل ساحة وميدان تظاهر، وننتظر انتهاء جائحة كورونا لإجراء لقاءات وندوات ومناقشات مهمة حول ذلك”، معتبراً أنه في حال نجاحه “سيكون أول تكتل سياسي شعبي عفوي يشهده العراق منذ عقود”.

ديمقراطية الزبائن
يؤكد مراقبون ومعنيون بالشأن العراقي، أن سبب تراجع نسبة المشاركة في انتخابات العامين 2014 و2018، كان اليأس الواضح الذي ساد الشارع العراقي من إمكانية التغيير بواسطة الانتخابات وفق نظام يكرس الأحزاب الطائفية الفاسدة الموجودة. ويرى المتابعون أن مجرد إعلان وزارة الداخلية العراقية عن إحراق المتظاهرين وتحطيمهم أكثر من 200 مقر لحركات وأحزاب ومكاتب تابعة لشخصيات سياسية، خلال التظاهرات التي تفجرت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في مدن جنوب البلاد ووسطها وغربها، وفي العاصمة بغداد، وفي مناطق سجلت فيها تلك الأحزاب أغلبية كبيرة من الأصوات الانتخابية، تأكيدٌ آخر لعدم نزاهة الاستحقاقات السابقة.

وحول ذلك، يقول عضو تيار الحكمة، بزعامة رجل الدين عمّار الحكيم، النائب محمد اللكاش، إن “الانتخابات الأخيرة أفرزت نتيجة واضحة، هي عدم قبول الشعب العراقي بأيٍّ من الأحزاب وقادتها، من خلال مشاركة 20 في المائة فقط من الشعب، أو أقل من ذلك، ما شكّل دليلاً واضحاً على الغضب العام”.
ويُقر اللكاش، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، بوجود تشكيكٍ كبير لدى العراقيين في ظاهرة استمرار حصول قادة أحزاب وكيانات سياسية على مقاعد برلمانية ثابتة في كلّ انتخابات، ولكن ما يثير الحيرة أكثر، أن بعض هؤلاء كان يحصل على أصوات هائلة، مثل 100 ألف صوت وأكثر، وهو أمر غير منطقي مقارنةً بالمشاركة الشعبية الضئيلة”. ويجزم اللكاش بأن “التزوير قطعاً ظلّ المسيطر على الانتخابات العراقية”، مذكراً بـ”حوادث الحرائق التي حدثت في مراكز اقتراع الرصافة ببغداد (2018) واستخدام السلاح وغيرها من الممارسات غير القانونية”.


طرح ناشطون بارزون في التظاهرات، مشروعاً لتشكيل تكتل سياسي جديد، هدفه دخول الانتخابات المقبلة ومنافسة الأحزاب الحالية


من جهته، يشير عضو الحزب الشيوعي العراقي أيهم رشاد، إلى أن “قادة الأحزاب من الذين يتصرفون في العراق وكأنه ملك خاص لهم، معروفون للعراقيين، وهم لا يتجاوزن عشرة أنفار، ويسعون من خلال البقاء في البرلمان بمقاعد ثابتة تتجدد كل أربع سنوات، إلى السيطرة على القرارات البرلمانية وتوجهات السلطة التشريعية، وبعضهم يملكون مقاعد خالدة لهم من خلال اتفاقات ومجاملات سياسية وحزبية”، لافتاً كذلك إلى أن “من لا ينجح بالوصول إلى البرلمان أو إلى المناصب المهمة، يعمل في الظلّ على ترتيب بعض الصفقات”.

ويوضح رشاد، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “العملية السياسية تحددها نتائج الانتخابات مهما كانت نسبة الناخبين المشاركين فيها، ولذلك نحتاج إلى إعادة النظر في آلية هذا الاستحقاق التي لا تتناسب مع تطلعات الشعب. كذلك فإن الأحزاب لطالما عملت على تصميم قانون الانتخابات على مقاساتها، من أجل منع تطلعات القوى الوطنية في المشاركة بالعمل السياسي”.

عضوٌ سابق في مفوضية الانتخابات المنحلة بقرار من البرلمان استجابة لمطالب الحراك، التي وُزِّع أعضاؤها خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، على وزارات مختلفة، يرى أن عاملين اثنين يحكمان بقاء زعماء سياسيين في المشهد، على الرغم من انهيار شعبيتهم والغضب الشعبي الذي يواجهونه. ويعتبر في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن قانون الانتخابات (السابق) الذي فُصِّل على مقاس الأحزاب باعتماد آلية “سانت ليغو” المعدلة في طريقة احتساب الأصوات (التي تسحب أصوات الناخبين وتوزعها بين القوى السياسية بطريقة أقرب ما يكون إلى التقاسم بينها)، يضمن فوز رئيس القائمة أو الكتلة الانتخابية، حتى وإن لم ينتخبه إلا أهل بيته، من خلال ذهاب أصوات أعضاء قائمته الانتخابية المرشحين معه ممن لم يتجاوزوا القاسم الانتخابي المطلوب إلى رئيس الكتلة، وبذلك يكون قد حصل على أصوات انتخابية لم تصوت له. أما العامل الثاني، فهو التزوير والتلاعب”. ويلفت في هذا الإطار إلى أن “الأنبار وبغداد وبابل كانت من أكثر محافظات العراق على مستوى التزوير وشراء الأصوات، والاستغلال أيضاً، فهناك كتل سياسية سُنية استغلت أصوات النازحين المتكدسين في المخيمات، وكذلك أحزاب شيعية استغلت أصوات مقاتلي الحشد الشعبي وذوي ضحايا العمليات الإرهابية”، واصفاً ذلك بـ”الجرائم التي سكت عنها القضاء بعلم ودراية منه”. ويرسم صورة قاتمة عن عمل الهيئة القضائية الجديدة، معتبراً أنها “ستتعرض لضغوط وتهديد، إن حاولت أن تنفذ عملية اقتراع نزيهة وعادلة، تتيح فوز من تنتخبه الأغلبية العراقية لا غير”.

بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة جنوب العراق، أياد العنبر، أن “البرلمان العراقي لا يعبّر عن الإرادة الشعبية”، وأن “الانتخابات في البلاد لا تجري على أساس برامج أساسية لإدارة الدولة”. أما “قادة الأحزاب الذين يفوزون دائماً، فهم مرتبطون بشبكة ضمن ما يُعرف بديمقراطية الزبائن”. ويستكمل العنبر في اتصالٍ مع “العربي الجديد”، بالقول إن “المعادلة في العراق لا ترتبط بأن من يحصل على أصوات يفوز في الانتخابات، لكن بطريقة أن السلطة تلد السلطة، لذلك إن وجود قادة الأحزاب والسياسيين في هذه السلطة، يصنع لديهم جمهوراً من الزبائن وأصواتاً تسعفهم في الانتخابات”، وإن المشاركة الأخيرة في انتخابات 2018، “عززت من وجود القادة أكثر، لأن الزبائن هم من سيطروا على عملية الاقتراع ونتائجها”.

ويلفت الخبير السياسي إلى أن “تعديل الأمور في البلاد يحتاج إلى قانون انتخابات عادل، لإزاحة هؤلاء عن البرلمان والمناصب المهمة، وهي المعضلة الأكبر، لأن هؤلاء الماسكين بالسلطة مترسخون، ولا يمكن إزاحتهم بسهولة، وحتى إذا انسحبوا، فسيظلّون متنفذين في كواليس السلطة لإدارة الصفقات والتوافقات”.

زيد سالم

العربي الجديد